بؤر "داعش" تهدّد المناطق المحررة لصلاح الدين وكركوك والأنبار

22 يناير 2017
جنود عراقيون يستريحون خلال هجوم الموصل (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
ما إن تمكّنت القطعات العسكرية العراقيّة من السيطرة شبه التامّة على الشطر الشرقي من الموصل، وبدأت استعداداتها للتحرّك نحو شطرها الغربي، حتى بدأ تنظيم "الدولة الإسلاميّة" (داعش) تطبيق استراتيجيّة جديدة، تهدف إلى فتح جبهات بديلة عن جبهة الموصل. وركز هذه المرّة على المحافظات التي انتزعت منه أخيراً، ليعمل من جديد على تنشيط بؤره فيها، الأمر الذي يعدّ تهديداً خطيراً يبعث على القلق، في وقت لم تستعد فيه القوات الأمنية في تلك المحافظات لمواجهة هذا الخطر. ويحمّل مسؤولون، في تلك المحافظات، الحكومة المركزيّة مسؤوليّة ذلك، لأنّها لم تسيطر على تلك المحافظات بشكل كامل، قبل أن تتحرّك نحو الموصل، ما فرض واقعاً أمنيّاً هشّاً فيها، منح التنظيم فرصة نقل عناصر جديدة لتلك المحافظات لإعادة تنظيم صفوفه وترتيب أوراقه لتنفيذ هجمات جديدة، ما يحتّم على الحكومة المركزية وضع خطط استراتيجيّة تستطيع عبرها توفير الحماية الكافية لتلك المحافظات وتأمينها من هذا الخطر المحدق.

وقال رئيس مجلس عشائر محافظة صلاح الدين، الشيخ مروان الجبارة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ما يثير القلق اليوم في المحافظات التي تم تحريرها (صلاح الدين، وكركوك، والأنبار) هو وجود بؤر تنظيم داعش فيها"، موضحاً أنّ "داعش، وبعد خسارته المتحققة في الساحل الأيسر من الموصل، بدأ يستشعر الخطر في عموم تلك المحافظة، ما دفعه لتفعيل البؤر في المحافظات لتعويض تلك الخسارة". وأضاف إنّ "التنظيم نقل عناصر وقيادات كبيرة له لإعادة ترتيب أوراقه في تلك المحافظات، وتلك القيادات بدأت فعلاً بالعمل، وبعض تلك البؤر بدأت تنشط، وتتحرّك على الأرض"، مشيراً إلى أنّ "مناطق الساحل الأيسر من الشرقاط شمال تكريت، ومطيبيجة شمال سامراء، ومنطقة حوض حمرين المرتبطة بمحافظة ديالى، والحويجة في محافظة كركوك، تضمّ بؤراً خطيرة للتنظيم".

وأشار إلى أنّ "القطعات العراقية حاولت أخيراً القضاء على تلك البؤر، من خلال تحرك عسكري، لكن للأسف لم تستطع تحقيق شيء، إذ إنّ أي عمل منفرد من قبل القوات العراقية من دون التنسيق المسبق مع التحالف الدولي، ووضع الخطط المشتركة لا يلاقي نجاحاً، لما تمتلكه قوات التحالف من قدرة قتالية كبيرة، وتخطيط استراتيجي متميّز"، موضحاً "يقابل النشاط الكبير لتنظيم داعش بتفعيل تلك البؤر، إهمال كبير من قبل الجانب الحكومي، والذي بلغ ذروته عبر عدم توزيع المهام بين المؤسسات الأمنية"، مشيراً إلى أنّ "قيادات عمليات سامراء وصلاح الدين ودجلة تخلّت عن مسؤولية المنطقة المحاذية لحوض حمرين، وهي حلقة الوصل بين ديالى وصلاح الدين، الأمر الذي فتح الباب أمام داعش للتحرك على الأرض، وشنّ بعض الهجمات". وأكد الجبارة أنّ "تلك البؤر أصبحت اليوم خطيرة للغاية، ويصعب السيطرة عليها، إلّا في حال وضع خطة استراتيجية واضحة المعالم، تنطلق الآن، وعدم انتظار اكتمال ترتيب التنظيم لصفوفه بشكل كامل"، مطالباً "بتوزيع المهام الأمنية بشكل صحيح، والتنسيق مع الأهالي والعشائر ومهاجمة تلك البؤر، والقضاء عليها قبل استفحال أمرها، وخروجها عن السيطرة، وإلّا فإن تلك البؤر ستعيد إرباك المشهد الأمني في تلك المحافظات، وتكون جبهة جديدة للتنظيم في المحافظات العراقية".


ولم تحسم الحكومة العراقية ملف تحرير المحافظات العراقية بشكل كامل قبل فتح جبهة الموصل، ما تسبب بخلل أمني كبير في تلك المحافظات، وبقاء موضع قدم للتنظيم فيها، الأمر الذي منحه الفرصة للتحرّك من خلالها والبحث عن استراتيجية جديدة للمناورة وفتح جبهات عدّة تنهك الجانب العراقي. وحذّر عضو المجلس المحلي لبلدة الرياض في محافظة كركوك، سالم العبيدي، من "خطورة غض الحكومة الطرف عن تلك البؤر الخطيرة، والتي يعمل داعش بجدية اليوم على تفعيلها وتنشيطها". وقال العبيدي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الخلل الكبير الذي تواجهه المحافظة هو ترك الحويجة بيد داعش حتى اليوم"، مبينا أنّ "أزمة داعش بدأت تتفاقم بشكل كبير، إذ إنّ قادة كبارا من التنظيم انتقلوا إليها من الموصل، الأمر الذي يؤشّر لنية التنظيم فتح هذه الجبهة بشكل واسع، ما قد يربك الوضع الأمني في عموم المحافظة". ودعا الحكومة إلى "التنسيق مع الجانب الكردي، وترك الصراعات على المحافظة والقضاء على هذه البؤرة الخطيرة، التي قد تكون سبباً بتوسع جديد لداعش في كركوك".

في هذه الأثناء، نشط تنظيم "داعش" بشكل كبير في محافظة الأنبار غربي العراق، مستغلّا بؤره وجيوبه الكبيرة فيها، وأعاد ترتيب صفوفه، واستطاع من جديد اختراق مدينة الفلوجة وتنفيذ عدّة تفجيرات فيها. وانتقدت اللجنة الأمنية في المحافظة "عدم وضع الحكومة خططاً استراتيجية شاملة، وتعاملها مع كل محافظة على حدة، ما أثّر سلباً على كل المحافظات، ومنح داعش فرصة إعادة نشاطه فيها". وقال عضو اللجنة، راجع بركات، لـ"العربي الجديد"، إنّه "كان من المفترض أن تضع الحكومة استراتيجية واحدة لقتال داعش في عموم المحافظات كجبهة واحدة غير منفصلة عن بعضها، ووضع خطة مشتركة للقضاء على بؤر التنظيم وتواجده في الأنبار وصلاح الدين وكركوك، قبل معركة الموصل". وأشار إلى أنّه "لو تعاملت الحكومة مع هذا الملف الخطير كجبهة واحدة، لأمكنها السيطرة بشكل شامل على كل المحافظات، وتطهيرها وتسليم ملفها الأمني إلى جهات رسميّة قادرة على الإمساك بالأمن، ليخلو لها الجو للتحرك نحو الموصل كجبهة منفصلة، من دون أن تفكر في الجبهات الأخرى". ويرى مراقبون ومختصون بالشأن الأمني أنّ الجبهة الداخلية للمحافظات المحررّة، هي الجبهة الرئيسة التي سيتحرك تنظيم "داعش" فيها، لإرباك المشهد الأمني في البلاد، منتقدين عدم اتخاذ الحكومة أي إجراءات أمنية لتطويق هذا الخطر المحدق ومحاولة تحجيمه قبل خروجه عن السيطرة.

المساهمون