ما وراء الإصرار الإسرائيلي على هدم الخان الأحمر

17 سبتمبر 2018
تقع الخان الأحمر بين القدس و"معاليه أدوميم"(توماس كوكس/فرانس برس)
+ الخط -

يعكس الإصرار على تدمير قرية الخان الأحمر، شمال شرق مدينة القدس المحتلة، توجهاً إسرائيلياً للمضي قدماً في تنفيذ المشروع الاستيطاني في المنطقة "E1"، الذي لن يضمن إضافة المزيد من المستوطنين في محيط القدس فحسب، بل من شأنه أيضاً أن يسدل الستار على أية إمكانية لتدشين دولة فلسطينية ذات إقليم متصل. وقرية الخان الأحمر تقع في المنطقة الفاصلة بين القدس الشرقية ومستوطنة "معاليه أدوميم"، شمال شرق المدينة، وتعد أكبر المستوطنات في الضفة الغربية، وهي المنطقة نفسها التي يمر فيها الشارع الذي يربط شمال الضفة الغربية بجنوبها. ونظراً لأن المشروع الاستيطاني في المنطقة "E1" يهدف بشكل مباشر إلى ربط "معاليه أدوميم" بالقدس الشرقية، فإن هذا يعني قطع الطريق الذي يصل شمال الضفة بجنوبها، وهو ما يعني عملياً فصلاً تاماً بين المنطقتين.

وعلى الرغم من أن حكومة اليمين المتطرف، لا سيما بعد صعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب للحكم، تجاهر برفضها فكرة إنشاء دولة فلسطينية من خلال اعتراضها على حل الدولتين كإطار لحل الصراع، فإن تدشين المشروع الاستيطاني في المنطقة "E1" يمثل التكريس العملي للرفض الإسرائيلي، على اعتبار أن أي حديث بعد إنجاز المشروع عن حل الدولتين يصبح حديثاً غير ذي صلة. وفي الوقت ذاته، فإن المشروع يحقق هدفاً استراتيجياً إسرائيلياً آخر، يتمثل في نسف الحدود التي تفصل القدس عن الضفة الغربية، بحيث أن مستوطنة "معاليه أدوميم"، المقامة على أراضي الضفة الغربية، ستصبح بعد إنجاز المشروع جزءاً لا يتجزأ من بلدية الاحتلال في القدس. وهذا سيمثل سابقة تمكّن إسرائيل أيضاً من ضم التجمع الاستيطاني "غوش عتصيون"، الذي يقع جنوب المدينة المقدسة، والذي تلتف المستوطنات التي تشكله حول المدن الفلسطينية: بيت لحم، وبيت جالا، وبيت ساحور.

ونظراً لأن إسرائيل ترى في القدس "عاصمة" لها وجزءاً منها، فإن المشروع في المنطقة "E1"، يعني عملياً ضم أجزاء من الضفة الغربية لإسرائيل، وهو ما يمثل حسماً لمصير الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي الوقت الذي تعد فيه مستوطنة "معاليه أدوميم"، التي ستُضم للقدس، جزءاً لا يتجزأ من المنطقة "ج"، التي تشكل أكثر من 60 في المائة من الضفة الغربية، فإن المشروع في"E1" سيساعد حكومة اليمين المتطرف على تطبيق المشروع الذي يتشبث به وزير التعليم ورئيس حزب "البيت اليهودي" الديني، نفتالي بينيت، الذي يدعو إلى ضم كل المنطقة "ج" لإسرائيل.

إلى جانب ذلك، فإن المساحات الشاسعة جداً من الأراضي التي تقع في المنطقة الفاصلة بين شرق القدس وغرب أريحا، والخالية من السكان تقريباً، والتي تعد جزءاً لا يتجزأ من مناطق "ج"، ستكون عرضة للاستغلال لتحقيق هدف تهويد الضفة الغربية. وسبق لكل من حكومة بنيامين نتنياهو وبلدية الاحتلال في القدس وإدارة المجلس المحلي لمستوطنة "معاليه أدوميم" أن أعدوا خطة لتدشين منطقة صناعية، ستكون الأكبر في إسرائيل، وذلك في الفضاء الفاصل بين القدس وأريحا. ومن الواضح أن إنجاز المشروع لن يسهم فقط في تغيير الواقع الجغرافي في الضفة الغربية، بل سيغير حقائق الديمغرافيا أيضاً، إذ إن توسيع المستوطنات وتدشين المشاريع الاقتصادية سيغري الكثير من المستوطنين الأزواج الشباب، الذين يقطنون في منطقة وسط إسرائيل المكتظة بالمستوطنين، والتي تعاني من أزمة سكن خانقة بسبب ارتفاع أسعار الشقق، للقدوم للإقامة في المشاريع الاستيطانية الجديدة. وإلى جانب أن المشاريع الاستيطانية الجديدة توفر فرص عمل، فإنها تضمن في الوقت ذاته للأزواج الشباب الحصول على شقق بشروط ميسرة جداً، في حين أن سعر الشقة وسط إسرائيل يراوح بين نصف مليون ومليون دولار.

ومن دون أن تعلن الحكومة الإسرائيلية ذلك، فإنه من الواضح أن مشروع المنطقة "E1" وبقية المشاريع الاستيطانية الأخرى التي تستند إلى ضم مناطق "ج" لإسرائيل، تعد في الواقع تجسيداً لمشروع "القدس الكبرى"، الذي صاغه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون، في تسعينيات القرن الماضي، عندما كان وزيراً للبنى التحتية في حكومة نتنياهو الأولى، والهادف إلى جلب مليون يهودي للإقامة في القدس ومحيطها. وفي الوقت ذاته، فإن تحسن الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية نسبياً يمثل عامل إغراء آخر للمستوطنين للإقامة في محيط القدس وفي أرجاء الضفة الغربية بشكل عام، إذ تلعب السلطة الفلسطينية، من خلال إصرارها على مواصلة التعاون الأمني، دوراً في تحسين البيئة الأمنية للاستيطان في الضفة. وفي ظل السياسات التي تتبناها إدارة ترامب، فإن قدرة إسرائيل على تطبيق هذه المشاريع كبيرة. وتكفي فقط الإحاطة بمواقف السفير الأميركي لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، الذي يجاهر برفضه لتفكيك المستوطنات بزعم أن مثل هذه الخطوة ستفضي إلى اندلاع حرب أهلية داخل إسرائيل.

المساهمون