استقالة الحريري... قطار التسوية لم يبلغ محطته النهائية

04 نوفمبر 2017
الحريري عاد لمهاجمة حزب الله (راتب الصفدي/ الأناضول)
+ الخط -


قرّر رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، إنهاء مسار التسوية السياسية التي خاضها بانتخاب مرشح "حزب الله" لرئاسة الجمهورية ميشال عون، مقابل عودته إلى موقع رئاسة الحكومة، من خلال الاستقالة التي أعلنها، ظهر اليوم السبت، من العاصمة السعودية الرياض.

وقطع الحريري مع استقالته مساراً سياسياً جديداً انتهجه لسنوات قبل أن تُعيد السعودية خلط الأوراق في لبنان، وتُعيد الحريري إلى موقع المهاجم الأول لـ"حزب الله"، بعدما خاض تجربة المساكنة السياسية مع الحزب بدءاً من التفاهم مع حليفه ميشال عون الذي التقاه عام 2014 في العاصمة الإيطالية روما. وذلك بعد ثلاثة أعوام على إقالة الحريري وإعلان عون عن "قطع تذكرة سفر (one way) (أي ذهاب بلا عودة) للحريري إلى خارج البلاد وخارج الحياة السياسية اللبنانية".

ساهم هذا اللقاء في تأمين انطلاقة مُيسّرة لحكومة الرئيس تمام سلام، والتي تزامن تشكيلها مع انطلاق الثورة السورية وتحوّل لبنان إلى ساحة خلفية للدعم الأمني والعسكري والإنساني للسوريين. ومع استدامة الأزمة تقلّصت آمال القوى السياسية اللبنانية التي راهنت على التطورات في سورية، لتحقيق مكاسب سياسية على "حزب الله" المُنخرط في الأزمة إلى جانب قوات النظام السوري. تبنى الحريري ترشيح ميشال عون لرئاسة الجمهورية، بعد رفض الحزب ترشيح الحريري رئيس تيار "المردة" الوزير السابق سليمان فرنجية، (حليف حزب الله الآخر) إلى رئاسة الجمهورية.

حينها، قرأ جمهور الحريري ترشيح عون بأنه تنازل سياسي كبير أمام إرادة "حزب الله"، لكنّه أصرّ ومعه فريقه السياسي على أن خيار ربط النزاع مع الحزب في حكومة سيكون كفيلاً بالحد من اندفاعة الحزب الكبيرة عسكرياً وأمنياً وسياسياً في سورية والعراق واليمن. أدى قرار ربط النزاع هذا إلى ارتفاع وتيرة اللقاءات بين الحريري وعون، وبين الحريري وفرنجية، قبل أن تنتقل عدوى التوافق إلى الخصمين المسيحيين التقليديين: "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع و"التيار الوطني الحر" برئاسة ميشال عون حينها. طوى الرجلان مرحلة الحرب الأهلية وحرب الأخوة، وغيرها من المفاصل التاريخية التي تقاتلا فيها لتحقيق الزعامة المسيحية الأولى. التقى الرجلان وأعلنا عن مصالحة بينهما، وكانت تلك الصُلحة التي تبنى فيها جعجع ترشيح عون للرئاسة بعد منافسته عليها في أول جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، آخر الخطوات المطلوبة قبل إعلان الحريري عن "التضحية لأجل لبنان".

تحت هذا العنوان تبنّى الحريري ترشيح عون، وسوّق الأمر بين جمهوره المُحبط لكثرة التنازلات الحريرية. وبالفعل، سهّلت مُختلف القوى المُشاركة في التسوية عملية انتخاب عون أولاً، ثم تشكيل حكومة الحريري ثانياً. لكن العملية لم تخل من اعتراضات شكلية لرئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، واللذين رفضا التسوية قبل أن يمضيا فيها على مضض.

أضرّت التسوية بعلاقة الحريري بالنائب وليد جنبلاط قبل أن تعود المياه إلى مجاريها قبل أسابيع قليلة، مع اللقاء السياسي الذي جمع كلاً من رئيس مجلس نواب نبيه بري وجنبلاط والحريري معاً. ولم تمنع التسوية أحد ممثلي الحزب التقدمي في الحكومة، وزير التربية مروان حمادة، من الاعتراض الحاد على إدارة الملفات الخاصة بوزارته، وبلغ الأمر حد مغادرته جلسة الحكومة احتجاجاً. كذلك لم تمنع الخلافات الحادة بين وزير الداخلية نهاد المشنوق (تيار المستقبل) ووزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر وصهر رئيس الجمهورية جبران باسيل، الحريري من مواصلة مسار التوافق داخل مجلس الوزراء. وهو توافق لمسه المواطنون مع إقرار وجبة ضرائب باهظة تحت حجة تمويل سلسلة الرتب والرواتب المُعدلة للقطاع العام على حساب موظفي القطاع الخاص.

ولم تتأخر الحكومة أيضاً عن تهريب موازنة عام 2017 بعد أكثر من عقد على إقرار آخر موازنة بسبب الخلافات السياسية السابقة بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل. وهو ما يسمح فعلياً بإعادة تشريع الإنفاق الاستثنائي في ظل غياب الحكومة، ومع توقع طول أمد الأزمة التي أحدثتها استقالة الحريري. ومن جملة الملفات التي يمكن أن تتعطل بسبب هذه الاستقالة: الانتخابات النيابية المُقرر إجراؤها في مايو/ أيار من العام المُقبل، والخطط الحكومية لقطاعي الاتصالات والكهرباء، واستكمال العمل التشريعي غير المُنتظم منذ عام 2009.