مصر: القبضة الأمنية ترجئ الصحوة العمالية

01 مايو 2017
يتمسك المصريون بحقهم بالإضراب والاحتجاج (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن ستة من القياديين العماليين في "هيئة النقل العام" بالقاهرة، يتصورون أن مجرد الإعلان عن نيتهم في تنظيم إضراب شامل بالتزامن مع بدء العام الدراسي، سيكون الرد عليه، بالسجن لخمسة أشهر، ثم إخلاء سبيلهم على ذمة القضية التي لا يزال القضاء ينظر في أمرها. جاء قرار الإضراب في سبتمبر/أيلول الماضي، من أجل المطالبة بعودة تبعية "هيئة النقل العام" إلى وزارة النقل، وزيادة مكافأة عائد الإنتاج بالنسبة للسائقين والمحصلين، وصرف بدل طبيعة العمل والساعات الإضافية على آخر مرتب أساسي، وزيادة بدل المخاطر والحصول على أجر كامل عن أيام الإجازات الرسمية.

إلا أن قوات الأمن المصرية ألقت القبض على القياديين الستة، وهم: طارق محمد يوسف، وطارق البحيري، وأيمن عبد التواب، ومحمد هاشم، ومحمد عبد الخالق عوض الله، وأحمد محمود أحمد، من أماكن متفرقة من القاهرة وفي محل إقاماتهم أو عملهم، قبل 24 ساعة فقط من موعد الإضراب المُجهَض. كما أرسلت إدارة "هيئة النقل العام" المصرية، قرارات بفصلهم عن عملهم.

واختفى العمال الستة لعدة أيام، قبل أن يظهروا في إحدى النيابات التي قررت حبسهم 15 يوماً، وتم تجديد حبسهم على مدار خمسة أشهر، بعد توجيه اتهامات لهم بـ"الانتماء لجماعة محظورة، والإضراب والامتناع عن العمل، الأمر الذي من شأنه إحداث اضطرابات والإخلال بنظام العمل وواجبات الوظيفة والتحريض وتشجيع العاملين على الإضراب والامتناع عن العمل"، وفق ما ورد في القرار الاتهامي.

وسابقة الاعتقالات التي تكررت أمس الأحد عشية احتفال العمال المصريين بعيدهم في الأول من مايو/أيار، "تلخص مجمل أوضاع العمال في مصر"، بحسب الناشطة العمالية، هدى كامل، التي اعتبرت أن "مجرد إعلان العمال عن نيتهم في دخول إضراب عن العمل، كان جزاؤه الحبس خمسة أشهر والفصل التام عن العمل". وقال أحد القياديين العماليين الستة الذين أفرج عنهم أخيراً، "إنهم كانوا يتوقعون رد فعل عنيفاً من النظام، تجاه دعوتهم للإضراب، لكن ليس بهذا الحجم الذي يصل إلى حد السجن وإخلاء السبيل على ذمة قضية والفصل من العمل". وأضاف العامل، مفضّلاً عدم الكشف عن هويته، أن "النظام يحاول إسكات كافة الأصوات المعارضة من حوله، ويخشى هبّة العمال"، وفق تعبيره.


قد يكون الحديث عن صحوة عمالية قريباً، أمراً مستبعداً، بحسب مراقبين للشأن العمالي المصري، أكدوا أن سبيل المقاومة المتاح حالياً، هو "إعادة تنظيم صفوف العمال، والاتفاق على مطالب مشتركة، والوقوف على أرض صلبة، قبل الشروع في أي إجراء فعلي على أرض الواقع". تلك الرؤية يقابلها على الجانب الآخر، احتجاجات عمالية وإن كانت محدودة، إلا أنها تجد طريقها لرفع المطالب وإعلان الغضب المكتوم، كلما كان ذلك ممكناً. فالربع الأول من العام الحالي، شهد 365 احتجاجاً بمتوسط 122 احتجاجاً شهرياً، و4 احتجاجات يومية واحتجاج كل 6 ساعات، وفقاً لإحصاء أعدته منظمة "مؤشر الديمقراطية" التي هي منظمة مجتمع مدني مصرية.

وأكد تقرير "مؤشر الديمقراطية" وجود "تراجع جذري" للحراك الاحتجاجي في الشارع المصري. وفسّر ذلك بـ"أن الربع الأول من عام 2015 شهد عدد 1353 احتجاجاً، فيما تضاءلت الاحتجاجات بنسبة 46 بالمائة لتصبح 733 احتجاجاً خلال عام 2016، ثم أخذت الاحتجاجات في التراجع بنسبة 50 بالمائة لتصل إلى 365 احتجاجاً خلال الربع الأول من 2017 في مصر، وذلك على الرغم مما تمر به الدولة من ارتفاع حاد في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية"، بحسب التقرير. وتلفت منظمة "مؤشر الديمقراطية" إلى أن هذه الأرقام تعكس حقيقة مفادها "أن هناك سياسات واضحة للحؤول دون تعبير المواطن عن آرائه ومطالبه من خلال الحراك الاحتجاجي وأن هناك طرقاً مختلفة تُسلك لغلق كافة متنفسات الاحتجاج وحرية التنظيم"، بحسب التقرير.

ومحاربة النظام للعمال لم تتوقف عند حد إجهاض احتجاجاتهم، أو التنكيل بالمعترضين منهم، بل إنها اشتملت أيضاً على استمرار "الحملة الممنهجة للهجوم على التنظيمات العمالية المستقلة"، بحسب المحامي في "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، عمر محمد.

هذه الحملة على النقابات المستقلة، بدت جليّة في حالة عمال "هيئة النقل العام"، إذ أرسل "الاتحاد العام لنقابات عمال مصر" الخاضغ لسيطرة الحكومة، مذكرّة لـ"الهيئة العامة للنقل العام"، يطالبها فيها بـ"حظر التعامل مالياً وإدارياً مع ما يسمى بالاتحادات والنقابات واللجان المسماة بالمستقلة أو الحرة أو غير ذلك من المسميات، وذلك إعمالاً لمبدأ سيادة القانون، حتى يتسنى للمنظمات النقابية العمالية المنتخبة قانوناً، والتابعة للاتحاد العام، القيام بدورها في خدمة أعضائها من العمال ورعاية مصالحهم المشتركة وذلك لما فيه الصالح العام"، وفق نص المذكرة.

وعلّق محامٍ بـ"تعاونية الوعي العمالي" (منظمة حقوقية تختص بالدفاع عن العمال في القضايا القضائية)، على ما وصفه بـ"موجة هياج الاتحاد غير الشرعي على حق العمال في تنظيم أنفسهم بحرية واستقلالية"، قائلاً إن "اتحاد عمال مصر الحكومي بدأ مرحلة جديدة من الهجوم على النقابات المستقلة، مستغلاً تواطؤ أجهزة الدولة معه"، لافتاً إلى أن "هذا التواطؤ الذي تمثل قبل ذلك في قرارات خرجت من بعض الوزارات، وأُلحقت بخطاب صادر عن مجلس الوزراء، يطالب فيه الوزارات بعدم التعامل مع النقابات المستقلة، وذلك في مخالفة واضحة للدستور المصري"، على حد تعبيره.

وكان "الاتحاد العام لنقابات عمال مصر" قد روَّج لفتوى صادرة من "لجنة الفتاوى" بمجلس الدولة المصري، تنص على "عدم شرعية النقابات المستقلة"، وهو ما علّقت عليه "تعاونية الوعي العمالي" بقولها إن "هذه الفتوى مخالفة لنص المادة 76 من الدستور والاتفاقيات الدولية وقرار إعلان الحريات النقابية، فضلاً عن مخالفتها تماماً لما أصدرته ذات الهيئة من فتوى أكدت فيها على شرعية النقابات المستقلة وأحقيتها في استقطاع اشتراكات أعضائها، في مارس/آذار 2013".

وتنص المادة 76 من الدستور المصري على أن "إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون. وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية، وتسهم في رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم. وتكفل الدولة استقلال النقابات والاتحادات، ولا يجوز حل مجالس إداراتها إلا بحكم قضائي ولا يجوز إنشاء أي منها بالهيئات النظامية". كما تنص المادة 93 من الدستور على أن الدولة "تلتزم بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشْرها وفقاً للأوضاع المقررة".

دلالات
المساهمون