3 بنود فنية بمفاوضات سد النهضة... وحملة دبلوماسية إثيوبية

26 مايو 2020
تتملص إثيوبيا من اتفاقات سابقة (إدواردو سوتيراس/فرانس برس)
+ الخط -
قال مصدرٌ فني في وزارة الري المصرية إن اتصالات بدأت بين الوزارة ونظيرتها السودانية، لوضع مخططٍ مبدئي لكيفية إدارة المفاوضات الفنية حول سدّ النهضة بين وزيري ري البلدين، محمد عبد العاطي وياسر عباس، ونظيرهما الإثيوبي سيليشي بيكيلي، خلال الأسبوع الحالي. ولفت المصدر، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه لا يوجد حتى الآن تواصل مباشر بين القاهرة وأديس أبابا، وأن كلّ الاتصالات تتم عبر الخرطوم، التي ستتولى إدارة الاجتماع من الناحية التسهيلية، بما في ذلك تحديد البنود ذات الأولوية، والتي يجب حلّها قبل أن تبدأ إثيوبيا في ملء السد. وأوضح المصدر أن أول بندٍ سيتم نقاشه في المفاوضات، هو حول طبيعة الظروف الهيدرولوجية (قياسات التدفق) الخاصة بالنيل الأزرق، والتي تتمسك مصر بأن يتم قياسها دورياً، واتباعها عند نقاط زمنية معينة في جدول تمّ الاتفاق عليه سلفاً، وذلك لتحديد كميات المياه التي يتم تخزينها في بحيرة السدّ خلال الفترة الأولى من عملية الملء، التي من المقرر أن تستمر من يوليو/ تموز حتى فبراير/ شباط. هذه العملية من المفترض أنها ستتباطأ تدريجياً على ثلاث مراحل تالية، إحداها طويلة تمتد من يوليو 2021 وحتى فبراير 2022، تسبقها مرحلة قصيرة وبعدها مرحلة قصيرة أخرى، وفي تلك الفترة يتم تشغيل السدّ تدريجياً لإنتاج الكهرباء. وتنتهي المراحل الأربع بتشغيل السدّ بأقصى طاقة استيعابية لتوليد الكهرباء في صيف 2022، مع الحفاظ على حدٍّ أدنى لإبقاء السد ممتلئاً وقيد التشغيل.

ووفقاً للمصدر المصري، فإن الخلاف ليس على تقسيم الفترات، لكن إثيوبيا، وبعدما كانت قد وافقت على أن يتم تغيير كميات الملء في كل مرحلة وفقاً للظروف الهيدرولوجية، رفضت ذلك، وطالبت باتباع خطة ملء ثابتة غير متغيرة، بحجة أن تغيير الكميات سيؤدي إلى إبطاء مساعيها لإنتاج الكهرباء، على الرغم من عدم صحة ذلك، وفقاً للمصفوفات المصرية والسودانية.

أما البند الثاني الذي ستناقشه المفاوضات، فهو أن إثيوبيا تريد العودة عما تمّ الاتفاق عليه خلال جولات واشنطن بأنها ستنتهي من تشغيل كل توربينات الطاقة الكهرومائية اللازمة لتشغيل السدّ في الإنتاج بكامل طاقته خلال عامين. وبإضافة هذا الاتفاق إلى اتفاق آخر يتضمن السماح بتمرير 37 مليار متر مكعب في أوقات الجفاف، فإن هذا ينتج عنه تمكن إثيوبيا من إنتاج الكهرباء بقوةٍ تتجاوز 80 في المائة من القوة الإجمالية خلال عامين أو ثلاثة.


وبحسب المصدر المصري، فإن إثيوبيا تزعم أن تمرير هذه الكمية سيصل بمنسوب البحيرة إلى أقل من 595 متراً، وبالتالي فهي ستفقد إمكانية التوليد المستدام وغير المنقطع من الكهرباء لمدة 7 سنوات على الأقل. لكن المصفوفات المصرية والسودانية ترى أن تمرير هذه الكمية من جسم السدّ، حتى في أسوأ أحوال الجفاف، ستبقيه ممتلئاً بكمية تصل إلى 23 مليار متر مكعب، وهو ما يكفي تماماً لتوليد الطاقة المطلوبة.

ونفى المصدر أن تكون الطلبات المصرية ستؤدي إلى تخفيض منسوب المياه في البحيرة أقل من 595 متراً، موضحاً أن كل التدابير التي تمّ الاتفاق عليها في واشنطن تبقي منسوب المياه، في أسوأ الأحوال، وإذا توافرت كل حالات الاستثناء من جفاف وتمرير لأعلى نسبة مطلوبة من المياه، عند 605 أمتار تقريباً، علماً أن نقطة الجفاف النظرية هي 603 أمتار.

أما البند الثالث الذي ستتطرق إليه المفاوضات الفنية، فهو الخاص بنقطة تحرير المياه، أو المنسوب الذي يجب التوصل إليه لضمان التشغيل الأمثل المستدام، وإطلاق الكميات الزائدة عن الحاجة في مجرى النيل لتصل إلى السودان ومصر. وهنا يوجد اتفاق مبدئي بين الدول الثلاث على أن يكون المنسوب 625 متراً، لكن إثيوبيا عادت في الجولة الأخيرة وادعت أن الوصول إلى هذا المنسوب يتطلب منها عدم وقف الملء في أي مرحلة تبعاً للظروف الهيدرولوجية، وهو ما ترفضه مصر. وتقدّم القاهرة من جهتها مصفوفةً تثبت أن الوصول إلى هذا المعدل لن يتعارض مع التوقفات المطلوبة، بل يمكن تأمينه في حالة الفيضان وبمراعاة الظروف في أقل من خمس سنوات.

وبالتزامن مع جهود استئناف المفاوضات الفنية بين مصر وإثيوبيا والسودان حول قواعد الملء والتشغيل، بدأت أديس أبابا معركةً دبلوماسية جديدة في واشنطن ونيويورك، بإطلاق عددٍ من الحملات الدعائية الموجهة بشكل شخصي إلى أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين، وأعضاء وفود الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وممثلي المنظمات الرسمية وغير الرسمية. وتستهدف الحملة إزالة أي أثرٍ تسببت به رسالة مصر التي وجهتها إلى مجلس الأمن الدولي، مطلع شهر مايو/ أيار الحالي، وطالبت فيها المجتمع الدولي بالعمل على إعادة إحياء المسار التفاوضي، مشيرة إلى احتمال تأثير هذه القضية على السلم في المنطقة.

وصاحب إطلاق الحملة الإثيوبية تدشين عددٍ من المبادرات الجماعية برعاية مباشرة من السفارة الإثيوبية في واشنطن ومجموعات الإثيوبيين والأفارقة في الولايات المتحدة. وبحسب مصادر دبلوماسية مصرية، فإن الحملة تضمنت إرسال العديد من الأوراق ومقاطع الفيديو والرسائل الإلكترونية التفاعلية لعددٍ من المنتديات السياسية والمحلية الأميركية، بصورة تفوق الحملة السابقة التي كانت أديس أبابا قد دشنتها بالتزامن مع مفاوضات واشنطن، قبل وبعد فشلها في التوصل لصيغة نهائية لقواعد الملء والتشغيل.

وذكرت المصادر المصرية أنه من الواضح تلقي الحملات الإثيوبية دعماً مالياً ومعنوياً كبيراً من رجال أعمال أميركيين ونواب من أصول أفريقية، خصوصاً النائبين عن الحزب الديمقراطي جون جاراميندي وستيفن هورسفورد، اللذين عقدا منذ شهرين اجتماعات مكثفة مع أفراد من الجاليات الإثيوبية في واشنطن ونيفادا وكاليفورنيا، تضمنت طمأنتهم لوجود رأي عام قوي مساند لأديس أبابا داخل الحزب الديمقراطي تحديداً.

وتتبنى الحملات خطاباً أكثر تشدداً تجاه مطالب إثيوبيا مما تعلنه الحكومة الإثيوبية نفسها، وتزعم أن مصر تبالغ في تصور حجمها واستحقاق نصيب أكبر من مياه النيل، وأن إثيوبيا ودول المنبع هي الأحق حالياً بالدعم الأميركي بسبب فشل تلك الدول على مدار عقود في استغلال مياه النيل للتنمية، خصوصاً في توليد الكهرباء وتنظيم الزراعة وخلق مزارع سمكية وغيرها من الأنشطة، التي ترغب في استغلالها شركات أميركية وأوروبية وآسيوية مختلفة.

وسبق أن استعانت السفارة المصرية بواشنطن في مارس/ آذار الماضي بمؤسسة علاقات عامة سبق وتعاقدت معها الاستخبارات العامة أكثر من مرة لعقد فعاليات وإقامة لقاءات وشن حملات إعلامية لتحسين صورة النظام المصري. وبدأت السفارة بالفعل في تنسيق لقاءات مع عدد من النواب والسياسيين لتوضيح موقف مصر من قضية السدّ، ومحددات التفاوض والتنازلات التي قدمتها القاهرة بغية الوصول إلى اتفاق يوازن بين حقوق جميع الأطراف، فضلاً عن التركيز على تقديم بيانات تؤكد ارتفاع كفاءة الاستفادة المصرية من المياه في السنوات الأخيرة وتقليل المهدر والمفقود. يذكر أن هذه النقطة الأخيرة تروج إثيوبيا لنقيضها، باعتبار أن مصر تحمّلها كلفة فشلها في إدارة مواردها، وأنها تحصل سنوياً على أكثر من 80 مليار متر مكعب، أي أكثر من الحصة المنصوص عليها في اتفاقية 1959 مع السودان بواقع 30 مليار متر مكعب، الأمر الذي لا تعترف به مصر بالطبع، وتؤكد أن كفاءة استغلال المياه تصل حالياً إلى أكثر من 85 في المائة.

وأرسلت مصر مطلع الشهر الحالي خطاباً إلى مجلس الأمن بلهجة لا تخلو من الرجاء، لاتخاذ ما يلزم لاستئناف مفاوضات ملء وتشغيل السد. وتضمن الخطاب وصف الخطر الاستراتيجي الذي قد تشهده المنطقة جرّاء الممارسات الإثيوبية بأنه "تطور محتمل"، وهو التحرك الذي يستحيل أن يصاحبه - بحسب مراقبين - تحضير لتحرك عسكري مصري سيكون بالتأكيد غير مرغوب من القوى العظمى، ولا مرحب به من المنظومة الأممية.

وفي خطابها، كشفت مصر أن إثيوبيا عرضت أن يتم الاتفاق فقط بين الدول الثلاث على قواعد الملء والتشغيل لأول عامين فقط، وهو ما اعترضت عليه مصر والسودان، ليس فقط لأنه يتجاهل تنظيم فترة الملء كاملة، ويتناقض مع القواعد التي سبق الاتفاق عليها، ولكن أيضاً لأنه يتناقض مع اتفاق المبادئ الذي يؤكد عدم الملء قبل التوصل إلى اتفاق شامل.

وقدمت إثيوبيا ردّاً على الخطاب المصري لمجلس الأمن، تضمّن التشديد على أن الملء الأول لن يضر بدولتي المصب، نظراً لأنه يتزامن مع الفيضان، وأنه لا ينتهك اتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في مارس/ آذار 2015، وأنه يمكن فصل قواعد الملء والتشغيل في السنوات التالية عن فترة الملء الأول.

وتزعم إثيوبيا أن مصر ليس لها الحق في أن تتداخل معها في كيفية إدارة السدّ، إلا بعد الوصول لمستوى التخزين الذي يؤثر فعلياً على حصتها من المياه. ويأتي ذلك علماً أن كل توربينات السدّ ستكون جاهزة للعمل عند اكتمال تخزين كمية 18.4 مليار متر مكعب، ما سيؤدي إلى تناقص منسوب المياه في بحيرة ناصر، جنوب السدّ العالي، بشكل كبير، خصوصاً إذا انخفض منسوب الفيضان في العامين المقبلين، ليقل عن مستوى 170 متراً. ويعني هذا الأمر خسارة 12 ألف فدان من الأراضي القابلة للزراعة في الدلتا والصعيد كمرحلة أولى من إجمالي 200 ألف فدان تتوقع وزارة الموارد المائية والري المصرية تحولها إلى بور نتيجة المدة الإجمالية للملء.