الروس والنظام يتنصلون من اتفاق درعا... وإسرائيل تحدد شروطها

10 يوليو 2018
بعض الأهالي عادوا لمناطق سيطر عليها النظام(محمد أبازيد/فرانس برس)
+ الخط -
لا يزال يشوب المشهد في الجنوب السوري الكثير من الغموض، نتيجة عدم التزام النظام والروس بأي من البنود المتعلقة بهما بموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه قبل أيام مع فصائل معارضة في المنطقة، بدءاً من الانسحاب من البلدات التي سيطر عليها النظام إلى عدم دخول قواته إلى معبر نصيب، في حين هناك مماطلة في تأمين حافلات لنقل رافضي هذا الاتفاق من أهالي درعا إلى الشمال السوري. أما مصير مناطق القنيطرة الخاضعة لسيطرة المعارضة فلا يزال مجهولاً إلى اليوم، بانتظار الاجتماع المرتقب بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي استبقه الأخير بتأكيد عدم قبول أي تموضع للقوات الإيرانية والقوات الموالية لها في أي جزء من الأراضي السورية.
في موازاة كل ذلك، بدأت تظهر مؤشرات إلى تحضير روسيا والنظام عملية عسكرية في إدلب التي تضم العدد الأكبر من النازحين السوريين الذين هجروا من المناطق التي كانت خاضعة للمعارضة سواء في محيط دمشق أو في مناطق أخرى، وذلك بعد معلومات عن توجيه الروس نصائح لمهجري درعا بتجنب التوجه إلى إدلب لأنها ستكون وجهة الهجوم المقبل، في خطوة من شأنها، إن حدثت، أن تفتتح مرحلة جديدة من عملية تصفية المعارضة، التي تقودها روسيا بغض بصر من قوى إقليمية ودولية عدة فاعلة في المشهد السوري. كما من شأن هكذا عملية عسكرية أن تتسبب في موجة نزوح ولجوء ستكون الأكبر منذ بدء الحرب في سورية. مع العلم أن منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في سورية، بانوس مومتزيس، دعا قبل أسابيع إلى تجنب إراقة الدماء في إدلب، محذراً من أن أي عملية عسكرية في إدلب يتوقع أن تفضي إلى نزوح 2.5 مليون شخص صوب تركيا لأنه ليس هناك مكان آخر ينتقلون إليه.
 وتتعزز المخاوف بشأن مصير المنطقة بعد بدء التمهيد الروسي للهجوم على المحافظة، عقب الانتهاء من تثبيت قوات النظام السوري في الجنوب السوري.

ويبدو أن الاتفاقات التي أبرمت حول الجنوب السوري والخاصة بمناطق المعارضة في درعا، قد أخمدت نوعا ما نار المعارك والقصف، التي فرض عبرها النظام سيطرته ليل الأحد - الإثنين على أم المياذن على الطريق الدولي، وبالتالي أكمل سيطرته على الطريق الدولي من دمشق إلى المنفذ الحدودي مع الأردن في منطقة نصيب، حيث انتشرت القوات النظامية بشكل كثيف، في ظل وجود رمزي للشرطة العسكرية الروسية، خارقا بذلك حتى الاتفاق الأخير المبرم برعاية الروس.
ويعيش أهالي درعا، حالة من الترقب والقلق مما قد تحمله لهم الأيام المقبلة، في ظل تقدم النظام وضربه بعرض الحائط الاتفاق الأخير، إذ سيطر على الحدود السورية - الأردنية، وحاصر مناطق المعارضة في مدينة درعا، فضلاً عن التغول في ريف درعا الغربي، بمباركة دولية.
وقالت مصادر محلية في درعا، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "النظام بدأ نشر آلياتٍ ثقيلة ودبابات ومدفعية، على طول الشريط الحدودي مع الأردن، مُطبقاً الحصار بشكل كامل على درعا البلد".

وقال أحد الناشطين الإعلاميين في مدينة درعا، طلب عدم ذكر اسمه، في حديث مع "العربي الجديد": "نعم تم حصار درعا نتيجة اتفاق بين الفصائل والروس، إذ كان ينص الاتفاق على وقف إطلاق نار، فضلاً عن سيطرة القوات النظامية على الحدود السورية - الأردنية مقابل خروجه من البلدات التي سيطر عليها أخيراً، كما نص على أن يكون معبر نصيب بإدارة مدنية وحماية الشرطة الروسية وشرطة مدنية، إضافة إلى ضمان خروج رافضي الاتفاق، فما كان من النظام إلا أن نفذ عملية عسكرية في أم المياذن وأدخل قواته على معبر نصيب، ولم يخرج رافضي الاتفاق". وأضاف: "بالوقت الحالي النظام أطبق الحصار على مدينة درعا بعد أن سيطر على المخافر الحدودية وكتيبة الدفاع الجوي، ودخل على مناطق الريف الغربي، إذ سيطر على الشريط الحدودي في منطقة تل شهاب وزيزون، إلا أنه لم يتقدم باتجاه البلدات. ويبدو أن النظام يعمل للوصول إلى مناطق سيطرة تنظيم داعش، وذلك يتحقق بوصوله إلى النقطة الحدودية في حيط، حيث يدّعي أنه سيفتح عملاً عسكرياً ضده".
وذكر الناشط الإعلامي نفسه أن "الفصائل في الريف الشرقي والمدينة والريف الغربي، سلمت بأمر التفاوض، إذ يدخل النظام باتفاق وتنسيق مع الفصائل"، لكنه لفت إلى أن القنيطرة وبعض مناطق الريف الغربي، هي خارج الاتفاق، وقد شكلت غرفة عمليات خاصة بها، لكن من غير المعلوم إن كانت ستقاتل النظام أم ستدخل بتفاوض، خصوصاً بعد إعلان وجود المليشيات الإيرانية. وأشار إلى أن الدعم مستمر لهذه الفصائل بخلاف فصائل درعا.
من جانبه، عدد الناشط الإعلامي في درعا، قصي صياصنة، في حديث مع "العربي الجديد"، أبرز فصائل الريف الغربي، ذاكراً جيش المعتز وفجر الإسلام ولواء الكرامة وجميل أبو الزين، لكنه لفت إلى أن خياراتهم اليوم صعبة فإن لم يدخلوا في التفاوض، سيتعرضون للقصف والتدمير الشامل، مع أن الطبيعة الجغرافية تعطيهم نقطة قوة عسكرية.

من جهته، قال ابن درعا الصحافي عامر الحوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أمس الإثنين، إن وفداً روسياً أتى إلى بلدة طفس لعقد جولة مفاوضات، حول وقف إطلاق النار، مبيناً أن "المشكلة اليوم أنه ما من أحد يصرح ببنود الاتفاقات التي تبرم، إن كان بالريف الشرقي أو الغربي، ولا حتى ببيان يوضح للناس ما ينتظرهم".
وأضاف: "هناك حالة تخبط كبيرة بين الأهالي، فجزء منهم عاد إلى المناطق التي سيطر عليها النظام، هناك عائلات تتنقل بين القرى تجهل إلى أين تذهب، حتى أن هناك ناشطين وإعلاميين خاطروا بحياتهم وعادوا إلى بلداتهم تحت سيطرة النظام". ولفت إلى أنه يوجد آلاف الأشخاص توجهوا إلى بصرى الشام، على اعتبار أن القوات النظامية لم تدخلها بعد، في حين أنها أول منطقة دخلت بتسوية مع النظام، ما يدفع الناس إلى أن تدخل بتسوية مضمونة العواقب تجنبهم القتل والاعتقال.
وحول قوافل التهجير التي ستقل رافضي الاتفاق الأخير بين الفصائل والروس إلى إدلب، والتي تشير التسريبات إلى أن العدد سيتراوح ما بين 5 و6 آلاف شخص هم في غالبيتهم مقاتلون وعائلاتهم، فإن الأمر لا يزال مؤجلاً من دون معرفة الأسباب، في وقت قال ما يُسمى بـ"مركز "المصالحة الروسي"، أمس الإثنين، إن استعدادات تجري، لنقل نحو ألف شخص، ممن يرفضون اتفاق درعا، نحو محافظة إدلب شمال غربي البلاد، وذلك بحسب ما نقلت وكالة انترفاكس الروسية.
ويرجح متابعون أن يتجه الروس للسيطرة على محافظة إدلب وجزء من أريافها بعد الانتهاء من درعا، بذريعة القضاء على الفصائل الإرهابية وعلى رأسها تنظيم "النصرة"، بعدما فشلت تركيا إلى اليوم في إنهاء وجود تلك الفصائل في مناطق وجودها. ومن بين المتابعين من ذهب أبعد من ذلك وقال إن الروس سيفرضون سيطرة النظام على كامل الأراضي السورية، بضمانة روسية لمصالح الدول الفاعلة في سورية، وضمان إخراج المليشيات الإيرانية من البلاد.
من جانبها، قالت مصادر محلية، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه كان من المقرر أن تغادر أول دفعة من رافضي الاتفاق في درعا أول من أمس الأحد على متن عشرات الحافلات، لكن الجانب الروسي ماطل في الأمر عبر حجج غير مقنعة، ما دفع وفد المعارضة إلى إلغاء العملية، والطلب ممن سجل اسمه للخروج إلى الشمال التوجه إلى منطقة الرفيد في ريف القنيطرة على الشريط الحدودي مع الجولان المحتل، خشية تعرضهم للاعتقال من جانب قوات النظام التي حاصرت بلدة نصيب والبلدات المجاورة، على أن ينتظروا هناك ريثما يتم التوافق على آليات الخروج باتجاه الشمال.

وبينت المصادر نفسها أنه كان من المقرر أن تنطلق الدفعة الأولى من المهجرين من منطقة الجمرك قرب الحدود الأردنية باتجاه مناطق درع الفرات شمال سورية المدعومة تركيا، وهي تضم أعداداً من المقاتلين وعائلاتهم، فيما قالت وسائل إعلام النظام إن نحو 30 حافلة تجمعت في مدينة الصنمين، تمهيداً للبدء بالعملية. من جهتهم قال ناشطون في درعا، إن الجانب الروسي، نصح الراغبين في الخروج، بأن يبقوا في درعا، وألا يذهبوا إلى إدلب، لأنها ستكون وجهة العمليات العسكرية المقبلة.
وأوضحت المصادر أن "الفصائل داخل مدينة درعا ترفض الخروج، في الوقت نفسه ترفض دخول النظام، وتطرح أن تبقى في المدينة وتشارك في إدارتها وتكون مسؤولة عن حفظ أمنها فقط بدون قتال النظام".
وحاولت "العربي الجديد" الحصول على تفاصيل من مصدر مسؤول في "غرفة العمليات المركزية في درعا"، إلا أنه اعتذر عن الإجابة عن الأسئلة، قائلاً: "ليس لدي شيء أقوله". وكذلك كان حال مصدر مسؤول في "جيش الثورة" في درعا، ومصدر مسؤول في الوفد التفاوضي باسم الفصائل في درعا.
ميدانياً في القنيطرة، قالت مصادر محلية في المحافظة الواقعة جنوب غربي سورية، إن اشتباكاتٍ بالأسلحة المتوسطة والثقيلة، اندلعت صباح أمس الإثنين، في محيط بلدة مسحرة، في ريف القنيطرة الأوسط، عندما حاولت القوات النظامية ومليشيات تساندها، التقدم نحو مناطق تُسيطر عليها فصائل مسلحة.
وذكرت المصادر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن قوات النظام والمليشيات المساندة لها، بدأت عملية تسللٍ بمحيط بلدة مسحرة، لكنها تراجعت، بعد تصدي مقاتلي الفصائل لتلك المحاولات للتقدم.
في موازاة ذلك، قصفت القوات النظامية عدة نقاطٍ في ريف القنيطرة الأوسط، وذلك بعد ليلةٍ شهدت قصفاً مدفعياً عنيفاً في ريف القنيطرة، إذ إن القوات النظامية، تقول إنها تسعى إلى التقدم في مناطق نبع الصخر، ومسحرة ومحيطها، في أعقاب هجومٍ نفذته الفصائل المسلحة، ضد نقاط عسكرية للنظام قبل أيام، في مدينة البعث بالقنيطرة.
في غضون ذلك، هدد وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان "برد عنيف" على أي محاولة انتشار للقوات السورية في المنطقة الحدودية المنزوعة السلاح في هضبة الجولان المحتلة.
وقال ليبرمان، أمام نواب حزبه، أمس الإثنين، "سنلتزم تماماً من جانبنا باتفاقية فك الاشتباك لعام 1974 وسنصر على الالتزام بحذافيرها وأي انتهاك سيقابل برد عنيف من قبل دولة إسرائيل"، وذلك وفقاً لـ"رويترز".
وجاءت تصريحات ليبرمان متطابقة لما أدلى به رئيس الوزراء الإسرائيلي أول من أمس، والذي أشار إلى أن لقاءه المرتقب مع الرئيس الروسي "يهدف إلى ضمان مواصلة التنسيق الأمني بين الطرفين، وبالطبع  من أجل بحث التطورات الإقليمية". ولفت نتنياهو إلى أنه سيوضح لبوتين "في هذا اللقاء مرة أخرى المبدأين الأساسيين اللذين يميزان السياسة الإسرائيلية: أولاً. لن نقبل بتموضع القوات الإيرانية وللقوات الموالية لها في أي جزء من الأراضي السورية – ليس في مناطق قريبة من الحدود وليس في مناطق بعيدة عنها. وثانياً سنطلب من سورية ومن الجيش السوري الحفاظ على اتفاقية فك الاشتباك من العام 1974 بحذافيرها".

المساهمون