"إغراءات" الجنسية الإسرائيلية: التحريم وادّعاءات الاحتلال ومرارة الفلسطينيين

12 مارس 2017
يستمرّ تغوّل الاحتلال ضد الفلسطينيين المتجنّسين (أحمد غربلي/فرانس برس)
+ الخط -
يشكك مسؤولون فلسطينيون ومديرو مراكز حقوقية مقدسية في معطيات نشرها موقع "المصدر" الإسرائيلي الإلكتروني، تطرّق فيها إلى ارتفاع عدد طالبي الجنسية الإسرائيلية من المقدسيين في السنوات الأخيرة على نحو غير مسبوق، محمّلين في الوقت ذاته سلطات الاحتلال المسؤولية عن الأوضاع الحياتية والمعيشية الصعبة، وسياسة التطهير العرقي الصامت التي تدفع ببعض المقدسيين إلى طلب الحصول على الجنسية الإسرائيلية للحفاظ على حقهم في الإقامة بمدينة القدس المحتلة، بعد أن باتوا هدفاً لسياسة رسمية تزداد معالمها وضوحاً يوماً بعد يوم.
**********************
والحماسة الإسرائيلية لمنح الجنسية للمقدسيين الفلسطينيين كانت تعاظمت على نحو خاص في فترة مؤتمر مدريد (مطلع التسعينيات) وذلك لسد الطريق أمام المطالب الفلسطينية باستعادة القدس، وعرض وجود بضعة آلاف من سكان القدس ممن قبلوا بالجنسية وبالسيادة الإسرائيليتين، وبالتالي محاولة تحويل مسألة هؤلاء إلى "قضية إسرائيلية داخلية" على اعتبار أن أصحابها من حملة الجنسية الإسرائيلية. وبعد استشهاد ياسر عرفات، وتراجع دور منظمة التحرير في القدس المحتلة، وانتقال كثير من المؤسسات الفلسطينية الوطنية، خاصة بعد إغلاق بيت الشرق، ورحيل فيصل الحسيني، ازدادت القطيعة بين القدس وأهلها من جهة، والضفة الغربية من جهة ثانية، مع إعلاء شأن رام الله كعاصمة إدارية، وتراجع قوة العلاقة بين منظمة التحرير والسلطة من ناحية، وبين أهالي القدس المحتلة من ناحية أخرى. يضاف إلى ذلك أن حكومة الاحتلال وبلدية القدس تحديداً، عمقتا في الأعوام الأخيرة، من مبادرات ضم أكبر عددد ممكن من مدارس القدس المحتلة للمنهاج الإسرائيلي، وزيادة عدد الطلبة في مرحلة التوجيهي الذين اختاروا، لضمان مستقبلهم، تقديم امتحانات وفق المقرر الإسرائيلي الرسمي المعروف باسم "بجروت"، وليس وفق امتحانات التوجيهي الفلسطينية. وارتبط ذلك أيضاً بوضع برامج مِنَح وتشجيع خريجي القدس المحتلة، ذكوراً وإناثاً، لمواصلة دراستهم الجامعية في الجامعة العبرية، مما يبعدهم عن فضاء حركات الشبيبة والطلبة التابعة للفصائل الفلسطينية الموجودة مثلاً في جامعات الضفة الغربية المحتلة.
*************
وقد تقرير "المصدر" أن "عدد طلبات الفلسطينيين المقدسيين للحصول على الجنسية الإسرائيلية، اجتاز الألف طلب، إذ قُدّم 1081 طلباً إلى وزارة الداخلية الإسرائيلية عام 2016، ما شكّل ارتفاعاً بنسبة 15 في المائة عن السنوات السابقة، ومنذ عام 2014 حتى 2016، تمت الاستجابة الإيجابية لنحو 20 في المائة من هذه الطلبات فقط".

وفي تعليق لـ"العربي الجديد"، على ما أورده موقع "المصدر"، اعتبر مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، زياد الحموري، أن "ما عرضه التقرير ليس جديداً، والمعلومات التي بحوزتنا تشير إلى أعداد ثابتة تقريباً من المقدسيين الذين يتوجهون للحصول على الجنسية الإسرائيلية، وهي تتراوح سنوياً ما بين 600 و700 طلب، يتم رفض أكثر من 80 في المائة منها".

وأبدى الحموري اعتقاده بأن "الزيادة الطفيفة في أعداد طالبي الجنسية الإسرائيلية، تؤشر إلى واقع المقدسيين المرير المتعلق بمستقبلهم حيال إقامتهم الدائمة في القدس وعدم تجريدهم منها، من قبل سلطات الاحتلال التي تمارس سياسة التطهير العرقي والطرد الصامت بحقهم، متذرعة بإقامتهم خارج الحدود البلدية المصطنعة للقدس المحتلة، على الرغم من أنهم أصحاب البلاد والأرض الشرعيين. كما أن هؤلاء يعانون من الواقع الاقتصادي الصعب، وارتفاع معدلات البطالة والفقر في صفوفهم، وانعدام فرص العمل الملائمة لهم في مناطق السلطة الفلسطينية، واقتصارها فقط على بضع مئات من الموظفين الذين يتقاضون رواتب أقل من نصف الحد الأدنى للرواتب والأجور في أماكن العمل الإسرائيلية". مع ذلك، كشف الحموري، أن "حيازة الجنسية الإسرائيلية لم تمنع بأي حال تغول الاحتلال على حامليها، وقد وصلت للمركز شكاوى من مقدسيين يحملون الجنسية الإسرائيلية واجهوا صعوبات وتعقيدات جمة من قبل وزارة الداخلية الإسرائيلية لدى توجههم لتسجيل أبنائهم في سجلات السكان أو الحصول على بطاقات هوية جديدة".



وأضاف أن "هؤلاء كانوا يعتقدون بأن حيازتهم الجنسية وإقامتهم في مناطق الضفة الغربية خارج حدود بلدية القدس المصطنعة، ستحميانهم من تغوّل الاحتلال عليهم وعلى حقوق أبنائهم في الإقامة، لكن ثبت لهم العكس. والحال أيضاً ينطبق حتى على المواطنين الفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة عام 1948، فقوميتهم العربية وانتماؤهم الفلسطيني كانا سبباً في البطش بهم. وأقرب مثال على ذلك، هو تعامل كيان الاحتلال مع قضية النائب باسل غطاس، وهو عضو منتخب في الكنيست الإسرائيلي، بالإضافة إلى حملة الهدم المسعورة التي طاولت تسعة منازل في قلنسوة. والمغزى هنا أن حيازة الجنسية الإسرائيلية لا تعطي حاملها أي ضمانات في دولة تنحدر أكثر نحو العنصرية".

وكان مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، قد نشر منذ عامين معطيات تتعلق بسحب إقامة المقدسيين بذريعة إقامتهم خارج القدس، أفادت بفقدان نحو خمسة عشر ألف مقدسي مع عائلاتهم لحقوق الإقامة في مدينتهم المقدسية، وكان عام 2008، أكثر الأعوام الذي فقد فيه مقدسيون حقوق الإقامة. في المقابل، ارتفعت وتيرة سحب الإقامات في الأعوام التي تلت ذلك، خصوصاً قبل هبة القدس (أكتوبر/تشرين الأول 2015) بعامين، وزادت منها إجراءات التنكيل التي مارسها الاحتلال بحقهم، ومنها إبعاد نواب مقدسيين منتخبين إلى الضفة الغربية، وإجراءات النفي والإبعاد المؤقت عن القدس لنشطاء وناشطات بتهم التحريض أو الدفاع عن المسجد الأقصى.

بدوره، وجّه رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس المحتلة، الشيخ عكرمة صبري نداءً مجدداً للمقدسيين بعدم الوقوع في شرك الحصول على جنسية دولة الاحتلال، محذّراً من تبعات ذلك على مستقبل أبنائهم. وأشار صبري في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "أصدرنا قبل سنوات فتوى تحرم وتجرم الحصول على هذه الجنسية التي لا يمكن أن تعطي حاملها أي حصانة من إجراءات الاحتلال، ويُنظر للعربي والفلسطيني وإن كان يحمل جنسيتهم بتشكك وعدوانية، وهذه الجنسية لم تحصن حتى أعضاء الكنيست العرب في الداخل من إجراءات الاحتلال والمطالبة بتجريدهم من هذه الجنسية، كما هو الحال بالنسبة للنائبة حنين الزعبي".

وتابع "إضافة إلى ذلك، فإن ما يحمله المستقبل لعائلات المقدسيين المتجنسين، من إرغامهم على التجنيد في صفوف جيش الاحتلال وأذرعه الأمنية والشرطية المختلفة، وفي هذا خطر كبير على هويتهم الوطنية وانتمائهم الفلسطيني، وحتى على عقيدتهم، ومن هنا نجدد التأكيد على فتوانا بتحريم الحصول على الجنسية، لأن أضرارها أكثر من منافعها".

****************
وتجري الانتخابات البلدية في الأحياء الفلسطينية من القدس منذ الاحتلال. ومنذ مطلع السبعينيات، كان تيدي كوليك رئيس بلدية الاحتلال بعد إعلان ضم القدس، يستعين بعدد من المخاتير من القرى المحيطة بالقدس التي تم ضمها لمنطقة العاصمة الفلسطينية، للإيحاء بأن "هناك فلسطينيين يريدون البقاء تحت الحكم الإسرائيلي". وحق المشاركة في الانتخابات البلدية مكفول لكل مقدسي يحمل الإقامة، خلافاً للتصويت التشريعي (للكنيست) الذي يشترط حمل الجنسية الإسرائيلية. وكان الاحتلال يستغل دائماً مراسم تدشين كل مؤسسة أو منشأة في أحياء القدس المحتلة، بعد إجبار المقدسيين على المشاركة فيها، أو "مراسم لم الشمل"، للتدليل على ما يدعي أنه "حالة تعايش". 
******************
أحد التجار ممن حصلوا على الجنسية، الذي اكتفى بالإشارة إليه بحرفي (ح. ب)، قال: "حصلت على هذه الجنسية قبل عشر سنوات، حين اضطررت إلى القيام بذلك، بعد الذي عانينا منه بسبب إقامة العائلة في بلدة العيزرية المجاورة للقدس، التي كان السفر إليها من قلب المدينة إلى حيث نقيم نحو سبعة دقائق، لكن إقامة جدار الفصل العنصري صعّب علينا التحرك والتنقل، في وقت كانت أجور السكن تسجل ارتفاعاً كبيراً مع عودة مئات العائلات مجدداً من أماكن سكناها ومن منازلها في ضواحي الضفة خارج حدود بلدية الاحتلال".

وتابع: "اضطررنا في حينه إلى ترك منزلنا في العيزرية وأقمنا مجدداً في القدس، لكن خمس سنوات من السكن في بيوت الإيجار دفعني للتفكير بالحصول على الجنسية. وحصلت عليها بعد نحو عام ونصف من تقديم الطلب، وبعد ذلك عدت لمنزل العائلة في العيزرية، رغم أن هذا لم يحد من الصعوبات تواجهنا في الداخلية لدى الحصول على بعض المعاملات منها".

مع ذلك، رفض مسؤول ملف القدس في حركة فتح حاتم عبد القادر، المبررات التي يسوقها بعض حاملي الجنسية الإسرائيلية، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "القضية هي قضية مبدأ، ولا يمكن المساومة عليها". وأضاف: "ليس تشكيكا بوطنية من حصلوا عليها، لكن حمل هذه الجنسية يعني الكثير، وقد يعرّضهم مستقبلاً لإجراءات من قبل إسرائيل يدفع أبناؤهم ثمنها، حين يرغمون على التجنيد، أو الخدمة الإجبارية في مؤسسات كيان الاحتلال ذات الطابع الأمني".

وأوضح عبد القادر قائلاً: "ندعو وما زلنا نناشد أهلنا في القدس بعدم الحصول على الجنسية الإسرائيلية، التي لن تشكل أي ضامن لحقوقهم، والدليل الكيفية التي تتعامل بها دولة الاحتلال مع المواطنين الفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة عام 1948، بمن فيهم النواب العرب المهددون اليوم أكثر من أي وقت مضى رغم حيازتهم الجنسية الإسرائيلية منذ عقود، ويعتبرون حسب قوانين دولة الاحتلال مواطنين فيها".