استئناف جهود الحلّ اليمني: كيري في الرياض لدفع التسوية

18 ديسمبر 2016
أنباء عن عقد لقاء لـ"الرباعية" في الرياض اليوم (Getty)
+ الخط -


يصل وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، اليوم الأحد، إلى السعودية، في زيارة تتناول الملف اليمني، فيما يبدو أن الوزير الذي يستعد لمغادرة منصبه، يسعى إلى إحراز أي تقدّم في جهود التسوية السياسية للصراع في البلاد، بعد أن دخل مسار الحل السلمي منذ أشهر بعناوين ومقترحات متفرعة من ما أُسمي "مبادرة كيري". هذه المبادرة لقيت رفضاً من الحكومة الشرعية بعد أن قدّمها المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في الخطة التي سُميت بـ"خارطة الطريق". فيما استبقت واشنطن الزيارة، بتسريبات عن قرار بتوقيف واردات أسلحة إلى السعودية.
وأكد بيان صادر عن المتحدث باسم الخارجية الأميركية، مارك تونر، مساء الجمعة الماضي، أن زيارة كيري إلى الرياض ستستمر يومين (الأحد والإثنين)، وسيلتقي خلالها كبار المسؤولين السعوديين ومسؤولين إقليميين ودوليين آخرين. ونقل المتحدث عن كيري، أنه سيبحث التطورات الإقليمية، بما في ذلك اليمن، وسيعمل مع نظرائه على تسوية سياسية لحل الصراع في البلاد. فيما ذكرت وكالة "الأناضول" أن اللجنة الرباعية التي تضم وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، ستجتمع، اليوم الأحد، في الرياض، لمناقشة الملف اليمني. ونقلت الوكالة عن مصدر حكومي يمني أن المبعوث الأممي إلى اليمن سيشارك في الاجتماعات.
وقبل يومين من الإعلان عن زيارة كيري المقررة إلى السعودية، توجّه ولد الشيخ أحمد إلى الرياض، في زيارة لم يُعلن عنها مسبقاً، ودشنها بلقاء نائب رئيس الحكومة اليمنية، وزير الخارجية، عبدالملك المخلافي، الذي أبلغ المبعوث الدولي، خلال اللقاء، أن القيادة اليمنية تنتظر منه "تقديم ورقة جديدة لتحقيق السلام، تتضمن تصوراً واضحاً وفقاً للملاحظات والردود التي قدّمتها الحكومة"، على "خارطة الطريق"، بصيغتها السابقة المرفوضة حكومياً. كما جدد الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، أمس، التمسك بالخيارات التي قال إن الشعب اليمني أجمع عليها و"المتمثلة في مخرجات الحوار الوطني لبناء يمنٍ اتحادي جديد تسوده العدالة والمساواة والحكم الرشيد". جاء ذلك خلال لقاء عقده مع قيادات من أحزاب اللقاء المشترك في مقر إقامته، بمدينة عدن. وقال هادي: "سلّمنا للمبعوث الخاص للأمم المتحدة ورقة بشأن تعارض وتناقض الخارطة مع المرجعيات الثلاث: المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار وقرار 2216، وأرفقنا له خارطة طريق تستند وترتكز على تلك المرجعيات التي تُعد ناظمة لأي رؤى أو أفكار، وسلمناها أيضاً لكافة سفراء الدول الراعية الـ18، وننتظر رد المبعوث على ذلك".
وأفادت مصادر سياسية يمنية مقربة من الحكومة لـ "العربي الجديد"، بأن الجانب الحكومي لم يُبلغ مسبقاً بأي تفاصيل حول الاجتماعات المرتقبة مع زيارة كيري إلى الرياض، وأن الحكومة تتمسك بموقفها الرافض لخارطة الطريق التي يحملها المبعوث الأممي، فيما تمارس الولايات المتحدة وأطراف دولية أخرى ضغوطاً على الحكومة لقبولها. وأكدت المصادر، التي تعززها مختلف التصريحات الصادرة عن مسؤولي الشرعية، أن رفض أي مقترحات لا تستوعب الملاحظات المقدّمة من الجانب الحكومي لتكون متوافقة مع المرجعيات الأساسية وهي المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس 2216، أمر مبدئي ويحظى بإجماع في أوساط الشرعية والقوى المؤيدة لها، وعدا ذلك فإن المقترحات سيكون مصيرها ما سبقها.


وتُعدّ زيارة كيري إلى الرياض، تطوراً مهماً من شأنه أن يكشف آخر أوراق إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، سواء بإيجاد تسوية للصراع في اليمن قبل مغادرة البيت الأبيض، أو بترحيلها لإدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب. كما أنها الاختبار الأخير تقريباً، للمقترحات الأميركية التي أطلقها كيري خلال اجتماعات جدة السعودية في الـ25 من أغسطس/آب الماضي، وعُرفت بـ"مبادرة كيري"، وفي وقت لاحق جرى استيعاب مضامينها ضمن مبادرة المبعوث الدولي عبر "خارطة الطريق". واستبقت واشنطن الزيارة بخطوة تعكس ضغوطاً تمارسها الولايات المتحدة على السعودية، إذ تناقلت وكالات أنباء، في الـ13 من الشهر الحالي، تصريحات لمسؤولين أميركيين مفادها أن واشنطن قررت حظر حوالي 16 ألفاً من معدات الذخيرة الموجهة إلى السعودية، بسبب مخاوف من عدم دقة الضربات الجوية، التي قالت المصادر الأميركية، إنها تسببت في سقوط ضحايا من المدنيين في اليمن. وقد جاءت الخطوة، بعد أن أعلن مجلس الأمن القومي الأميركي، أن واشنطن بدأت مراجعة دعمها للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
من جهة أخرى، تأتي زيارة كيري إلى الرياض، بعد أكثر من شهر على زيارته إلى سلطنة عُمان في 14 و15 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث عقد لقاءين مع وفد الحوثيين في مسقط، وخرج بالإعلان عن هدنة قال إنه تواصل مع وزير الدفاع السعودي، محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، لأخذ الموافقة عليها، بالإضافة إلى الاتفاق على استئناف المشاورات اليمنية قبل نهاية نوفمبر، وبما يؤدي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في صنعاء قبل نهاية 2016. وواجهت الحكومة اليمنية الإعلان بالرفض، بسبب تجاهلها كطرف في لقاءات مسقط، ما جعل نتائج زيارة كيري إلى مسقط، في حكم العدم.
إلى ذلك، يربط متابعون بين زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى الرياض، والتطورات الأخيرة في المنطقة، وتحديداً تطورات الملف السوري، الأمر الذي تتباين تقديرات المحللين لتأثيراته على الملف اليمني، بين من يرى أنه سيشكل تطوراً ضاغطاً على الرياض، وبين من يرى أن الأخيرة ستسعى للتعويض في اليمن، بمواصلة فرض حضورها.
الجدير بالذكر أنه ابتداءً من أغسطس/آب الماضي، تصدرت واشنطن ملف المقترحات السياسية للحل السلمي في اليمن، من خلال مبادرة كيري، التي أطلقها في الـ25 من الشهر نفسه، خلال اجتماعات في السعودية، وتتضمن شقاً سياسياً يتمثل بالاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها مختلف الأطراف، بما في ذلك جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وحزب "المؤتمر" الذي يترأسه الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وشقاً أمنياً وعسكرياً يتمثل بانسحاب الحوثيين وحلفائهم من صنعاء ومدن أخرى، وإلزامهم بتسليم الأسلحة الثقيلة، إلى طرف ثالث. وتولى ولد الشيخ أحمد، متابعة الجهود، بإعداد "خارطة الطريق"، التي قدّمها للأطراف في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وفي الوقت الذي اعتبر فيه الانقلابيون الخارطة الأممية "أرضية صالحة للنقاش"، وقدّموا عليها العديد من الملاحظات، رفضت الحكومة الشرعية استلامها وأطلقت عليها مختلف عبارات الرفض.
وفي سياق الحديث عن الموقف الحكومي، من أي مبادرة سلام، يُعتبر موقف دول التحالف، والسعودية على وجه خاص، أمراً أساسياً، وقد أظهرت الرياض، في تصريحات ومناسبات عدة، موقفاً متذبذباً بين الترحيب أو التردد في إبداء موقف حاسم تجاه "خارطة الطريق". ويعتبر البيان الختامي الصادر عن القمة الخليجية البريطانية الأخيرة في البحرين، أبرز تصريح في هذا الصدد، إذ تضمّن تأكيد "دول مجلس التعاون والمملكة المتحدة على الحاجة إلى حل الصراع بالسبل السلمية من خلال الحوار السياسي والمشاورات برعاية الأمم المتحدة، وفقاً للمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن 2216، وقرارات مجلس الأمن الأخرى ذات الصلة". وتعهدوا بالدعم المستمر لمبعوث الأمم المتحدة وعملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، ولخارطة الطريق التي قدمها المبعوث الخاص للأمم المتحدة للأطراف اليمنية، والتي تحدد بشكل واضح الطريق نحو اتفاق شامل.