وكشفت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، أن القاهرة استضافت بالفعل مشروعاً لتأهيل الشرطة وقوات الأمن الأفريقية لمواجهة الهجرة، بتمويلٍ مادي وفني وتدريبي مباشر من الحكومة الإيطالية، استمر من ربيع عام 2018 وحتى خريف العام الماضي. هذا المشروع كان أحد صور التعاون الأمني "غير المعلن" بين البلدين، على الرغم من توتر العلاقات الأمنية والقضائية وحتى السياسية، على خلفية المماطلة والتسويف وادعاء التعاون من قبل النيابة العامة المصرية مع روما في قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة منذ أربع سنوات.
وينشط في روما التيار اليساري في البرلمان والحكومة في معارضة المضي قدماً في تقديم مثل هذا الدعم الاستثنائي للسيسي وحكومته، طالما استمر إخفاء الحقيقة في قضية ريجيني. ويطالب هذا التيار بربط تجديد التعاون مع القاهرة وغيره من صور التنسيق الأمني على وجه التحديد، بتحقق انفراجة في التعاون القضائي، الذي مرّ أخيراً بلحظة محورية تصلح كبداية جديدة، بإعلان النائب العام المصري حمادة الصاوي، في بيان رسمي، "تشكيل فريق تحقيق جديد يعكف على دراسة وترتيب أوراق القضية (ريجيني)، ويعمل على اتخاذ كافة إجراءات التحقيق اللازمة لاستجلاء الحقيقة في حيادية واستقلالية تامة". وصدر البيان بعد لقاء للصاوي على مدار يومين مع ممثلي الادعاء العام بروما في القاهرة، منتصف الشهر الحالي.
ويراهن السيسي على استمرار التعاون بين البلدين لضرورة التنسيق في الملف الليبي واستثمارات التنقيب في الحقول المصرية من أجل المماطلة في كشف الحقيقة. يضاف إلى ذلك، تنامي استيراد مصر للأسلحة الإيطالية، حيث كشفت وثيقة صادرة عن وزارة الخارجية الإيطالية، نشرت تفاصيلها "العربي الجديد" في يوليو/ تموز الماضي، أن مصر اشترت أسلحة ومعدات ونظماً إلكترونية أمنية وعسكرية من إيطاليا عام 2018 بقيمة 69.1 مليون يورو، مسجلة بذلك رقماً قياسياً في تاريخ العلاقة بين البلدين، واحتلت المركز العاشر في قائمة الدول المستوردة للسلاح الإيطالي بصفة عامة، والأولى في قارة أفريقيا، وهو ما كان محط انتقادات يسارية في روما أيضاً.
وعلى صعيد آخر، كشفت المصادر محاولة حكومة السيسي أيضاً الحصول على تمويل ألماني وفرنسي لمشروع تدريبي آخر، تزعم أنه يستهدف رفع كفاءة الحكومات الأفريقية في التعامل مع مشاكل الشباب، وعلى رأسها البطالة، من خلال التحفيز على إقامة مشروعات صغيرة وإدارتها ودعمها مالياً من قبل الحكومات. ويعتبر السيسي أن التجربة المصرية في دعم هذه المشروعات منذ 2014 "رائدة ويجب نقلها للدول الأفريقية، وذلك بدعم من الأطراف الأوروبية"، بحجة أن "رفع كفاءة القارة في هذا المجال سيساهم في الحد من أنشطة الهجرة".
المصادر الدبلوماسية أكدت أن برلين غير متحمسة حالياً لتبني مثل هذا المشروع، والسبب ليس فقط مشاكل الأجندة الخاصة بحقوق الإنسان والمجتمع المدني بمصر، بل أيضاً لتسجيلها ملاحظات عدة بشأن تراجع كفاءة استغلال القروض والمنح التمويلية السابق تخصيصها لأغراض اجتماعية وثقافية للحكومة المصرية في السنوات الثلاث الأخيرة. وذلك بالتوازي مع سوء أوضاع العمل الخيري والاجتماعي والدراسي الألماني الرسمي في مصر، وتقليص المساحة المتاحة أمام الجهات الرسمية الألمانية للرقابة على كيفية الإدارة والإنفاق أو مباشرة ذلك بواسطة مؤسسات تابعة لها أو متعاقدة معها.
فعلى الرغم من تعهد نظام السيسي سلفاً بحماية هذه الأنشطة واستثنائها من العديد من القيود التي تفرض على المنظمات المحلية والدولية الأخرى، إلا أن برلين لا تزال متشككة في نوايا النظام بعد تأخر صدور اللائحة التنفيذية لقانون العمل الأهلي الذي صدر العام الماضي، والذي استجابت فيه الحكومة لضغوط الدول الغربية لإزالة الأدوار التي كانت مسندة للاستخبارات والأمن الوطني، لكن المواد في المقابل جاءت مكتظة بالعبارات المطاطة التي يمكن استخدامها لتقييد الأنشطة.
وتوجه ألمانيا لمصر بين الحين والآخر انتقادات معلنة، جاء أبرزها على لسان وزير خارجيتها هايكو ماس خلال زيارته للقاهرة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عندما ناشد السيسي مراعاة حقوق الإنسان. ورأى ماس أن "أي استقرار سياسي يشترط دائماً حماية حقوق المواطنين، وأن أي شيء آخر يقود إلى عدم الرضا كما شاهدنا في مصر قبل وقت قصير"، قاصداً بذلك اندلاع ثورات أو تظاهرات واسعة، مؤكداً أن "من مصلحة مصر أن يتنفس المواطنون نسائم الحرية".
في المقابل، يولي السيسي أهمية كبيرة لملفي جذب الاستثمارات وشراء الأسلحة، حيث تكشف البيانات الرسمية أن مصر جاءت في المركز الثاني على مستوى العالم في شراء الأسلحة الألمانية خلال النصف الأول من العام الماضي. وبحسب بيانات رسمية سبق وحصلت عليها "العربي الجديد"، اشترت مصر أسلحة ألمانية خلال تلك الفترة بقيمة 801 مليون و847 ألف يورو، متفوقة على بريطانيا والولايات المتحدة والجزائر وكوريا وأستراليا وقطر، وجاءت فقط خلف المجر التي اشترت أسلحة بقيمة مليار و769 مليوناً و869 ألف يورو. وتضمنت المشتريات قطع غيار للطائرات المقاتلة، ومعدات للدعم الأرضي والتدخل السريع، وأنظمة دفاع جوي، وأجزاء صواريخ، وأنظمة توجيه أرضية للصواريخ.