الذكرى 36 لتحرير سيناء: عام آخر للحرب بلا احتفالات

24 ابريل 2018
420 ألف شخص بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية (الاناضول)
+ الخط -
يأتي عيد تحرير سيناء هذا العام، الذي يصادف غداً الأربعاء، في 25 إبريل/ نيسان، في ظلّ ظروف إنسانية صعبة للغاية يعيشها أهالي سيناء بفعل العملية العسكرية التي يخوضها الجيش المصري منذ أكثر من 70 يوماً ضد تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش"، ما أخفى مظاهر الاحتفال بالعيد الذي يمثّل ذكرى وطنية لجميع المصريين.
وتمرّ هذا العام الذكرى الـ36 لعيد تحرير سيناء الذي شهد خروج آخر جندي إسرائيلي منها، تطبيقاً لاتفاق "كامب ديفيد" في 25 إبريل عام 1982، إلا أنّ الحرب ما زالت مشتعلة في سيناء، إثر استمرار العمليات العسكرية للجيش المصري بهدف السيطرة الأمنية على المناطق الشاسعة شرق مصر، والتي تبدو أنها مهمة طويلة الأمد، في ظلّ بقاء التنظيم الدموي بقوته العسكرية التي تمكنه من تنفيذ عمليات عسكرية عنيفة ضد قوات الجيش، كان آخرها قبل 10 أيام تقريباً بهجوم استهدف معسكر وسط سيناء وأسفر عن مقتل وإصابة عشرات العسكريين.

ومنذ وقوع الانقلاب العسكري صيف عام 2013، اختفت مظاهر الاحتفال بعيد تحرير سيناء في المحافظة التي كان من المفترض أن تكون أول المحتفلين، حيث فرضت قوات الجيش القبضة الحديدية على سكان المحافظة، فيما ترعرع التنظيم الإرهابي على وقع الظلم الذي تعرّض له عشرات آلاف المصريين في سيناء خلال الأعوام الخمسة الماضية، من تدمير للمنازل، وتهجير للمواطنين، وقتل وإصابة واعتقال المئات، وما زالت الأرقام في ازدياد في ظلّ استمرار العمليات العسكرية لقوات الجيش.

ولا تبدو هناك رغبة لدى أهالي سيناء في إحياء الذكرى الـ36 لعيد تحرير سيناء، في ظلّ الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشونها منذ بدء العملية العسكرية الشاملة في 9 فبراير/ شباط الماضي، والتي أدّت إلى توقّف المسيرة التعليمية، ومنع إدخال المواد الغذائية والأدوية والمحروقات، وتقييد حركة المواطنين من وإلى شمال سيناء، في حصار مطبق لم تشهد المحافظة مثيلاً له منذ عقود، ما أنسى المواطنين قدوم ذكرى تحرير أرضهم.

وتعقيباً على ذلك، ذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أنّ حملة النظام المصري خلّفت نحو 420 ألف شخص في 4 مدن في شمال شرق البلاد، بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، وأشارت إلى أن "أعمال الجيش المصري تنحو إلى العقاب الجماعي". وطالبت المنظمة في تقرير نشرته أمس الإثنين، الحكومة المصرية بضرورة توفير الغذاء الكافي لجميع السكان، والسماح لمنظمات الإغاثة، مثل "الهلال الأحمر المصري"، بتوفير الموارد الفورية لتلبية الاحتياجات الحرجة للسكان المحليين.


ونقلت المنظمة عن السكان قولهم إنهم شهدوا انخفاضاً حاداً في الإمدادات المتاحة من المواد الغذائية، والأدوية، وغاز الطهي، وغيرها من السلع التجارية الأساسية. كما حظرت السلطات المصرية بيع أو استخدام البنزين للمركبات في المنطقة، وقطعت خدمات الاتصالات لأيام عدة أكثر من مرة. كما قطعت المياه والكهرباء بشكل شبه كامل في معظم المناطق الشرقية من شمال سيناء، بما في ذلك رفح والشيخ زويد.

وأكدت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش"، أن "أعمال الجيش المصري تنحو إلى العقاب الجماعي، وتكشف الفجوة بين ما يدّعي الرئيس عبد الفتاح السيسي أنه يفعله نيابة عن المواطنين، وبين الواقع المشين".

وتعليقاً على ذلك، قال مصدر مسؤول في مجلس مدينة العريش، لـ"العربي الجديد"، إن "تبعات الأزمة الإنسانية الناتجة عن العمليات العسكرية للقوات المسلحة تشغل أروقة المؤسسات الحكومية كافة في سيناء، وخصوصاً لناحية الاهتمام بملفات التعليم وسفر المرضى، وعودة العالقين، وإدخال المواد الغذائية، ومتابعة حركة الأسواق، والذي جاء وسط خشية من تنامي حالة الضغط الشعبي التي بدأت تتصاعد خلال الأسابيع القليلة الماضية".

وأضاف المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، أنه "بناءً على ما سبق، لم تعد هناك أفضلية للاحتفال بعيد التحرير في ظلّ هذه الظروف الصعبة والانشغال الحكومي بمتابعة شكاوى المواطنين وطلباتهم، وسدّ العجز الحاصل في الأسواق، عدا عن حلّ أزمة توقف التعليم في المدارس والمعاهد والجامعات"، مشيراً إلى أنّ المحافظة "ستشهد بعض الفعاليات الرمزية والتي ستقتصر على بعض الجهات الحكومية والشخصيات في المحافظة، فيما ستختفي مظاهر الاحتفال لدى المواطنين المنشغلين بأزماتهم المتعددة".

يشار إلى أن سيناء شهدت خلال الأسابيع الماضية حملات شعبية عدة لمجابهة السوق السوداء التي نتجت عن العملية العسكرية، بالإضافة إلى تقاعس دوائر التموين في متابعة الأسواق، ما أدى لتحركات جادة في هذا المضمار، نتج عنه تخفيف الأزمة الإنسانية خلال الأيام القليلة الماضية في مدينة العريش، فيما ما زالت تتواصل الأزمة بصعوبتها منذ بدء العملية العسكرية في مدينتي رفح والشيخ زويد، ومناطق متفرقة من وسط سيناء. وهو الأمر الذي أكده الحاج أبو ياسر، من قبيلة الفواخرية التي تقطن مدينة العريش منذ عقود، إذ قال إن "المواطنين كافة في سيناء ليست لديهم أي رغبة للاحتفال بعيد تحرير سيناء، في ظلّ الإهمال المتعمد من قبل الدولة المصرية لهمومهم المتراكمة منذ انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من أراضي سيناء. ومما زاد الطين بلة ما يرتكبه الأمن المصري من انتهاكات بحق المواطنين، والتضييق على حياتهم منذ الانقلاب العسكري عام 2013، وهذا ما لا يختلف عليه أي شخص في سيناء حتى الشخصيات الحكومية ونواب مجلس الشعب عن محافظة شمال سيناء".

وأضاف أبو ياسر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "محافظات مصر كلها ستحتفل بعيد تحرير سيناء الذي سيكون إجازة للقطاعات الحكومية والخاصة كافة، بينما سيكون أهالي سيناء منشغلين في طوابير انتظار المواد الغذائية والأدوية، أو بالوقوف على أبواب الحافلات التي ستنقلهم إلى خارج المحافظة لقضاء مصالحهم في القاهرة وغيرها، في حال حصولهم على تنسيق من خلال المحافظة. المعاناة باتت في جميع تفاصيل حياة المواطنين في سيناء، لكن السؤال إلى متى سنبقى على هذا الحال؟".

وكان من المتوقّع أن تعلن الدولة المصرية عن انتهاء الإرهاب في سيناء تزامناً مع عيد تحريرها، إلا أنّ ذلك أصبح توقعاً بعيد المنال في ظلّ استمرار هجمات تنظيم "ولاية سيناء". ووفقا لمصادر قبلية، فإن الأيام القليلة الماضية "شهدت ازدياداً في عمليات التنظيم ضد قوات الجيش في مناطق متفرقة من وسط وشمال سيناء، ما أدى لوقوع خسائر بشرية ومادية".

وعلى أثر ذلك، يتساءل بعض المتابعين للشأن في سيناء عن التناقض الظاهر لدى النظام المصري الذي يحتفل بعيد تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي، بينما يتواصل الفشل في القضاء على التنظيم الإرهابي قليل العدة والعتاد، منذ خمس سنوات على التوالي.