كان اليوم الخامس لفعاليات مؤتمر جنيف4 حول سورية، نسخة طبق الأصل عما سبقه: مماطلة وفد النظام السوري من خلال مغادرة رئيس مفاوضيه، بشار الجعفري، جنيف باتجاه دمشق لأخذ التعليمات من هناك، في موازاة استمرار "الضغط بالقتل" على الأراضي السورية تحت شعار "مكافحة الإرهاب"، إذ وصل عدد الضحايا المدنيين الذي قتلهم معسكر النظام منذ اتفاقية الهدنة نهاية العام الماضي، إلى 1161 شخصاً، بينما وفد "قوى الثورة والمعارضة" متمسك بالهدف المعلن للمؤتمر، أي أولوية الانتقال السياسي، وسط ترقب لما يحمله فريق دبلوماسي روسي يلتقي بوفد المعارضة في المدينة السويسرية يوم الثلاثاء.
وفي خطوة تعتبر الأولى من نوعها، بادر وفد روسي برئاسة كل من نائب وزير الخارجية، غينادي غاتيلوف والمبعوث الروسي للشرق الأوسط سيرغي فيرشيمين بطلب الاجتماع ببعثة الهيئة العليا للمفاوضات إلى جنيف. وكان مقرراً أن يعقد الاجتماع يوم الاثنين، قبل أن يتم تأجيله إلى اليوم الثلاثاء. وقال نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري وعضو الهيئة العليا عبد الحكيم بشار لـ"العربي الجديد" إنه ليس هناك جدول أعمال للقاء، مضيفا: "سنطلب منهم الضغط على النظام من أجل تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، والالتزام بإدخال المساعدات الإنسانية إلى المدن والبلدات المحاصرة وإطلاق سراح المعتقلين، إضافة إلى أن يكون النظام جاداً في العملية التفاوضية وفق الأجندات التي حددتها القرارات الدولية".
وعن الرد الذي ستسلمه المعارضة لدي ميستورا كجواب على ورقته حول "السلال الثلاث" (طريقة الحكم والدستور والانتخابات)، أكد سفير الائتلاف السوري في باريس، عضو الهيئة العليا للمفاوضات، منذر ماخوس، أن الورقة تتمحور حول التأكيد على الانتقال السياسي في ما يخص بند الحوكمة، وأيضاً البحث في إعلان دستوري أو مبادئ دستورية وليس الخوض في كتابة دستور جديد. وعن الخوض في النقاط الثلاثة معاً، وفق نظرية دي ميستورا، فإن المعارضة أكدت أن الأولية للبحث في الحوكمة، مشددة على وجوب تسجيل أي اتفاق يتم التوصل له وعدم الانتظار للإعلان عن الاتفاق النهائي، كي لا يتم منح النظام أي فرصة للمراوغة، بحسب تعبير ماخوس. وخلال حديثه لـ"العربي الجديد"، قال ماخوس إن "الخطوط العريضة للورقة التي ستقدمها المعارضة للرد على دي ميستورا، تقوم على أن الحوكمة أو أسلوب الحكم تعني بالنسبة لنا شيئا واحدا لا ثاني له، وهو الانتقال السياسي. أما ما يتحدث عنه النظام من حكومة وحدة وطنية أو حكومة موسعة فهذا أمر مرفوض بالنسبة لنا على الإطلاق، وهذا ما تم التأكيد عليه في الورقة التي ستقدمها المعارضة" على ذمة ماخوس. وأشار إلى أن الوثيقة التي سيتم تقديمها ستصر على فكرة التراتبية في نقاش النقاط الثلاث، لأن البحث في هذه النقاط الثلاث دفعة واحدة وبالتوازي، "أمر غير معقول". وكشف ماخوس أنه يمكن وضع إعلان دستوري أو إطار دستوري "ربما عبر العودة إلى دستور 1950 وهو الدستور الوحيد الذي تم إقراره بتصويت شعبي مباشر في سورية، وهو الدستور الوحيد الذي تم إقراره بشكل ديمقراطي" وفق توصيفه.
أما بخصوص اللقاء المقرر اليوم مع الوفد الدبلوماسي الروسي، فقد أوضح مصدر من داخل فريق المفاوضين السوريين المعارضين، أن الروس لم يقدموا أي ورقة أو تمهيد للمواضيع التي سيتم بحثها مع وجود إشارات إلى إمكانية محاولتهم طلب ضم "الاتحاد الديمقراطي" (الجناح السوري للعمال الكردستاني) للوفد المفاوض، مضيفاً: "فليأتوا وسنتحدث وحلفاؤنا الأتراك موجودون" في إشارة إلى رفض الأتراك أي محاولة لضم الاتحاد الديمقراطي إلى وفد المعارضة. يذكر أن فرقاطة روسية اتجهت إلى البحر المتوسط "في مهمة سورية" وفق إعلان وزارة الدفاع الروسية. وفي ما يخص العودة المفاجئة لمندوب النظام، بشار الجعفري إلى دمشق، علق المصدر المعارض بالقول: "يبدو أن عودة الجعفري كانت ضرورية، فقد بدأنا في جنيف الحديث عن لب الأزمة ممثلاً بالانتقال السياسي ونحاول حله، والجعفري بطبيعة الحال ليس مخولاً في الحديث عن هذه الأمور".
وفي السياق، أوضح مصدر غربي مطلع في جنيف، من بعثة إحدى دول "مجموعة الاتصال حول سورية"، أن المعارضة السورية أثبتت جديتها في العملية التفاوضية، في حين استمر النظام بالتعاطي السلبي وأخذ دور المعطل. وأضاف في تصريح خاص إلى "العربي الجديد" أن هناك إصرارا غربيا على تحقيق إنجازات في هذه الجولة، مشيراً إلى أن هذا الإصرار يأتي من الاتحاد الأوروبي بالدرجة الأولى نتيجة عدم ارتياحه لاجتماعات "أستانة". وبيّن المصدر الغربي من جنيف أن روسيا تخلت عن دعم المنصات الأخرى وعلى الأخص منصة موسكو، متوقعاً أن يقوم قدري جميل بزيارة لوفد المعارضة السورية من أجل التفاهم على الانضمام إليهم.
وعن جدول المفاوضات، دعا المسلط إلى عقد المفاوضات بشكل مستمر ومن دون أي استراحات، في سبيل التوصل إلى حل بأسرع وقت ممكن، بالقول: "إن طبيعة المفاوضات عشرة أيام، وهناك استراحة، ومن ثم نبدأ بجولة أخرى. نريد أن تكون المفاوضات مباشرة لاختصار الوقت، ونريد أن تكون مستمرة دون أي استراحة.. نريد أن نستمر حتى ننجز شيئا، فقد جئنا إلى جنيف لإنجاز شيء لشعبنا، ولن نتراجع عن ذلك، كما لن نكون سببا في فشل المفاوضات، وتعلمون من يعمل على إفشالها"، في إشارة إلى النظام السوري.