"كاليغري"... مؤامرة ضد الجزائر أم نزوح أفريقي؟

02 يوليو 2017
تدفق المهاجرين الأفارقة يمكن أن يمثل مشكلة مجتمعية(العربي الجديد)
+ الخط -

استبقت الحكومة الجزائرية محاولات تدويل قضية المهاجرين الأفارقة على أراضيها، بإعلان حرصها على حماية اللاجئين الأفارقة والتصدي لأية محاولة للمساس بكرامتهم، وسط تحذيرات من أن يكون تدفق المهاجرين الأفارقة على الجزائر جزء من خطة استهداف بعيدة المدى لزعزعة استقرار السلم المدني، وإثارة قلاقل داخلية في المدى المنظور.

ومنذ إعلان العقيد السابق في الجيش، رمضان حملات، عن وجود مخطط خارجي يستهدف زعزعة استقرار الجزائر، عبر إغراقها بالآلاف من المهاجرين والنازحين الأفارقة، واستمرار تدفقهم على المدن الجزائرية، بات الجدل والنقاش في الجزائر حول المهاجرين الأفارقة يأخذ منحى آخر، غير البعد الإنساني، إذ بات البعد الأمني حاضراً في الهواجس الجزائرية إزاء هذا الملف. ويعتقد حملات بوجود مخطط يدعى "كاليغري" يستهدف إغراق الجزائر بمئات الآلاف من المهاجرين الأفارقة، الذين يعبرون الصحراء للوصول إلى المدن الجزائرية في المرحلة الأولى، على أن يتم لاحقاً استغلال هذه الكتلة البشرية في إثارة قلاقل ومشكلات داخلية وأمنية في الجزائر. ومن اللافت التدفق والانتشار الكبير للمهاجرين الأفارقة في شوارع المدن الجزائرية في الجنوب، الذي يصلونه أولاً قبل الانتقال إلى مدن الشمال والشرق وصولاً إلى المدن الغربية، واحتلالهم للفضاءات العامة وأماكن مهجورة لإقامة مخيمات عشوائية، إذ يعمد بعضهم للعمل في ورشات البناء والزراعة، فيما تفضل النساء والأطفال التسول في الشوارع وتقاطع الطرقات وأمام المساجد.

وقبل هذه التصريحات، نشر ناشطون مدنيون تقارير تتحدث عن وجود مخطط لإغراق الجزائر بالمهاجرين الأفارقة، واستغلالهم لاحقاً في اختلاق قضايا حقوق الأقليات، ومحاولة إجبار الجزائر على قبول عمل منظمات إنسانية مخترقة لصالح هؤلاء المهاجرين. وتحدث رئيس حركة الشباب العربي، عارف مشاكرة، عن توفر معلومات وتقارير بشأن هذا المخطط المزعوم كمرحلة تالية لزعزعة استقرار الجزائر، بعد فشل محاولات سابقة تزامنت مع فترة ثورات الربيع العربي وما بعدها. وقال الناشط السياسي، جمال سعدي، إنه "من الواضح أن هناك مخططاً إسرائيلياً وغربياً يستهدف الجزائر، بواسطة إغراقها بالمهاجرين الأفارقة. ليس لدي شك في ذلك، خصوصاً أن الأمر زاد أكثر مما كان سابقاً، وفي ظل الاستقرار في مناطق شمال مالي والنيجر".

ويوضح الأستاذ زهير بوعمامة، حيال مسألة وجود هذا المخطط، أنه "في التحليل المطلق كل شيء وارد، ولكن بالمعلومة الموثقة لا أستطيع أن أؤكد أو أنفي ذلك. لكن برأيي الأمر ممكن جداً. في حروب الجيل الخامس يعتمدون على عناصر التفكيك من الداخل، ويعملون على المدى المتوسط والطويل، وأخطر ما في هذه السياسات تفكيك الأنسجة الاجتماعية للدول، ولذلك أعتبر أن استمرار تدفق المهاجرين الأفارقة يمكن أن يتحول إلى خطر أمني إذا لم يتم تنظيم تواجدهم وضبطه كما هو معمول به في معظم الدول، لأن الهجرة ظاهرة أصبحت تستجلب معها تهديدات أخرى، خصوصاً وأن الجزائر محاطة بحزام من التهديدات المعقدة. وقد نجحنا نسبياً في تلافي انتقالها إلى داخلنا، ولكن يمكن لأطراف حاقدة أن تجرب نقلها بأساليب أخرى، عبر استغلال ظواهر إنسانية حقيقية. لا شك في أن لهؤلاء المهاجرين أسبابهم الموضوعية التي اقتلعتهم من أرضهم، لكن قوى كثيرة ترى فيهم فرصة لتمرير ما استعصى عليها من خلال طرق أخرى". وأشار إلى أن كل المخاوف الأمنية المتصلة بالمهاجرين الأفارقة مشروعة، موضحاً "لنا شواهد سابقة يمكن أن نستند عليها في الاستدلال. أتذكر أن الأجهزة الأمنية فككت، قبل فترة، شبكات من المهاجرين الأفارقة في الجنوب، في غرداية خصوصاً، قيل إنهم كانوا ينفذون مهمات ذات بعد أمني"، في إشارة إلى كشف شبكة من المهاجرين الأفارقة كانت في حوزتها معدات اتصال متطورة يرجح أنها كانت على علاقة بجهاز أمني أجنبي.

لكن محللين ومتابعين لملف تدفق المهاجرين الأفارقة على الجزائر، خصوصاً في السنتين الأخيرتين، يعتقدون أن الحديث عن وجود مخطط مزعوم أمر مبالغ فيه، وهو ما ذهب إليه رئيس تحرير صحيفة "الحوار"، محمد يعقوبي، الذي اعتبر أن الحديث عن مخطط يستهدف إثارة القلاقل في الجزائر، عبر تدفق المهاجرين الأفارقة، من دون تقديم دلائل جدية تثبت وجود مخطط كهذا يضعه في سياق التخمين والزعم. ويقول الأستاذ في كلية العلوم السياسية في جامعة ورقلة جنوبي الجزائر، مبروك كاحي، إن "الحديث عن مخطط لإغراق الجزائر بستة ملايين مهاجر أمر مبالغ فيه. فعدد سكان الجنوب، أي العشر ولايات مجتمعة، لا يتعدى الستة ملايين نسمة، فكيف يتم إغراق البلاد بمثل هذا العدد الهائل". لكن مبروك، الذي يقيم في منطقة ورقلة على تماس مع دول الساحل الأفريقي، يقر في الوقت ذاته بأن تدفق المهاجرين الأفارقة يمكن أن "يمثل مشكلة مجتمعية في الجزائر، خصوصاً بعد صدامات مع المجتمع المحلي في ورقلة وبشار والعاصمة، وأيضاً بعض المشكلات الصحية في منطقة غرداية بعد تفشي بعض الأمراض المعدية". وأشار إلى أن "الدولة الجزائرية تتحكم بالوضع، وما يثبت ذلك تجربة ترحيل المهاجرين في وقت سابق، بعد صدامات مع المجتمع المحلي في سياق محاولة الدولة الجزائرية منع المناوشات التي قد تتطور إلى التصفية الجسدية. والجزائر تملك أيضاً ورقة رابحة، وهي الاتفاقية الموقعة مع دولة النيجر، التي تنص على إعادة اللاجئين". وكانت السلطات الجزائرية قد رحلت، السنة الماضية، 30 ألف مهاجر أفريقي، 16 ألفاً منهم من النيجر، والباقي ينتمون إلى مالي وبوركينا فاسو والكاميرون وكوت ديفوار وغينيا. وشدد على ضرورة "مراعاة الجانب الإنساني وعدم الانسياق وراء العواطف والأصوات التي تنادي بتشديد مراقبة الحدود، لأنه كلما تم تشديد مراقبة الحدود، يقوم المهاجرون بسلوك طرق أكثر خطورة، ما يؤدي إلى هلاك العديد منهم".

ولا تنساق الحكومة الجزائرية وراء دعوات ومطالبات مجتمعية بترحيل الأفارقة من الجزائر، ومنع تواجدهم الفوضوي في المدن والفضاءات العامة والشوارع في الفترة الأخيرة، وخصوصاً أن تواجدهم الفوضوي بات يشكل حالة من القلق بالنسبة إلى الجزائريين، نتيجة المخاوف من التداعيات الصحية والأمنية. وتعهد رئيس الحكومة الجزائرية، عبد المجيد تبون، في تصريح للصحافيين على هامش مناقشة البرلمان لبرنامج حكومته قبل أيام، بالرد على أي طرف، ومحاسبة كل شخص يتعرض للمهاجرين الأفارقة. وقال "نحن أفارقة، والجزائر بلد أفريقي، ومنذ الاستقلال تقوم الجزائر بإيواء كل من له مشاكل في بلده. لن نسمح لأي أحد أن يلطخ سمعة الجزائر على أساس قضية المهاجرين الأفارقة". لكنه تعهد في المقابل بإحصاء وتسجيل المهاجرين الأفارقة في الجزائر، ومنحهم بطاقات رسمية تتيح لهم التواجد بشكل قانوني للعمل، ما يتيح للسلطات مراقبتهم أيضاً. لكن تداعيات الأزمة المالية الخانقة، وشح عائدات النفط بعد انهيار أسعاره، دفع الجزائر للمطالبة، للمرة الأولى، بمساعدة دولية للتكفل بآلاف المهاجرين الأفارقة الذين يتدفقون على أراضيها، خصوصاً من مالي والنيجر. وقالت رئيسة الهلال الأحمر الجزائري الوزيرة السابقة، سعيدة بن حبيلس، خلال زيارتها لتجمع خاص بنازحين أفارقة في منطقة وادي الكرمة في ضواحي العاصمة الجزائرية، يقيم فيه 1600 مهاجر من النيجر، إنه "يتعين على القوى العظمى دعم الجزائر من خلال المحافظة السامية للاجئين، التي تتولى التكفل بعمل اللاجئين. وهذا المسعى لا يجب أن يقتصر على تسخير الوسائل وترك بلد الاستقبال يتصرف كما يحلو له".
بين الهواجس الأمنية والواجب الإنساني والأخلاقي بالنسبة إلى الجزائر، بات المهاجرون الأفارقة ملفاً أمنياً قيد النقاش في البلد، في ظل مخاوف مشروعة من مشكلات أمنية داخلية، تتحفز بشأنها الجزائر بعد تجاوزها لمطبات سياسية حادة، وهي تتحوط لإغلاق أية منافذ لأزمة مستقبلية في ظرف سياسي حساس يتعلق بالتحضير لمرحلة ما بعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

المساهمون