لا يختلف شكل المباحثات السياسية الجارية في المنطقة الخضراء وسط بغداد منذ يومين، عن مباحثات تشكيل الحكومات السابقة كثيراً، إذ تلتزم الأحزاب بفرض شروطها على رئيس الحكومة المكلف عادل عبد المهدي، وأبرزها تمسكها بأهمية الحصول على "استحقاقاتها" بعد نيلها مقاعد في البرلمان الجديد، وكل حزب بما يملك من مقاعد، ينال من مناصب.
وكشفت مصادر مقربة من عبد المهدي، لـ"العربي الجديد"، أن "الحوارات الأولية والاتصالات التي تلقاها عبد المهدي، والقوى السياسية بشأن تشكيل الحكومة الجديدة وتقسيم الوزارات والمناصب، لا تختلف عن الحوارات التي شكلت على ضوئها الحكومة العراقية السابقة، فتقسيم الوزارات سيكون على الكتل حسب حجمها وبنظام النقاط". وأوضح أن "كل نقطة تعادل مقعدين في مجلس النواب، فكل كتلة تحتاج إلى 4 نقاط، أي ما يعادل ثمانية مقاعد نيابية من أجل الحصول على إحدى الوزارات غير السيادية، أما السيادية فتحتاج كل كتلة خمس نقاط، أي ما يعادل عشرة مقاعد نيابية".
وأكّد سياسيون ومراقبون أنّه "سيتم اختيار الوزراء وفق نظام المحاصصة الطائفية، لكن بشكل مُقنّع من خلال تقديم أسماء شخصيات ذات اختصاصات معينة وتحمل شهادات عليا، وذلك لاعتبار الحكومة حكومة تكنوقراط. وهو ما يعني بطبيعة الحال العودة للمربع الأول من خلال استمرار الأحزاب في إدارة شؤون الوزارات الخدمية والسيادية طبقاً لنظام المحاصصة الحزبية والطائفية".
في السياق، قال سكرتير الحزب الشيوعي، عضو تحالف "سائرون" رائد فهمي، إن "تكليف عادل عبد المهدي لم يكن مفاجئاً، فقد كان هناك شبه اتفاق على اختياره، وهو رجل غير محسوب على أي جهة أو حزب أو كتلة معينة. ومن المفترض أنه يمتلك مساحة جيدة من الحرية والاستقلالية في اختيار المرشحين الأفضلين للوزارات والاعتماد على المهنية والكفاءة في الاختيار"، لافتاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الأحزاب السياسية القديمة، ستكون حاضرة في الحكومة الجديدة، ولكن من دون رموزها السابقة، إنما بشخصيات وسياسيين جدد".
وأضاف أن "كل كتلة في البرلمان أعدت ثلاثة أسماء لكل وزارة، يكونون متكافئين ومختصين في المجالات الشاغرة، وقد يجيء بعض المرشحين مستقلين وخارج الأحزاب، في حين يبقى الاختيار هو من نصيب الرئيس المكلف، وربما يملك في ذهنه مجموعة أسماء سيستقدمها لشغل مناصب مهمة، ولحد الآن لا توجد أي ضغوطات تمارس على عبد المهدي"، مبيناً أن "تحالف سائرون (المدعوم من مقتدى الصدر)، لم يحدد حتى الآن أي أسماء لتقديمها إلى الرئيس المكلف".
من جانبها، أشارت النائبة المستقلة في البرلمان سروة عبد الواحد، إلى أن "جميع الأحزاب العراقية اتفقت في هذه المرحلة، على أن تكون الحكومة المقبلة حكومة مهنية وخدمية وترعى مصالح الناس"، مضيفةً لـ"العربي الجديد"، أن "الأسماء التي رشحتها الأحزاب السياسية لشغل مناصب وزارية، حتماً ستكون جيدة وكفوءة، لأن الأحزاب لا تريد أن تكرر التجارب الفاشلة الماضية، ومن ثم فإن الأحزاب تعرف تماماً حجم الخطر الذي يحدق بها، وتتخوف من الاحتجاجات الشعبية التي قد تنطلق في أي لحظة".
ولفتت إلى أن "المرحلة الحالية تمثل حرجاً كبيراً أمام الأحزاب السياسية في ظلّ مأزق الاقتصاد المتقلب والأزمات الأمنية، وهناك إجماع على الخروج من المأزق، ولا بد من إخراج العراق من الكوارث التي مرّ بها".
وبدا أن عبد المهدي مدرك للضغوط السياسية المتلاحقة عليه، بعد توليه التكليف بتشكيل الحكومة، ولهذا اشترط قبيل تسلمه التكليف، عدم السماح للكتل بالتدخل في عمله، في حين هدد بالاستقالة في حالة تجاوزت الأحزاب حدود المشاورات في اختيار الأسماء لشغل الوزارات.
في هذا الصدد، قال عضو تحالف "الفتح" عامر الفايز، لـ"العربي الجديد"، إن "عبد المهدي هدد بالاستقالة وترك المنصب، وعدم الدخول في العملية السياسية إذا ضغطت الأحزاب السياسية عليه في اختيار مرشحيها لشغل مناصب الوزارة"، معتبراً أن "اختيار الوزراء سيكون عبر اتفاق بين الأحزاب، وعبد المهدي وافق على طريقة الاتفاق وليس الضغط والتزمت".
وأشار إلى أن "عبد المهدي أبلغ الكتل السياسية بتقديم خمسة مرشحين للوزارة الواحدة أو يختار بنفسه شخصية يتحمل مسؤوليتها في حال أخفقت في مهام إدارة الوزارة"، مردفاً أن "الكتل السياسية والأحزاب ستعمل على تقديم مرشحيها خلال الأسبوع المقبل، لغرض الدراسة والبحث عن امكانيات المرشحين ضمن القوائم المقدمة".
كردياً، يتنافس الحزبان الكرديان الأكبران في كردستان، على نيل منصب محافظ كركوك، أغنى محافظة في العراق بعد البصرة، ويرى كل حزب إنه أحق بالمنصب. بدوره، قال المحلل السياسي العراقي، واثق الهاشمي، إن "الأحزاب العراقية ما تزال مؤمنة بأن حقها الدستوري والانتخابي يستوجب الحصول على مغانم من بعد الانتخابات"، مشيراً إلى أن "الأحزاب تتخوف من عودة العراق إلى المربع الأول، إلا أن الحقيقة هي أنهم سيعيدون العراق إلى ما قبل المربع الأول، فهم يثبتون بعد كل انتخابات أنهم مجموعة من الوحوش التي تريد أن تنهش جسد الفريسة، وطبعاً الفريسة هي الوطن".
ولفت في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "عبد المهدي عاجلاً أم آجلاَ سيتمكن من تشكيل الحكومة كونه مرشح تسوية ولن يواجه الكثير من الصعوبات التي تستدعي توقف التشكيل، ولكن مصير البلاد سيكون بيد البرلمان، فإن كان البرلمان نزيهاً هذه الدورة، فيمكنه مراقبة عمل الوزارات وترتيب الوضع فيها، أو إهمالها ومن ثم نعود بالخراب إلى البلاد". وأضاف أن "البرلمان الحالي سيكون مختلفاً عن البرلمانات التي سبقته من حيث المحاسبة والمراقبة للحكومة المقبلة، وقد يشهد تكثيفاً في أعماله بسبب الضغوط الشعبية".