انتخابات فرنسا... نهايات ولا بدايات

25 ابريل 2017
ماكرون هو الذي سيصل إلى الإليزيه (Getty)
+ الخط -

لا يحتاج المراقب للوضع في فرنسا حتى 7 مايو/أيار المقبل، موعد الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، حتى يسجل الخلاصات التي تمخّض عنها هذا الحدث الكبير، لأن الخاتمة باتت معروفة، ولن تحدث أي مفاجأة تغير النتيجة المحسومة سلفا، للمواجهة المرتقبة بين المتأهل الأول إيمانويل ماكرون والمتأهلة الثانية مارين لوبان.

صار واضحا أن ماكرون هو الذي سيصل إلى الإليزيه، ويحكم فرنسا لمدة خمس سنوات، وعلى عكس الدعاية التي روّجتها بعض وسائل الإعلام أنه سيقطع الطريق على زعيمة اليمين المتطرف، فهو لا فضل له في ذلك، ومن سيتولى هذه المهمة هم الفرنسيون الذين يقفون في غالبيتهم العظمى ضد حزب "الجبهة الوطنية" العنصري، وهذا موقف مدني عام ولا يحصل بتوجيه من حزب سياسي.

ورغم ذلك، تقول تقديرات أولية إن نتيجة يوم 7 مايو المقبل لن تكون شبيهة بما جاءت عليه عام 2002، حين حصلت المواجهة بين جاك شيراك وجان ماري لوبان الأب، فيومها كانت 80 إلى 20، وفي هذه المرة قد تتخطى مارين لوبان 30 في المائة، وربما أكثر.

أولى الخلاصات من الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية وأهمها، هي نهاية النظام الفرنسي القديم الذي قام على الثنائية الحزبية منذ حوالي نصف قرن، والتي قسّمت فرنسا إلى يمين تقليدي ويسار اشتراكي.

 ومهما يكن من أمر، فقد بات واضحا أن هذه الانتخابات دفنت الحزب الاشتراكي الذي حصل مرشحه بونوا هامون على 6.5 في المائة، وهي نسبة متدنية، ولم يسبق للحزب أن تراجع إلى هذه الدرجة. وكان لافتا عشية إعلان النتائج أن الاشتراكي الفرنسي في لحظة هزيمة، وانفضّت عنه القيادات قبل القواعد، وهذا يعني أنه انتهى في صيغته القديمة.

المصير ذاته ينتظر حزب "الجمهوريون" الذي يمثل اليمين التقليدي، وهناك إجماع على أنه سوف يتشظّى قريبا ويتوزع بين الأحزاب الأخرى، وقد عاش الحزب لحظة مرارة لم يذقها في تاريخه. والمفارقة أن من سقاه هذه الكأس هو مرشحه فرانسوا فيون، الذي سببت فضائح فساده في تراجع رصيد الحزب، وعدم تأهله للدورة الثانية.

وكان واضحا بعد إعلان النتائج حجم الغضب بين كوادر الحزب وقياداته ضد فيون، الذي لم يتأخر في إعلان تحمله مسؤولية هزيمة الحزب، بعد أن كانت كافة الحسابات تعطيه أفضلية في الرئاسة بسبب ضعف شعبية منافسه التقليدي الاشتراكي، وحصيلة سنوات رئاسة فرانسوا هولاند العجاف.

مقابل هذه النهايات، تمخضت عن هذه الجولة حركة سياسية جديدة في الحياة السياسية الفرنسية (إلى الأمام)، تمثلها ظاهرة ماكرون الذي سيبقى حتى فترة من الزمن شخصية قادمة من العالم الافتراضي إلى أن يبدأ ترجمة حضوره في الميدان، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يكون سهلا، لأن بانتظاره ملفات على درجة كبيرة من الصعوبة، مثل البطالة التي تتجاوز حدود 10 في المائة، وتأمين فرص عمل للشباب، ومواجهة العنصرية، والحرب ضد الإرهاب وغيرها.

بعد إعلان النتائج ذهب ماكرون مع زوجته وأصدقائها لعشاء احتفالي في مقهى "روتوند" في حي مونبرناس، وهناك ألقى كلمة في الحاضرين، كما لو أنه أصبح رئيسا للدولة.


وبالطبع لكل من يعرف فرنسا فإن اختيار مقهى "روتوند" الذي يرتاده الفنانون هو رد رمزي على احتفال الرئيس السابق نيكولا ساكوزي في مقهى "فوكيتس" في جادة الشانزليزيه، وفي حين تعشّى ساركوزي في ذلك الوقت مع أصحابه من الأثرياء الجدد، فإن ماكرون تعشّى مع فنانين وشخصيات محسوبة على الموضة، الأمر الذي أثار سخرية من جمهور كان ينتظره أن يرتاد الأماكن التي يرتادها الشعب عادة.

الثابت، حتى الآن، هو أن أسواق المال حققت هدفها، وإن كان رد الفعل على صعوده إيجابيا، فليس سرا أن هذا الرجل هو مرشح أوساط المال، حيث بدأ حياته المهنية مصرفيا لدى بنك روتشيلد، وهذا يشكل عامل نفور منه وسط عالم النقابات واليسار، ولا تبدو الأوساط النقابية في وارد انتظار معجزة من ماكرون، ولهذا هناك نقمة كبيرة في هذه الأوساط ضد الرئيس هولاند الذي يعتبرونه هو الصانع الفعلي لماكرون على حساب مرشح الاشتراكي، بالإضافة إلى "الخونة" الذين تخلوا عن الحزب، وعلى رأسهم رئيس الوزراء السابق امانويل فالس، الذي يستعد للعودة ضمن فريق ماكرون.

حين صعد الحزب الاشتراكي للحكم عام 1981 بزعامة فرانسوا ميتيران كان الشعار هو "التغيير". أما اليوم فالكل يبحث عن التجديد أو البديل، ومشكلة فرنسا تتلخص في أن هناك أحزابا كبيرة تموت، ولكن البديل لم يولد بعد، حيث يبدو من السطحي جدا التعويل على ماكرون الذي لا يمتلك أي خبرة سياسية، ورصيده الوحيد هو العمل في مصرف روتشيلد، ولو أنه ترشح في دورة أخرى لما وصل للدورة الثانية.