هكذا سعت إسرائيل إلى محو الخط الأخضر كلياً

26 فبراير 2018
ربط الاحتلال بين الجدار والخط الأخضر (طوماس كوكس/فرانس برس)
+ الخط -

بموازاة مواصلة نشاطها الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، ظهر أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي ومركز ترسيم الخرائط رفضا، الأسبوع الماضي، بحسب ما نشرته صحيفة "هآرتس"، تقديم خرائط تحدّد بشكل دقيق مسار الخط الأخضر، أو حدود الهدنة التي أقرت في عام 1949، على الرغم من طلب رسمي، منذ العام الماضي، من جمعية إسرائيلية تدعى حرية المعلومات. وبين الخبر الذي نشرته "هآرتس" الأسبوع الماضي، أن مركز ترسيم الخرائط الإسرائيلي رد على جمعية حرية المعلومات بأن مسار مرور الخط الأخضر، وتحديد هذا المسار، ليس متاحاً لمعرفة الجمهور لأن نشره يمس "بعلاقات إسرائيل الخارجية". كذلك رفض مركز ترسيم الخرائط الإسرائيلي تسليم خرائط مفصلة تشمل الخط الأخضر الذي سبق حرب يونيو/ حزيران 1967. وقد سمي بالخط الأخضر لأنه تم ترسيمه عند إقرار اتفاقيات فك الاشتباك والهدنة، بخط أخضر اللون.

وتبيّن من الرد الرسمي للمركز أن المعلومات المطلوبة عن تحديد مسار الخط الأخضر غير متاحة للجمهور الإسرائيلي، وذلك لأنه تسري عليها المادة "9 أ" من قانون حرية المعلومات، ولا يمكن تسليم هذه المعلومات خوفاً من المس بعلاقات إسرائيل الخارجية. ومع أن ترسيم ومسار الخط الأخضر موجودان لدى الأطراف الأخرى (الأردن باعتباره طرفاً في اتفاقيات وقف إطلاق النار والهدنة)، إلا أن قرار المركز الإسرائيلي كشف عملياً وجود قرار حكومي إسرائيلي سرّي اتخذ بعد أشهر من حرب يونيو/ حزيران 1967، ونص على إصدار خرائط جديدة لا يظهر فيها الخط الأخضر.

وقد كشف معهد إسرائيلي، يدعى "عكفوت"، ويصف نفسه بأنه معهد لدراسة الصراع الإسرائيلي العربي، النقاب عن وجود وثائق سرية تؤكد أن الحكومة الإسرائيلية، تحت قيادة ليفي أشكول، تبنت بعد الحرب نص قرار حكومي قدمه وزير العمل الإسرائيلي آنذاك، يغئال ألون، يأمر مركز ترسيم الخرائط في إسرائيل بعدم إصدار أي خرائط جديدة تظهر الخط الأخضر، واستبدالها بخريطة تحمل اسم إسرائيل (وليس دولة إسرائيل) تظهر فيها خطوط وقف القتال بعد حرب يونيو/ حزيران ونقاط تمركز قوات الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك في هضبة الجولان السورية المحتلة وشبه جزيرة سيناء. وبحسب الوثائق، التي نشرها معهد "عكفوت" على صفحته في "فيسبوك"، فإن القرار بهذا الخصوص اتخذ رسمياً في 18 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1967، وأعيدت المصادقة عليه في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ذاته.

وبحسب الوثائق التي نشرها الموقع، نقلاً عن أرشيف الجيش الإسرائيلي، بعد مرور 50 سنة عليها، فقد طرح يغئال ألون اقتراح قرار بعدم إصدار خرائط جديدة تبيِّن الخط الأخضر، أي حدود ما قبل الخامس من يونيو/ حزيران والاكتفاء بترسيم خرائط تبين خطوط وقف القتال خلال حرب يونيو/ حزيران. وعلل ألون، بحسب الوثائق المذكورة، اقتراحه بالقول إنه مع احتلال المناطق الجديدة خلال حرب الأيام الستة، أعلنت الحكومة عملياً عن إلغاء اتفاقيات وقف إطلاق النار من عام 1949، ويجب أن يتجلّى هذا الأمر في الخرائط. وأضاف أن "إصدار خريطة جديدة وفق خطوط اتفاقية وقف إطلاق النار لن يعكس الواقع السياسي، وسيتم تفسيره أيضاً بأننا ما زلنا نعتبر هذه الخطوط واردة التطبيق". في المقابل، تبين الوثائق أن وزير خارجية حكومة الاحتلال طالب في الجلسة، التي عقدت في 18 أكتوبر/ تشرين الأول 1967، بعدم إبراز الحدود الجديدة لمنطقة نفوذ القدس، التي تبين فصل القدس المحتلة عن بقية الضفة الغربية، بعد أن قامت حكومة الاحتلال قبل ذلك بأشهر بإعلان توحيدها وتغيير حدود المدينة لتشمل الشطر الشرقي الذي تم احتلاله في حرب يونيو/ حزيران. وتظهر الوثائق أنه مع تبني الخطوط العريضة لاقتراح ألون، فقد دار جدل بين أعضاء اللجنة الوزارية لشؤون الأمن حول الاسم الذي سيعطى للخرائط الجديدة، وهل ستحمل الخريطة اسم "دولة إسرائيل" أم الاكتفاء بعنوان إسرائيل على رأس الخريطة.


وفي 12 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ذاته، عادت اللجنة الوزارية لشؤون الأمن وصادقت على قرارها السابق، مع تأكيد إبقاء أمر هذه الخرائط سراً، وإرجاء إصدار الخرائط الجديدة إلى ما بعد انتهاء دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي كانت منعقدة في تلك الأيام، خوفاً من ردود الفعل. لكن في المقابل انتقلت حكومات الاحتلال إلى إطلاق مشروع الاستيطان في قلب الضفة الغربية مع بدء "استيطان زراعي" في غور الأردن ومستوطنات أخرى على قمم جبال الضفة، بما يتلاءم مع مشروع يغئال ألون وخطته السياسية بالإبقاء على السيطرة الأمنية لإسرائيل في غور الأردن والابتعاد عن الاستيطان في المناطق الفلسطينية كثيفة السكان. ولم تتغير هذه السياسة إلا مع تولي الليكود الحكم في عام 1977 وإطلاق يد الحركة الاستيطانية الدينية الأيديولوجية التي مثلتها حركة "غوش إيمونيم"، بما في ذلك داخل الخليل، وفي مختلف أرجاء الضفة الغربية المحتلة.
ومع اندلاع الانتفاضة الأولى أطلق آرييل شارون، الذي كان وزيراً للإسكان في حكومة "الوحدة الوطنية" الأولى المشتركة بين الليكود والعمل، بقيادة كل من شمعون بيريز وإسحق شامير، مخطط النجوم السبع الذي شكل أول خطوة عملية على الأرض لمحو الخط الأخضر كلياً، من خلال إقامة سبع مستوطنات على امتداد الخط الأخضر للضفة الغربية، أبرزها موديعين التي يقوم نصفها على أراضي غربي الخط الأخضر، والنصف الآخر على الأراضي التي تم احتلالها في حرب يونيو/ حزيران 1967 وكانت تقع في الضفة الغربية المحتلة.

وبعد الانتفاضة الثانية، أقرت حكومة الاحتلال إقامة جدار الفصل العنصري، الذي زعمت أنه يقوم على مسار الخط الأخضر. لكن سرعان ما اتضح مع بدء أعمال إقامته أنه يتوغل شرقاً داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بل ويترك قرى فلسطينية وأراضيها الزراعية خلف الجدار في الجهة الغربية منه داخل إسرائيل، على الرغم من اعتراضات أهالي هذه القرى، حتى أمام المحكمة العليا التي أمرت بتغييرات طفيفة في بعض الحالات، فيما أقرت مسار الجدار بحجة الدوافع الأمنية. لكن سياسة محو الخط الأخضر على الأرض حملت طابعاً فظاً في الأعوام الأخيرة، وتحديداً في عهد حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، مع توالي اقتراحات القوانين لبسط السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية، كخطوة أولى، تتبعها عملية بسط هذه السيادة على المنطقة "سي" التي تشكل 60 في المائة من أراضي الضفة الغربية، وضمها إلى إسرائيل رسمياً، وذلك إلى جانب القوانين التي تقترح ضم كتل استيطانية في محيط القدس، بدءاً بمعاليه أدوميم شرقاً وحتى بسغات زئيف غربي القدس، وكتلة غوش عتصيون على طريق بيت لحم، إلى دولة الاحتلال وفرض القانون الإسرائيلي عليها، عبر استغلال الظروف الحالية ووجود إدارة أميركية مساندة لإسرائيل للتخلص كلياً من مقترحات حل الدولتين، وسد الطريق أمام إرغام إسرائيل على الانسحاب إلى خطوط ما قبل الرابع من يونيو/ حزيران 1967.