جولة ظريف الأوروبية... انفتاح على الغرب لتعويض "عزلة الجيران"

02 يونيو 2016
سياسة اليد الممدودة بين إيران والأوروبيين (جانك سكارينسكي/فرانس برس)
+ الخط -
تكثّف إيران، منذ توصلها إلى الاتفاق النووي مع المجتمع الدولي، في منتصف شهر يوليو/تموز 2015، ودخوله حيز التنفيذ العملي مطلع العام الحالي، جهودها الدبلوماسية في إطار دينامية جديدة أطلقتها حكومة الاعتدال، برئاسة الرئيس حسن روحاني، لتطبيق شعار "الانفتاح" الذي تحدّث عنه طويلاً. لكن هذا الانفتاح يبدو موجهاً أكثر نحو الغرب ودول الاتحاد الأوروبي بشكل خاص، وذلك في ظل استمرار خلاف إيران مع جيرانها العرب، واستفحاله نتيجة للتطورات وأزمات الإقليم المتعددة.

ولا تكاد تصل الوفود الأوروبية العديدة إلى طهران، حتى يتوجه دبلوماسيون إيرانيون إلى عواصم دول الاتحاد الأوروبي، في انعكاس لمدى تسارع إيقاع الزيارات المتبادلة. وما الجولة الأوروبية الحالية لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، على رأس وفد رفيع المستوى، مكوّن من شخصيات سياسية واقتصادية وتجارية، إلا واحدة من الخطوات التي تصبّ في هذا الاتجاه.
وكان ظريف قد وصل، يوم الأحد الماضي، إلى بولندا، محطته الأولى، في جولة تشمل أيضاً فنلندا، السويد، وليتوانيا، وتهدف إلى توطيد العلاقات مع هذه الدول الأوروبية على كافة الأصعدة. وأعلن ظريف أنه سيبحث، خلال جولته، سبل تطوير العلاقات مع مسؤولي الدول التي سيزورها على المستويين السياسي والاقتصادي، مضيفاً أنه يأمل في أن تحمل زيارته هذه ما يصب لصالح إيران. وأوضح ظريف أنه سيبحث مع المسؤولين في السويد تطورات تطبيق الاتفاق النووي، وكيفية الاستفادة من تبعاته الإيجابية بما ينعكس على الملفات الإقليمية أيضاً، مشيراً إلى عدم التزام الولايات المتحدة وعدم جديتها بتطبيق ما عليها من تعهدات نووية.
وفي فنلندا، شارك ظريف في اجتماع سياسي شرح خلاله تطورات الوضع في الإقليم وانعكاساتها على دول العالم، بما فيها الاتحاد الأوروبي، وذلك قبل أن يلتقي نظيره الفنلندي، تيو شوئيني، وغداة لقاء جمعه بنظيره البولندي، ويتولد واشيتشكو فيسكي، الذي وقع معه اتفاقية تتعلق بالمشاورات والتنسيق السياسي بين بولندا وإيران. وعمد ظريف خلال الزيارة إلى إطلاق عدد من المواقف، من بينها التأكيد على ضرورة "محاربة الإرهاب بشكل جديّ"، مشدداً على رغبة "طهران واستعدادها للمزيد من التنسيق بغية القضاء على التنظيمات الإرهابية"، على حد وصفه. كذلك ركّز ظريف في محادثاته على ملف هجرة اللاجئين للدول الأوروبية وسبل إيجاد حلول لها.




باب للتعاون من بوابة النووي

وترى طهران أن اتفاقها النووي يفتح لها الباب نحو علاقات أفضل مع دول الاتحاد الأوروبي، ذلك أن رفع العقوبات المفروضة عليها، يعكس مرونةً أكبر في التعامل. كما تعتقد الإدارة الإيرانية أن القطاع النووي بحد ذاته يمكن أن يشكل أرضية لتعاون مستقبلي محكم، وهو ما لم تستطع إيران تطبيقه مع جيرانها العرب بسبب الملفات الثقيلة العالقة بينها وبينهم.
وفي السياق، جاءت تصريحات مساعد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أخيراً، والتي أعلن فيها أن فرنسا اقترحت على إيران التعاون معها في مشروع يتعلق بالانصهار النووي، مضيفاً أن الاتفاق النووي سمح بإزالة الكثير من العراقيل والتي وقفت بالأساس في وجه تطور إيران العلمي ومنعت، سابقاً، انضمام طلابها لجامعات غربية ودولية.
بدوره، أعلن رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، أن دول الاتحاد الأوروبي تعتزم شراء 20 طناً من الماء الثقيل المنتج في مفاعل آراك النووي، مؤكداً ضرورة أن تدخل إيران هذه السوق، ولا سيما أن عدد الدول المنتجة والمصدرة للماء الثقيل قليل.
وكانت طهران أعلنت عن بيعها كمية 32 طناً من الماء الثقيل للولايات المتحدة الأميركية في وقت سابق. وأعرب كل من صالحي وعراقجي أنه لن يتم تسليم هذه الكمية إلا بعد تسلم عائداتها المالية. 
وتبقى جميع الآمال الإيرانية محفوفة بعراقيل، منها ما يرتبط بالولايات المتحدة، التي تخشى إيران من أن تصادر أموالها المجمدة لديها بعد صدور قرار من المحكمة العليا الأميركية يقضي بدفع مبلغ ملياري دولار لأقارب ضحايا "العمليات الإرهابية"، التي وقعت في لبنان عام 1983، ومنها ما يتعلق بعراقيل ترتبط بالاتحاد الأوروبي نفسه. وشكت طهران، أخيراً، من عدم القدرة على استئناف علاقاتها المصرفية والمالية مع البنوك الأوروبية الكبرى على الرغم من إلغاء الحظر. وتعمل إيران على ترميم علاقاتها مع الغرب بما يصب لصالح معالجة هذه القضايا.

المشاكل الإقليمية فرصة للانفتاح

وفي ظل استمرار التوتر مع الجيران من العرب، ولا سيما المملكة العربية السعودية، التي أدى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران إلى تجميد علاقات أخرى مع دول ثانية، تسعى طهران للانفتاح أكثر على الغرب بما يخدم دورها في القضايا الإقليمية. وجولة ظريف الأوروبية تؤكد هذا الأمر، ولا سيما كلامه عن ضرورة شن حرب على الإرهاب، وتركيزه على أن "التنظيمات الإرهابية تضر بالأمن الدولي بشكل عام، وبأن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) عدو للجميع".

بمعنى آخر، يرى مسؤولو السياسة الخارجية الإيرانية أن الاتفاق النووي يعني بناء جسر ثقة مع الغربيين. وتدرك طهران أن دعائم جسر الثقة هذا تستند على علاقات اقتصادية أكثر تطوراً، والاتفاق النووي فتح هذه الفرصة على مصراعيها، لأن المصالح الاقتصادية المشتركة، تعني علاقات سياسية وطيدة، أو على الأقل أكثر هدوءاً واستقراراً، وهو ما يعني تعاوناً أكبر بين إيران والغرب، من شأنه أن ينعكس إيجاباً على دور إيران في قضايا أخرى.

وكان روحاني قام بجولة أوروبية، في يناير/كانون الثاني الماضي، شملت إيطاليا وفرنسا والفاتيكان، وكانت الأولى من نوعها، منذ الإعلان عن الاتفاق النووي. ورافقه يومها وفد رفيع وعاد إلى طهران حاملاً في جعبته اتفاقيات اقتصادية بمليارات الدولارات. في المقابل، زارت وفود من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي إيران، فضلاً عن زيارة لا تقل أهمية قامت بها وزيرة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغريني، والتي بحثت أخيراً سبل تطوير التعاون الإيراني الأوروبي السياسي والاقتصادي على حد سواء.

كل هذا يجعل الحكومة الإيرانية مهتمة بعلاقاتها مع الغرب، ولكن هذه الدينامية الجديدة تثير حفيظة البعض في إيران. وتهتم جميع الأطراف الإيرانية بلمس نتائج الاتفاق النووي عملياً، كما أن إلغاء العقوبات بموجب نص الاتفاق ذاته، جعل المحافظين الإيرانيين يتجاوزون تحفظاتهم على العلاقات مع الغرب، لكن استمرار توجه الحكومة أكثر نحو الدول الغربية دون حصد نتائج كبرى، والابتعاد عن الجيران، وهو أيضاً ما لا يرغب فيه المحافظون، قد يؤدي في المستقبل إلى فتح النار على حكومة روحاني.