استراتيجية دبلوماسية تونسية لتحصين العلاقات مع ألمانيا

21 يناير 2017
وقع اعتداء برلين في 19 ديسمبر 2016 (شون غالوب/Getty)
+ الخط -
باشرت السلطات التونسية استراتيجية وُصفت بـ"المستعجلة" لرأب الصدع مع ألمانيا، للحدّ من تداعيات اعتداء سوق الميلاد في برلين، في 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، الذي نفّذه التونسي أنيس العماري. وذكرت مصادر برلمانية وحزبية لـ"العربي الجديد"، أن "تونس وضعت برنامج حملة دبلوماسية مكثفة متعددة الاتجاهات، بدأت بزيارة كاتب الدولة لدى وزير الخارجية المكلف بملف المهاجرين، إلى ألمانيا، وستليها زيارة وفد برلماني قد يقوده رئيس البرلمان محمد الناصر في القريب العاجل، على أن تختتم بزيارة رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ألمانيا في 14 فبراير/ شباط، قبل زيارة مرتقبة للمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، إلى تونس في مارس/ آذار المقبل".

وقد بدأ الشاهد حملته لتعديل المواقف الألمانية ورفع اللبس الحاصل منذ يوم السبت الماضي، بلقائه الجالية الألمانية في تونس يوم عيد الثورة (14 يناير/ كانون الثاني)، في اجتماع نظمته الغرفة التجارية التونسية الألمانية، لتوضيح موقف تونس من المواضيع المطروحة على مستوى العلاقات بين البلدين، التي تهددها تداعيات هجوم برلين، واستثمار بعض الأحزاب الألمانية الاعتداء في الصراع السياسي الألماني ـ الألماني قبل الانتخابات التشريعية التي ستجري بين أغسطس/ آب وأكتوبر/ تشرين الأول المقبلين.

وتزايدت مخاوف تونس من ضرب العلاقات بين البلدين، خصوصاً أن ألمانيا كانت من أكبر الداعمين لتونس ما بعد الثورة، وأول من قرّر تحويل ديونها إلى مشاريع استثمارية لدعم الاقتصاد المتعثر، بالإضافة إلى تقديم مساعدات أمنية هامة وحاسمة في مراقبة الحدود وتأهيلها، للحدّ من تدفق السلاح والإرهابيين منذ سنوات، وسبقت في ذلك كل الداعمين التقليديين لتونس، بمن فيهم فرنسا والولايات المتحدة. كما تخشى تونس من تصاعد خطاب الكراهية والتحريض من بعض الأطراف الحزبية على مهاجريها، الذين يبلغ عددهم حوالي 94 ألفاً. وسبق أن شدّد عدد من المسؤولين الألمان على أن "بعض الدول التي لا تتعاون كفاية بشأن ملف المهاجرين غير الشرعيين، لا يمكنها أن تأمل في نيل مساعدة برلين التنموية". واستهدف التحذير دول المغرب العربي، خصوصاً تونس. ونقلت وكالات الأنباء عن وزير العدل الألماني، هيكو ماس، قوله إنه "يتعين ممارسة الضغط الضروري على من لا يتعاونون كفاية"، مشيراً إلى "المساعدة على التنمية والمساعدة الاقتصادية".



بدوره، اعتبر وزير داخلية مقاطعة شمال الراين ــ وستفاليا، رالف ياغر، أن الأمر "يتعلق بعملية برلين الدموية". وكان أخطر ما صدر عن الوزير اتهامه بشكل مباشر للسلطات التونسية بالتقصير في التعامل مع ملف المتهم الأول في العملية. ولموقف مقاطعة شمال الراين ــ وستفاليا، أهمية فائقة، لكون قوتها الاقتصادية أقوى مما تنتجه إسبانيا والبرتغال معاً، ما يمنح تصريحات مسؤوليها أهمية بالغة في تحديد السياسة الخارجية الألمانية، فضلاً عن وجود العدد الأكبر من المهاجرين التونسيين في هذه المقاطعة (حوالي 40 ألفاً). لذلك سيتوجه الوفد البرلماني التونسي للقاء مسؤولين في برلمان هذه المقاطعة، ولقاء ياغر، والمسؤولين الفيدراليين، وتذكير الجميع بأن "تحميل تونس مسؤولية اعتداء برلين فيه الكثير من الإجحاف".

ووفقاً لمصادر متابعة، فإن "رئيس الحكومة يوسف الشاهد، سيناقش مع المسؤولين الألمان ملف المهاجرين التونسيين غير الشرعيين الذين ترغب ألمانيا بإعادتهم إلى تونس، ويبلغ عددهم 1257 تونسياً". وسيؤكد المسؤولون التونسيون لنظرائهم الألمان أن "لا اعتراض لديهم على عودة المهاجرين، على أن تتم بعد دراسة ملفاتهم واحداً واحداً، والتأكد من أنهم تونسيون بالفعل، وأن ظروف الأمن القومي التونسي تحتّم التمعّن في كل هذه الملفات"، رافضين العودة الجماعية لهؤلاء.



كما نقلت إذاعة "دويتشه فيله" الألمانية، تحذير وزير التنمية والتعاون الاقتصادي الألماني غيرد مولر، حول تقليص حجم المساعدات المخصصة لدول المغرب العربي، في سبيل إجبارها على استعادة مهاجرين غير شرعيين لا أمل لهم في الحصول على إقامة داخل بلاده. وشدّد على أن "هدفنا الأساسي لا بد أن يتمثل في ضمان استقرار المنطقة برمتها (شمال أفريقيا)، بما في ذلك مصر". وأضاف أن "الانهيار الاقتصادي لهذه الدول سيؤدي إلى مشاكل أكبر".

وأوضح مولر أن "المساعدات التنموية التي تقدمها ألمانيا ليست هبات، لأن استقرار الدول يخدم بالأساس مصلحة ألمانيا"، مضيفاً أن "هذه المساعدات تخصص في مجالات تدعم الشباب، وهي بدورها آليات للحد من الهجرة".

أما زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي زيغمار غابريل، فذكر في العدد الأخير من مجلة "دير شبيغل" الألمانية، بأن "من لا يتعاونون بشكل كافٍ لا يمكنهم الاستفادة من مساعدتنا التنموية". وهو ما أيده بقوة وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير، العضو في الحزب المحافظ بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل، في حوار أدلى به لمؤسسة "ايه آر دي" مساء الأحد.

وكان الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، قد أكد أن "بلاده تتحمل مسؤولياتها تجاه شركائها بأوروبا، وعلى أوروبا أن تطمئن لأن تونس بلد يتحمّل مسؤولياته"، حسبما نقلت عنه وكالة "فرانس برس". وأضاف أنه "لا يمكننا أن نفرض على بلد أن يستبقي تونسيين في وضع غير قانوني، لكن يجب أولاً أن نتأكد من أنهم تونسيون، وهذا ليس واقع الحال دائماً".

وتطرّق السبسي إلى قضية الهجرة غير الشرعية، مشيراً إلى أنه "لدينا اتفاقيات مع أوروبا، ولدينا اتفاقيات ثنائية مع بعض الدول بما فيها ألمانيا وستُطبّق". وتأتي هذه المواقف وسط تغيرات سياسية ألمانية، استعداداً للانتخابات التشريعية، في ظلّ تشعّب رهانات ملف المهاجرين وتداعياته، ومحاولة بعض الأحزاب استثماره في الحملات الانتخابية.


المساهمون