اعتداء في شرق الكونغو الديمقراطية: هجوم متعدد الاحتمالات

10 ديسمبر 2017
يعمل الجيش على محاولة حسم الوضع (جونيور كانّاه/فرانس برس)
+ الخط -
قفزت الكونغو الديمقراطية فجأة إلى واجهة الاهتمامات الإعلامية، في اليومين الماضيين، إثر اعتداء طاول قاعدة للكتيبة التنزانية في قوات حفظ السلام الأممية في كيفو، شرقي البلاد. الهجوم الأسوأ من نوعه ضد القوات الدولية في هذا البلد الأفريقي الغارق في حروبه الأهلية، منذ بدء عملها ميدانياً هناك عام 2000، دفع إلى التساؤل حول مدى قدرة هذه القوات على ضمان الأمن والاستقرار في منطقة حسّاسة، إثنياً وجغرافياً، لارتباطها بالصراع العرقي بين الهوتو والتوتسي ديمغرافياً، في منطقة ممتدة بين الكونغو الديمقراطية ورواندا وبوروندي وتنزانيا وأوغندا جغرافياً.

ووقع الهجوم في القاعدة التنزانية، في شمالي كيفو، يوم الجمعة الماضي، وأسفر عن مقتل 15 شخصاً وإصابة 53 آخرين على الأقلّ في صفوف القبعات الزرق، إضافة إلى خمسة قتلى في صفوف القوات الكونغولية. ودان مجلس الأمن الدولي "بأشدّ العبارات" الهجوم. وذكر في بيان رئاسي في ختام جلسة مغلقة حول الهجوم، مساء الجمعة، عقدها المجلس بطلب من فرنسا، أن "أعضاء مجلس الأمن يدينون بأشد العبارات، كل الهجمات الاستفزازية التي تشنها جماعات مسلحة ضد قوة الأمم المتحدة لإرساء الاستقرار في جمهورية الكونغو الديموقراطية". وأضاف بيان الرئاسة اليابانية للمجلس لشهر ديسمبر/كانون الأول، أن "الهجمات المتعمّدة التي تستهدف القبعات الزرق يمكن أن تشكّل جرائم حرب بموجب القانون الدولي". وأكدت رئاسة المجلس في بيانها أنه "لا يمكن الإفلات من العقاب عن هكذا هجمات".

ورداً على سؤال بشأن الجهة المسؤولة عن الهجوم، قالت الرئاسة اليابانية "نحن بحاجة لإجراء تحقيق". واتجهت أصابع الاتهام الأولية والإعلامية نحو حركة "القوات الديمقراطية الحليفة"، الناشطة في منطقة القاعدة الأممية منذ التسعينيات. والحركة تعمل، وفق أدبياتها، لمواجهة الحكم في أوغندا، وهي مُتهمة بـ"الارتباط مع تنظيمات القاعدة وحركة الشباب الصومالية، والقاعدة في بلاد المغرب، وبوكو حرام في نيجيريا، وطالبان في أفغانستان، وحزب الله في لبنان"، بحسب بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية (مونوسكو). مع العلم أن صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية شكّكت في ذلك.

وجود البعثة الدولية هناك، جاء أساساً في أعقاب مجازر رواندا في عام 1994، بين الهوتو والتوتسي، وانتقل الصراع إلى الكونغو الديمقراطية، التي عرفت حربين متتاليتين (1996 ـ 1997) و(1998 ـ 2003)، تأثراً بالمجازر الرواندية. أكثر من 5.4 ملايين نسمة سقطوا في هذه الحروب، التي ما أن انتهت حتى تركزت في كيفو، في الشرق الكونغولي، حيث توجد مخيمات اللاجئين من رواندا، والتي اتخذتها حركة "القوات الديمقراطية الحليفة"، ومليشيات كونغولية وأوغندية ورواندية، قاعدة انطلاق وتدريب لعملياتها العسكرية.

كما توجد مناجم الذهب والكولتان، فضلاً عن الثروة الخشبية في تلك المنطقة. هناك تسيطر مليشيا "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا" التي تستغل المناجم منذ عام 2010، رغم منع حكومة الكونغو الديمقراطية لها. ومع انتشار قوات "مونوسكو" الأممية، بغية فرض الأمن، هدأت الأمور قليلاً، من دون حسم المعارك الميدانية. وتجلّى ذلك في سلسلة مجازر نفّذتها حركة "القوات الديمقراطية الحليفة" في منطقة بيني، شمالي كيفو، وسقط فيها أكثر من 1300 قتيل.

مع العلم أن الجيش الكونغولي شنّ هجمات عدة لحسم الصراع ضد مليشيات، وإنهاء الوضع الأمني ضد مليشيا "الكونغرس الوطني للدفاع عن الشعب" الكونغولي في عام 2009، ثم ضد مليشيا "أم 23" الكونغولية، في عام 2013. إلا أنه في المقابل، استمرت عملياته العسكرية ضد مليشيا "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا"، وضد "ماي ماي" الرواندية. وقد بدأ الجيش، بمعية قوات "مونوسكو" عملية أمنية لتحرير كيفو، في عام 2015.

وفي حال لم تتمكن القوات الأممية من معالجة وضعية الهجوم الأخير ضدها، فإن الأمور مرشحة للتصعيد، خصوصاً إذا ما اعتبرت "مونوسكو" أنها "تواجه حركة القوات الديمقراطية الحليفة"، واحتمال تسويق فكرة "محاربة داعش" في تلك المنطقة من أفريقيا. ما قد يستدعي تدخلاً بلجيكياً حتى، التي استعمرت الكونغو بين عامي 1908 و1960. كما أن تأثيرات أي أزمة متجددة، قد تنعكس سلباً على جنوب السودان، الذي يعاني 1.2 مليون نسمة من سكانه من المجاعة، ويسعون للهروب إلى دول الجوار، ومنها... الكونغو الديمقراطية.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)


المساهمون