ورغم توجيه رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، بعد اجتماع أمني، الحكومات المحلية باتخاذ الخطوات اللازمة لاحتواء التظاهرات، قلل مسؤولون وشيوخ عشائر من أهمية الوعود الحكومية، بعد أن فقد الشارع الثقة بها، مؤكدين استمرار الاحتجاجات.
وقال مسؤول محلي في البصرة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المئات من المواطنين خرجوا، صباح اليوم السبت، في تظاهرات احتجاجية قرب منفذ سفوان جنوبي المحافظة"، مبيناً أنّ "المتظاهرين حملوا لافتات ورددوا شعارات غاضبة ضد الحكومة، مطالبين بتحسين الخدمات وإنصاف الشعب من سلطة الأحزاب الحاكمة".
وأشار إلى أنّ "التظاهرات تجري وسط إجراءات أمنية مشددة، وانتشار أمني واسع".
واتسعت رقعة التظاهرات، مساء الجمعة، في عدد من المحافظات العراقية، إذ أحرق متظاهرون عدداً من المكاتب ومقرّات الأحزاب التابعة لحزب "الدعوة" بزعامة نوري المالكي، و"تيار الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، وحزب "الفضيلة" بزعامة رجل الدين محمد اليعقوبي، وقائمة "الفتح" (الحشد الشعبي) بزعامة هادي العامري، فضلاً عن مكتب لمليشيا "عصائب أهل الحق" المقرّبة من إيران بزعامة قيس الخزعلي.
وخرجت احتجاجات في كل من البصرة وميسان وذي قار والنجف وكربلاء وواسط، حيث شهدت سقوط قتيلين ونحو 61 جريحاً؛ من بينهم 30 عنصراً أمنياً، في حين عقد العبادي اجتماعاً للمجلس الوزاري، لمناقشة الوضع الأمني في جنوب البلاد.
واقتحم متظاهرون، مساء الجمعة، مطار النجف الدولي جنوب العاصمة بغداد، في أول يوم تشهد فيه هذه المدينة تحركاً احتجاجياً مطلبياً، ووصلوا إلى مدرجه الوحيد، ما أدى إلى توقّف الملاحة فيه بشكل كامل.
ووصلت، اليوم السبت، تعزيزات عسكرية إضافية إلى محافظة النجف، بحسب ما قال مسؤول محلي في المحافظة، لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أنّ "التعزيزات وصلت من بغداد، وتم نشرها مع قوات المحافظة، في محيط مطار النجف، وعدد من دوائر المحافظة المهمة، منها مبنى الحكومة المحلية".
ووصف المسؤول الأوضاع في النجف بأنّها "مرتبكة للغاية"، مشيراً إلى أنّ "المتظاهرين يستعدون لتجديد التظاهرات، بينما يُخشى من وقوع صدامات بينهم وبين القوات الأمنية".
وفي السياق، اتخذت محافظة الديوانية إجراءات أمنية مكثفة لحماية دوائرها. وقال عضو مجلس المحافظة حسين الكارضي، في تصريح صحافي، إنّ "الحكومة المحلية تدعم التظاهر السلمي للمواطنين"، محذراً من "المندسين بين المتظاهرين، من قبل الجهات الإقليمية التي تحاول زعزعة الاستقرار في العراق".
وأشار إلى أنّ "الإجراءات الأمنية في المحافظة شملت مبنى الحكومة المحلية، ومقرات الأحزاب السياسية، تحسباً من استهدافها".
في غضون ذلك، أعلنت الحكومة العراقية عن رصد "مجاميع مندسة"، حسب وصفها، بين المتظاهرين لمهاجمة مؤسسات الدولة.
وقال مكتب العبادي، في بيان صحافي، اليوم السبت، إنّ "المجلس الوزاري للأمن الوطني، ناقش عمليات التخريب التي حصلت خلال التظاهرات في عدد من المناطق، وقد رصدت الأجهزة الاستخبارية مجاميع صغيرة من المندسين تحاول الاستفادة من التظاهرات، ومهاجمة مؤسسات الدولة وممتلكات المواطنين".
وأضاف أنّ "قواتنا ستتخذ الإجراءات اللازمة بحق هؤلاء المندسين وملاحقتهم وفق القانون، إذ إنّ حماية المواطنين وممتلكاتهم من واجب الدولة".
وقال مسؤول أمني في بغداد، لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، إنّ "اجتماع العبادي، ليل أمس، مع المجلس الوزاري للأمن الوطني، بحث أزمة التظاهرات ونتائجها"، كاشفاً أنّ "العبادي وجّه بتكثيف الوجود العسكري لتأمين الدوائر المهمة في المحافظات التي تشهد تظاهرات".
وقد وجّه العبادي الحكومات المحلية في تلك المحافظات باتخاذ خطوات لاحتواء غضب الشارع، وعقد اجتماعات مع شيوخ العشائر وممثلي المتظاهرين، وأمر بتشكيل لجان خاصة لاتخاذ خطوات تدرس تلك المطالب وتعدهم بتنفيذها، وفق المصدر ذاته، مشيراً إلى أنّ "العبادي أكد على أهمية سلمية التظاهرات، وأنّ الحكومة مسؤولة عن تنفيذ المطالب المشروعة للمتظاهرين".
في المقابل، قلّل شيوخ عشائر من أهمية وعود الحكومة، مشيرين إلى أنّ الشارع العراقي فقد الثقة بها، ومؤكدين أنّ التظاهرات ستستمر.
وخرجت التظاهرات بداية في البصرة ضد البطالة وانعدام الخدمات العامة، خصوصاً الكهرباء، بعد مقتل متظاهر، الأحد، لدى إطلاق نار خلال تفريق التظاهرة.
وبعدما تظاهر، أمس الجمعة، عشرات المواطنين، أمام حقل القرنة النفطي في شمال البصرة، توجه العبادي إلى البصرة قادماً من بروكسل حيث كان يشارك في اجتماع التحالف الدولي ضد "داعش"، واجتمع فور وصوله مع قيادة العمليات العسكرية للمحافظة والمحافظ أسعد العيداني، ومدير شركة الطاقة، بالإضافة إلى لقائه في وقت لاحق مع شيوخ عشائر.
وقال الشيخ جواد البزوني، وهو أحد شيوخ محافظة النجف، لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، إنّ "الشارع العراقي انتفض تعبيراً عن حالة البؤس التي وصل إليها، نتيجة لإهمال الحكومات ملف الخدمات، وانشغالها بمصالحها الخاصة".
وأكد أنّ "المتظاهرين يرفضون الوعود الكاذبة، ويريدون حلولاً حقيقية وفعلية"، مشدداً على أنّهم "سيواصلون تظاهراتهم".
وأضاف البزوني أنّه "على الحكومة أن تفهم أن الشعب يمتلك زمام القوة في الشارع، وعليها أن تنفذ مطالبه فوراً، وألا تحاول تخديره بوعود غير قابلة للتنفيذ"، مؤكداً أنّ "التظاهرات ستستمر حتى تتخذ الحكومة حلولاً فعلية".
وتأتي موجة الاحتجاج هذه فيما ينتظر العراق انتهاء عملية إعادة الفرز اليدوي النسبي لأصوات الانتخابات البرلمانية التي شهدتها البلاد في 12 مايو/ أيار، على خلفية شبهات بالتزوير. ويجد العراق نفسه اليوم من دون سلطة تشريعية للمرة الأولى، منذ إطاحة نظام صدام حسين في 2003.
وتحمّل جهات سياسية حكومة العبادي مسؤولية عدم توفير الخدمات، وتفشي البطالة التي دفعت الشعب إلى التظاهر.
وقال محمد الصيهود، النائب عن "ائتلاف دولة القانون" برئاسة المالكي، في بيان صحافي، إنّ "سياسة العبادي التقشفية، على الرغم من زيادة صادرات وأسعار النفط، هي التي أوصلت البلد إلى ما هو عليه من فقر وتردٍ في مستوى الخدمات".
وأكد أنّ "هذه السياسات الخاطئة هي التي أوصلت البلد إلى هذا الوضع الخطير؛ من ترهل البنى التحتية وانتشار البطالة وتردي المستوى المعيشي للمواطنين، ما دفعهم إلى التظاهر والاحتجاج".
وتشكّل الموارد النفطية للعراق 89% من ميزانيته، وتمثل 99 في المائة من صادرات البلاد، لكنها تؤمّن واحداً في المائة من الوظائف في العمالة الوطنية، لأنّ الشركات الأجنبية العاملة في البلاد تعتمد غالباً على عمالة أجنبية. وتبلغ نسبة البطالة بين العراقيين رسمياً 10.8%. ويشكّل من هم دون 24 عاماً نسبة 60 في المائة من سكان العراق.