فصائل ريف درعا بين هجوم "داعش" و"مصالحات" النظام السوري

04 فبراير 2017
انغماسيون من "داعش" هاجموا مقاتلي الجبهة الجنوبية (إبراهيم الحريري/الأناضول)
+ الخط -

عاودت محافظة درعا تصدُّر الاهتمام الإعلامي إثر تطورات ميدانية هامة، وعودة الصدام الدامي بين فصيل مبايع لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وبين فصائل تابعة للمعارضة السورية المسلحة. في هذا الوقت، بدأ النظام ينسج خيوط "مصالحات" مع بلدات في المحافظة، في محاولة منه لإخضاع بلدات خارجة عن سيطرته منذ سنوات بأقل التكاليف، مستخدماً سلاح الحصار الكامل. واندلعت معارك، وصفها ناشطون بـ"العنيفة"، بين المعارضة السورية المسلّحة، وفصيل "جيش خالد بن الوليد" المتهم بمبايعة "داعش"، في منطقة حوض اليرموك في ريف درعا، إثر هجوم شنه الفصيل، أول من أمس، بدأه بعملية تسلّل إلى حاجز تسيل في حوض اليرموك بريف درعا الجنوبي الغربي، أدت إلى مقتل وأسر عدد من مقاتلي فصائل الجبهة الجنوبية التابعة لـ"الجيش السوري الحر".

وذكرت وكالة "أعماق"، الناطقة باسم "الدولة الإسلامية"، أن من وصفتهم بـ"انغماسيين" من "جيش خالد نفّذوا، فجر الثلاثاء، هجوماً مباغتاً على سرية العبدلي في ريف درعا الغربي، التي تتخذها الفصائل المسلحة مقراً لها"، مشيرة إلى أن "20 مقاتلاً من الفصائل قُتلوا نتيجة الهجوم. كما أحرق مقاتلو جيش خالد سبع سيارات رباعية الدفع، واستولوا على أخرى، بالإضافة إلى رشاشات ثقيلة وأسلحة وكميات من الذخائر" وفق الوكالة. وأكد ناشطون أن اشتباكات عنيفة اندلعت إثر عملية التسلل في المنطقة، وفي مواقع بمحيط سد سحم الجولان، ومنطقة العلّان، وحاجز تسيل، مشيرين إلى أن فصائل "الجيش السوري الحر" قصفت بالمدفعية مواقع للفصيل. وأكد مصدر مقرب من التنظيم، لـ"العربي الجديد"، أن التنظيم قام بعملية وصفها بـ"الاستباقية" بسبب قرب حملة عسكرية واسعة النطاق تقوم فصائل المعارضة السورية المسلحة بالإعداد لها لاجتثاث وجوده من محافظة درعا كلها.

وجاء "جيش خالد" نتاج اندماج لواء "شهداء اليرموك"، وحركة "المثنى الإسلامية"، وفصائل أخرى هي "فرقة حمزة أسد الله الغالب"، و"جماعة المجاهدين"، و"تجمّع أنصار الأقصى". وظهر ما يُسمّى بـ"جيش خالد بن الوليد"، في مايو/أيار من العام الماضي، واستطاع انتزاع السيطرة على مناطق في ريف درعا الجنوبي الغربي، وقام بعمليات اغتيال، أبرزها تفجير، في سبتمبر/أيلول الماضي، أودى بحياة عدد من قادة الحراك الثوري، ضمنهم وزير الإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقتة، يعقوب العمار. وتُعد محافظة درعا، التي تبدأ حدودها الإدارية إلى الجنوب من مدينة دمشق بنحو 50 كيلومتراً، مهد الثورة السورية، إذ شهدت أولى تظاهراتها، في 18 مارس/آذار 2011، على خلفية قيام الأجهزة الأمنية التابعة للنظام بتعذيب أطفال بسبب كتابتهم شعارات ثورية على جدران مدارسهم متأثرين بموجة المد الثوري العربي التي كانت طاغية في ذاك العام. وشهدت المحافظة منذ ذاك التاريخ أحداثاً جساماً، أفضت إلى هجرة عدد كبير من سكانها إلى الأردن، أقرب البلدان العربية إليها، بسبب قمع النظام الذي تحوّل بعد أشهر إلى حرب مفتوحة دفعت السوريين إلى حمل السلاح وتشكيل فصائل عسكرية سرعان ما تكاثرت، وفرضت واقعاً جديداً في محافظة تكتسب أهمية استثنائية، بسبب وقوعها على الحدود مع إسرائيل، التي ظل نظام بشار الأسد ضامناً لأمنها من الجهة الشمالية طيلة عقود.

ويرى المحلل العسكري السوري، العقيد مصطفى بكور، أن أهمية درعا "تأتي من كونها البوابة الجنوبية لسورية"، مضيفاً، في حديث مع "العربي الجديد"، أن قربها من حدود فلسطين المحتلة ومن العاصمة السورية دمشق، يكسبها أهمية استثنائية. وتشهد جبهات القتال بين فصائل المعارضة السورية المسلحة، وبين قوات النظام، هدوءا منذ أواخر عام 2015، يعزوه مراقبون إلى تفاهمات إقليمية، ليست إسرائيل بعيدة عنها لـ"تسكين المنطقة"، كي لا تنتقل فوضى الشمال السوري إلى جنوبه، وهو ما سهّل لقوات النظام إعادة السيطرة على مدينة الشيخ مسكين ذات الأهمية الاستراتيجية في الشهر الأول من العام الماضي.

من جهته، يرى الكاتب والباحث السياسي، خليل المقداد، أن غرفة عمليات "ألموك"، التي تضم خبراء عسكريين من عدة دول ومقرها العاصمة الأردنية عمان، "تتحكم في فصائل الجبهة الجنوبية". وأشار، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنها كانت وراء التهدئة غير المعلنة في محافظة درعا لـ"توجيه فصائل الجبهة الجنوبية لقتال أبناء منطقة حوض اليرموك المتهمين بمبايعة تنظيم الدولة الإسلامية". ويرى مراقبون أن النظام دفع باتجاه "خلق" تنظيم "داعش" في جنوب البلاد، ليكون فزّاعة وورقة ضغط على محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية والمتاخمة لدرعا، تحسباً من أي حراك يؤدي إلى خروجها عن سيطرته. كما يعد وجود "الدولة الإسلامية" على الحدود السورية مع الأردن وإسرائيل ورقة ضغط من النظام عليهما، وتهديدا لنقل الفوضى إلى داخلهما، لدفعهما إلى تأييد بقائه في السلطة.
وفي السياق، شرع النظام في ترسيخ ما يُطلق عليه تسمية "مصالحات" في محافظة درعا. وتمت، الإثنين الماضي، عملية مصالحة في بلدة غباغب أفضت إلى "تسوية" أوضاع نحو 600 من أبناء البلدة. وقلل المقداد من أهمية ما جرى في غباغب، لأن البلدة "ساقطة عسكرياً"، مشيراً إلى خلوها من مقاتلي "الجيش السوري الحر"، لافتاً إلى أن وجهاء البلدة قاموا بشراء قطع سلاح طلب النظام تسليمها لإتمام عملية "المصالحة"، ورفع الحصار عنها. وتواصل قوات النظام، ومليشيات موالية لها، محاصرة بلدة محجة في ريف درعا الشمالي، مانعة دخول الطحين والمواد الغذائية عنها، منذ أكثر من أسبوعين، لدفع سكانها، البالغ عددهم نحو 25 ألف شخص، إلى الموافقة على "مصالحة" تُفضي إلى إعادة السيطرة عليها. وتكتسب البلدة أهميتها من وقوعها على الطريق الدولي الذي يربط بين العاصمة دمشق، ومدينة درعا.

من جانبه، يرى الناشط الإعلامي أحمد المسالمة، أن المصالحات التي يروّج لها النظام في درعا "مجرد مسرحيات لا أكثر، للظهور أمام الموالين له على أنه منتصر وقوي ويفرض شروطه"، مشيراً إلى أن بلدة غباغب تعد بالأساس تحت سيطرة النظام، موضحاً أنه "توجد حواجز لقواته على مداخلها ووسطها، وفيها مساكن عسكرية، وفي جنوبها تقع الفرقة التاسعة، وفي شرقها تقع قرية جباب، وشمالها الزريقية وتل الثعالب، ومن غربها دير العدس، ودير البخت، وهذه كلها تقع تحت سيطرة النظام". وتجنّب "المصالحات" النظام تكلفة بشرية ومادية، في حال حاول اقتحام بلدات ريف درعا عسكرياً، خصوصاً أنه لم يعد يمتلك قوات قادرة على الانتشار والسيطرة في عموم الجغرافيا السورية. ويعتقد المقداد أن الأردن يطمح إلى تحويل جنوب سورية إلى منطقة نفوذ له، على غرار ما فعلته تركيا في شمال البلاد، إثر تدخّل الأخيرة في ريف حلب الشمالي، أواخر أغسطس/آب الماضي. ويرى أن عمان تنتظر ضوءا أخضر، إقليمياً ودولياً، للتدخل بشكل مباشر في درعا للتصدي لفصيل "جيش خالد" مع فصائل تابعة للمعارضة السورية.
ويتشارك الناشط السياسي بديع أبو حلاوة رأيَ المقداد، إذ يرى أن هناك "لعبة" يشارك فيها "الجار الجنوبي"، في إشارة منه إلى الأردن، لـ"تكريس فكرة إدارة محلية في محافظة درعا، هي أقرب للحكم الذاتي تحت إشراف أردني، في إطار ترسيخ مناطق نفوذ إقليمية ودولية في سورية"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن هناك شخصيات من المحافظة "تحاول إفشال هذا المشروع".

المساهمون