تونس والإمارات... ملفات عالقة وخلافات جوهرية بالجملة

29 ديسمبر 2017
تظاهرة أمام السفارة الإماراتية بتونس رفضاً للقرار(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
تستمر الأزمة التونسية الإماراتية من دون تقدّم واضح في المطالب التونسية، ومن دون رد علني إماراتي عليها، على الرغم من أن الاتصالات الأمنية والدبلوماسية لم تنقطع بين البلدين لمحاولة تطويق الأزمة التي استفحلت وتوسعت إعلامياً وشعبياً من الطرفين بشكل كاد يخرج عن السيطرة، وفي ظل محاولة التفاؤل بأن الأزمة يمكن تجاوزها قريباً.

ويُظهر التدقيق في التصريحات التونسية الرسمية بخصوص الأزمة مع الإمارات، أن الطرف التونسي غير مقتنع مطلقاً بالحجج الأمنية التي قدّمتها أبوظبي لتبرير قرار منع التونسيات من ركوب الطائرات الإماراتية ودخول الإمارات. وظلت الدوائر الرسمية التونسية تكبح جماح ردها العلني على مدى يومين، ما تسبّب لها بانتقادات بسبب هذا التأخير، على الرغم من أنها سارعت إلى دعوة السفير الإماراتي عند علمها بالقرار. ولكنها بقيت تنتظر تفسيراً مقنعاً لأسباب هذا القرار الذي صدم الجميع في تونس، قبل صدور مواقفها التي تدرجت في سلّم الرد الدبلوماسي، بدءاً بدعوة السفير ثم بيان وزارة النقل فإعلان منع الطائرات الإماراتية من دخول تونس، وصولاً إلى مطالبة وزير الخارجية باعتذار علني.

وبعد يومين جاء التوضيح الإماراتي بأن أسباب المنع أمنية، وتتعلق بإمكانية قيام امرأة تونسية بعملية إرهابية، ولكن هذا الأمر لم يرقَ إلى مستوى التبرير المقنع للقرار. وأتت التصريحات التونسية الرسمية لتؤكد عدم الاقتناع، إذ قال وزير الخارجية، خميس الجهيناوي: "لقد أخبرنا الطرف الإماراتي أن تونس ليست جزءاً من الإمارات، وأنه وجب عليهم إعلامنا بهكذا قرارات" يتخذونها. وشدد الوزير في تصريح إذاعي، على أن قرار منع الخطوط الإماراتية من الهبوط في تونس "لا زال قائماً"، كاشفاً أن الإماراتيين اتصلوا به وقدّموا اعتذاراتهم، ولكن تونس "تريد الاعتذار العلني"، على حد تعبيره.
وتفسّر عبارة "تونس ليست جزءاً من الإمارات" بمسألة سيادة، وأن تونس فهمت القرار الإماراتي تحت هذا العنوان. ولم يكن للوزير الهادئ، الجهيناوي، وللدبلوماسي المحنك، الرئيس الباجي قائد السبسي، أن يتبنيا مثل هذا الموقف القوي، لو كانت تونس اقتنعت فعلاً بالمبرر الأمني، بل إنها على عكس ذلك أحست بنوع من التعدي على سيادتها.

ويحاول التونسيون فهم أسباب القرار الإماراتي منذ إعلانه، وتحليل خلفياته، ويعود الجميع إلى الملفات العالقة بين البلدين وأسباب التوتر العميقة، والخلافات الجوهرية بينهما منذ مدة. وبالإضافة إلى الخلاف السياسي حول إدارة الشأن التونسي الداخلي وتدخّل الإمارات فيه، ذهب كثيرون إلى تأويلات عديدة، بعضها مفهوم في سياقات سياسية واقتصادية وإقليمية، بينما ذهبت بعض التأويلات إلى ربط الاستفزاز الإماراتي غير المفهوم ببداية معاقبة تونس على مواقفها المتتالية في الفترة الأخيرة والمزعجة لأكثر من جهة عربية وغربية، وحيادها في الأزمة الخليجية، وموقفها من قرار الولايات المتحدة بنقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس ودعوة السفير الأميركي إلى القصر الرئاسي التونسي لإبلاغه الرفض التونسي، بالإضافة إلى تجمع نيابي كبير لبحث تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني بصفة قانونية.


وهناك ملفات عديدة عالقة منذ سنوات بين البلدين يمكن أن تفسر حالة البرود بينهما، أولها مشروع "سما دبي" أو "باب المتوسط"، وهو مشروع ضخم تبلغ استثماراته ما يقارب 25 مليار دينار تونسي (نحو 10 مليارات دولار)، ويقوم على إنشاء ميناء ترفيهي بطاقة تراوح بين 1300 و1500 سفينة، وبطاقة تشغيلية ما بين 150 ألفاً و200 ألف فرصة عمل، وتهيئة مناطق سكنية جديدة بطاقة استيعاب تقدر بحوالي 200 ألف ساكن. ولكن هذا المشروع المبرمج منذ ما قبل الثورة التونسية، متوقف منذ سنوات بسبب الخلاف الإماراتي حول شكل الحكم في تونس، بالإضافة إلى شبهات فساد حوله، بسبب إعطاء الشركة الأرض التي سيقام عليها المشروع بما يسمى في تونس بالدينار الرّمزي، أي من دون مقابل، مع منح "دبي القابضة" سيادة مطلقة عليها، وهو ما اعتبره المتخصصون غير مقبول لأنه ينفي السيادة التونسية على جزء من أراضيها، وهي امتيازات لم تمنح للشركة الإماراتية في مشاريع مماثلة في دول أخرى.

وكان وزير التجهيز والإسكان التونسي، محمد صالح العرفاوي، قد توقع منذ أكثر من سنة عودة مشروع "سما دبي" قريباً بالتوصّل إلى اتفاق مع صاحب المشروع "أبو خاطر"، مؤكداً ضرورة مراجعة الملفات التي شابتها شبهات فساد، والتفاوض مع المستثمر بشأن الاتفاقات التي تشوبها بعض المشاكل. ولكن المشروع لا زال يراوح مكانه ولا تقدّم فيه مطلقاً.

وهناك مشكلة أخرى طفت على السطح في سبتمبر/ أيلول 2015، عندما راجت أخبار في تونس تتحدث عن توجيه مذكرة جلب دولية في حق حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بسبب القضية المرفوعة ضد الشركة صاحبة مشروع "سما دبي"، وهو ما نفته وزارة العدل التونسية بشكل مطلق، ولكنه خلّف استياء كبيراً لدى الإماراتيين، وكاد يقود إلى أزمة دبلوماسية وقتها.

ملف آخر لا يقل أهمية عما سبق، ويشكل خلافاً واضحاً بين البلدين، وهو الملف الليبي، إذ تدعم الإمارات اللواء خليفة حفتر بكل قوتها، وتضع كل ثقلها لدفعه لحسم الأمور لصالحه. في المقابل، تعمل تونس على إقناع الليبيين والمجتمع الدولي بوجهة نظرها التي تقوم على عدم الإقصاء وجمع كل الأفرقاء على طاولة واحدة، وهو ما تحرز فيه تقدّماً واضحاً، على الرغم من أنه بطيء، بالإضافة إلى رفضها، مع الجزائر خصوصاً، للخيارات العسكرية من الداخل والخارج، وتقود حملات دبلوماسية مع كل الأطراف المعنية بالملف الليبي. ويبدو أن الإمارات التي استثمرت بشكل كبير في خيارها الليبي، لا تنظر بعين الرضا إلى الموقف التونسي بخصوص هذا الملف.

المواقف التونسية التي تتعارض عموماً في أغلب هذه الملفات الحساسة بالنسبة للإمارات مع رؤى الأخيرة، تُشكل مصدر إزعاج لها، لتتحوّل إلى مادة قابلة للاشتعال بسرعة تحت أي سبب. وعلى الرغم من كل ذلك، لا ترغب السياسة التونسية الهادئة عموماً في توتير الأجواء عربياً، وهي التي أكدت أكثر من مرة أن في المنطقة العربية ما يكفي من الأزمات. وتبقى الأزمة في انتظار التهدئة من الطرفين، على صعوبتها موضوعياً، ويضاف إليها تزامن هذه الأزمة مع زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس، في صدفة لن تكون سعيدة للإمارات، التي ترى في تونس منطقة منفلتة عنها وخارج إمكانية تحقيق أي نفوذ فيها، ولو كان مالياً.