نذر اقتتال في إدلب: ساعة حرب إلغاء "جند الأقصى"

09 أكتوبر 2016
نقل مصاب جراء قصف طيران النظام بإدلب(عمر حاج قدور/الأناضول)
+ الخط -
يسود توتر واحتقان في ريف إدلب، شمال غرب سورية، بعد اشتباكات دموية بين فصيل "جند الأقصى"، وحركة "أحرار الشام" التابعة للمعارضة السورية. وأدت المواجهات إلى مقتل عدد من عناصر الطرفين، واللذين يتراشقان اتهامات متبادلة حول مسؤولية اندلاعها، في ظل معطيات تنذر بتصاعد الصراع، بعدما أبدت أكبر فصائل الجيش السوري الحر استعدادها للزج بقواتها في الصراع إلى جانب "أحرار الشام" من أجل طرد "جند الأقصى" من معاقله.

وذكرت مصادر محلية أن حركة أحرار الشام انسحبت أمس السبت من مدينة سرمين التي تعد من أهم معاقل "جند الأقصى" في ريف إدلب بعد تحريك الأخير سلاحه الثقيل في المدينة، مشيرة إلى أن مقاتلي الفصيل اقتحموا منازل تابعة لمقاتلين من "أحرار الشام" في المدينة التي شهدت عصر يوم الجمعة اشتباكات بين الفصيل والحركة أدت إلى مقتل عنصر من "جند الأقصى"، وعضو بالمحكمة الشرعية، وإصابة عنصرين من "الأحرار".

وأكدت المصادر أن فصيل "جند الأقصى" مستمر في حشد قواته، تحضيراً لـ"معركة محتملة"، بدأت تلوح في الأفق، لا سيما بعد إصدار فصائل في الجيش السوري الحر لبيان تأييد للأحرار، في محاولتها وضع حد لهذا الفصيل المتشدد والمقرب "فكرياً" على الأقل من تنظيم "داعش"، في ريف إدلب الجنوبي، وريف حماة الشمالي. وأكدت الفصائل وقوفها الكامل "عسكرياً وأمنياً ومعنوياً" مع حركة أحرار الشام، في تصديها للفصيل الذي وصفته بـ"الباغي" حتى "يخضع لشرع الله، والاحتكام لهيئة شرعية يتم الاتفاق عليها"، مهددةً بزج قواتها في المعركة لتحقيق "الحسم السريع" للصراع "في حال لم يمتثل بغاة الجند"، على حد تعبير البيان. واتهمت الفصائل "جند الأقصى" بالضلوع في عمليات اغتيال لقيادات من فصائل المعارضة السورية، وعرقلة "طريق الجهاد في سورية، وتوجيه طعنة جديدة للثورة السورية"، مشيرةً إلى أن "جند الأقصى" تحول إلى "بوابة يلج منها داعش إلى أراضينا"، مؤكدةً أنها لن تسمح بذلك "مهما كلفها الأمر".

واتهمت الفصائل "جند الأقصى" بـ"الغلو"، معتبرة هذه "اللوثة" من أعظم المصائب التي عصفت بالثورة السورية، وكادت أن تصيبها في مقتل، وفق البيان الذي وقع عليه جيش الإسلام، والجبهة الشامية، وفيلق الشام، وصقور الشام، وجيش المجاهدين، وحركة نور الدين زنكي، وجبهة الأصالة والتنمية، وسواها من الفصائل الفاعلة في المعارضة السورية المسلحة.

وذكرت مصادر أن هناك محاولات ومساعي تبذل لتطويق الخلافات بين الطرفين، عن طريق فصيل "أبناء الشام" الذي يسعى إلى أن يُطلق كل طرف ما لديه من معتقلين ينتمون إلى الطرف الآخر. لكن هذه المصادر التي طلبت عدم ذكر اسمها، شككت في إمكانية "تطويق الخلاف"، مشيرةً إلى أن الطرفين وصلا إلى نقطة "اللاعودة في علاقتهما"، وأن نذر ما سمته بـ"حرب إلغاء" تلوح في الأفق. وأضافت في هذا الصدد أنه "حتى لو تم تطويق الخلاف مرحلياً، إلا أن الطرفين يدركان أن الصدام الكبير بينهما سيقع عاجلاً أو آجلاً، وأن محافظة إدلب لا تتسع للطرفين"، بحسب المصادر.

وكان بيان فصائل الجيش السوري الحر واضحاً في تحذيره فصيل جند الأقصى من التمادي أكثر في تصرفاته التي تعيد إلى الأذهان تجربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الذي خرج من ريف إدلب ومدينة حلب والساحل إثر معارك دامية مع الجيش السوري الحر أواخر عام 2013، والتي أدت إلى مقتل وإصابة المئات. وقد انسحب التنظيم إلى مناطق شرق سورية وسيطر عليها بعد طرد المعارضة السورية وجبهة النصرة منها.

وتخشى فصائل الجيش الحر من استفحال أمر "جند الأقصى" في شمال غرب سورية، لا سيما أنه لا يبتعد كثيراً عن منهج تنظيم "داعش". بل يذهب بعضهم إلى القول إن هناك تنسيقاً رفيع المستوى بين الطرفين، وهذا ما أشارت إليه حركة أحرار الشام، باتهامها الفصيل بالمشاركة في عمليات "تهريب" المقاتلين لمصلحة "تنظيم الدولة".

وظهر فصيل "جند الأقصى" في سورية في بدايات عام 2013 إثر استفحال الخلاف بين جبهة النصرة و"داعش"، إذ انشق أبو عبد العزيز القطري، وهو من أصول فلسطينية، عن جبهة النصرة التي كان أحد مؤسسيها. واستقطب عدداً من العناصر الذين فضّلوا عدم الانخراط في الصراع بين "النصرة" و"داعش"، مشكلاً هذا التنظيم الذي ظل طيلة عامين محل جدل وخلاف بين السوريين المؤيدين للثورة. البعض يرفضه بسبب عدم تبنيه مبادئ الثورة السورية، وبسبب منهجه المتشدد في التعامل مع المدنيين، والبعض الآخر لا يرى ضيراً في وجوده في الوقت الراهن طالما أنه يقاتل إلى جانب فصائل معارضة، ضد قوات نظام الأسد والمليشيات الطائفية المساندة له.

وتؤكد مصادر مقربة من الفصيل أنه يتبنى فكر تنظيم "القاعدة"، وأن القطري كان من المقربين من زعيمه، أيمن الظواهري، قبيل مجيئه إلى سورية. وكان القطري قد لقي مصرعه في معارك خاضها فصيله مع جبهة تحرير سورية في ريف إدلب عام 2014، ووجدت جثته في إحدى الآبار بمنطقة جبل الزاوية في ريف إدلب أواخر ذلك العام. لكن الفصيل لم يتأثر بمقتله، إذ ترجح مصادر تولي أحد أبناء القطري القيادة بعد مقتل والده. وأسهم الفصيل في العديد من المعارك التي أدت إلى سيطرة المعارضة السورية على كامل محافظة إدلب، كما كان من المساهمين بتشكيل جيش الفتح قبل أن ينسحب منه، إذ اختار خوض معارك مع قوات نظام الأسد منفرداً.

ولا توجد معلومات مؤكدة عن عدد عناصر هذا الفصيل، إلا أن مصادر تؤكد أن عددهم محدود. وقد خسر خلال العامين الماضيين عدداً من مقاتليه الذين فضّلوا الانضمام إلى "داعش". وهو يعتمد على تسليح نفسه مما يغتنمه من عتاد من قوات النظام، كما أن قوته الضاربة تكمن في امتلاكه عدداً من "الانتحاريين" الذين يقومون بالاقتحامات بعربات مفخخة تقلب أحياناً موازين المعارك.

ويرجح المحلل العسكري، العميد أحمد رحال رجحان، كفة حركة أحرار الشام عسكرياً في أي صدام محتمل مع فصيل جند الأقصى، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى تفوق الحركة عددياً، وأن لديها حاضنة اجتماعية لا يمتلكها الفصيل بسبب تشدده. وتوقع رحال أن يتم "تطويق الخلاف بين الطرفين"، مضيفاً أن الظروف لا تسمح باتساعه أكثر في الوقت الراهن.

المساهمون