يجد الأردن نفسه في موقف حرج إزاء خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن"، في ظلّ ما تفرضه أوضاعه الاقتصادية الصعبة على مواقفه السياسية.
ففي الوقت الذي لا تستطيع فيه عمان الاستغناء عن المساعدات الأميركية التي تصل إلى ما يزيد عن مليار ونصف المليار دولار سنوياً، تهدّد التسريبات الصادرة عن مصادر أميركية بشأن "صفقة القرن" الهوية السياسية للأردن، أو ما يطلق عليها "الثوابت الوطنية".
ففي الوقت الذي لا تستطيع فيه عمان الاستغناء عن المساعدات الأميركية التي تصل إلى ما يزيد عن مليار ونصف المليار دولار سنوياً، تهدّد التسريبات الصادرة عن مصادر أميركية بشأن "صفقة القرن" الهوية السياسية للأردن، أو ما يطلق عليها "الثوابت الوطنية".
وكشف موقع "أكسيوس" الأميركي أخيراً، معلومات من داخل الغرف المغلقة لاجتماعات العاهل الأردني عبد الله الثاني، وأعضاء من اللجنة الخارجية للكونغرس الأميركي، تفيد بغضب الملك بسبب عدم إفصاح إدارة دونالد ترامب له عن تفاصيل الصفقة، وعدم مكاشفته بالجزء الأهم منها، وهو الجانب السياسي.
وفي هذا الإطار، قالت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام، المتحدثة الرسمية باسم الحكومة، جمانة غنيمات، في تصريحات خلال لقاء أول من أمس الثلاثاء مع إعلامين أردنيين، إنّ "المعلومات حول صفقة القرن حتى الآن هي مجرد تسريبات غير مؤكدة، لكن الأردن لن يتراجع عن موقفه تجاه القضية الفلسطينية، وسيبقى صامداً لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية".
وفي ردّ غير مباشر على ما تسرّبه مصادر أميركية من معلومات بشأن الصفقة المنتظرة، أوضحت غنيمات أنّ أهم شروط الأردن للموافقة على "صفقة القرن" تتمثّل في قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967، والاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين والابتعاد عن فكرة التوطين، وعدم التنازل عن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس أو الوطن البديل.
من جهته، قال وزير الإعلام الأسبق، سميح المعايطة، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّه لم يصدر أي تصريح رسمي أردني عن وجود استياء تجاه الإدارة الأميركية، وأشار إلى أنه "من دون وجود مشروع رسمي واضح المعالم، لا يمكن الحديث عن غضب عمان، خصوصاً أنّ صفقة القرن لم تتبلور بعد، ولم يطلع على تفاصيلها أي طرف". وأكّد "لكن الأردن يريد أن يكون على اطلاع دائم بشأن أي خطة مستقبلية للسلام، وأن يستشار فيها، بحكم علاقته الجيدة مع الولايات المتحدة ودوره في قضايا المنطقة، كما يريد خطة تُبنى على المبادرة العربية، وقرارات الشرعية الدولية، أي مبادرة قابلة للحياة، فالأردن لم يخرج عن معادلة السلام والحل السياسي".
وأوضح المعايطة أنّ أي خطة أو حلول للقضية الفلسطينية "ليست ملزمة"، مستذكراً قمة كامب ديفيد عام 2000، والتي حاول خلالها الرئيس الأميركي حينذاك، بيل كلينتون، الوصول إلى حلّ نهائي للصراع، لكن المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين فشلت بسبب الاختلافات العميقة بين الطرفين، خصوصاً بشأن مدينة القدس المحتلة وعودة اللاجئين وسواها من المسائل العالقة. كما أشار إلى فشل جهود وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جون كيري، في تحقيق الأمر نفسه، على الرغم من جولاته المكوكية في المنطقة، وهو الأمر الذي يعني أن أي حلول ظالمة لن ترضى بها الأطراف العربية.
اقــرأ أيضاً
وقال المعايطة، في حديثه مع "العربي الجديد"، إنّ الأردن عمل بشكل استباقي لمواجهة "صفقة القرن"، داخلياً وخارجياً، وذلك من خلال التأكيد على إيجاد حلول لقضايا اللاجئين والقدس والتوطين. ورأى أنّ الموقف الأقوى عربياً مشفوعاً بتحرك سياسي في العالم، هو الموقف الأردني، الذي قاده الملك عبد الله الثاني ضدّ قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس.
واعتبر المعايطة أنّ الحديث عن "صفقة القرن" لا يعني أنّ الأميركيين مضطرون للمفاضلة بين العلاقة مع الأردن أو مع إسرائيل. وأعرب عن اعتقاده بأنّ طريقة عقد ورسم ملامح هذه الخطة، لن يكون لها تأثير عميق على العلاقات الأردنية الأميركية.
وأكّد المعايطة أنّ "الرهان الأول هو على الأردنيين، الذين تحدّث إليهم الملك بصراحة عن موقف عمان، لكي يكونوا مدركين لما يحدث ولما هو مطلوب من كل واحد منهم تجاه الوطن وأمام التحديات المقبلة".
من جهته، قال الرئيس السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية، خالد شنيكات، إنّ "الأردن ليس في موقع يمكّنه من تحدي الموقف الأميركي، ولكنه يعمل من خلال الإطار الدبلوماسي لتحقيق الأفضل، خصوصاً أنّ أي حلّ لا يوافق عليه الطرف الفلسطيني سيكون مصيره الفشل". ولفت في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "توجد عوامل عدة أساسية لا يمكن تجاهلها في العلاقة بين واشنطن وعمّان، أوّلها أنّ الأردن يرتبط بعلاقات اقتصادية مع الولايات المتحدة، وهي مهمة، خصوصاً إذا ما تمّ النظر لحجمها المالي". وذكّر بأنّ "برنامج المساعدات الأميركية هو الأكبر الذي يصل للأردن، إضافة إلى برنامج المساعدات العسكرية. وبالتالي، فإنّ العلاقة الاقتصادية والعسكرية عميقة جداً".
أمّا بالنسبة للعلاقات السياسية، فأشار شنيكات إلى أنّ "الأردن منخرط في البرنامج الأميركي للحرب على الإرهاب. وقبل مجيء إدارة دونالد ترامب، كانت عمان داعمة بقوة للجهود الأميركية للسلام، خصوصاً مبدأ حلّ الدولتين"، معتبراً أنّ "الدعم الأميركي والمساعدات المستمرة للأردن، هي بسبب دوره المتقدّم في الانخراط بالجهود السلمية في المنطقة".
ورأى شنيكات أنّ بعض الخلافات التي ظهرت بين الموقف الأميركي والموقف الأردني، مرتبطة بالتغيّر الذي أصاب نظرة واشنطن تجاه القضية الفلسطينية في الفترة القريبة الماضية، "فالأردن موقفه واضح حول قيام دولتين، على أن تكون الدولة الفلسطينية على أساس حدود 1967، مع احترام الرعاية الهاشمية للمواقع المقدسة".
وقال شنيكات إنّ الخلاف تجاه صفقة القرن "لن يكون له أثر كبير على العلاقات الأردنية الأميركية والتي يؤدي فيها العامل الاقتصادي دوراً أساسياً. وحتى أن الدعم السياسي الذي تقدمه الولايات المتحدة للأردن في المنطقة كبير وغير محدود، وهو ما منح عمّان دوراً واضحاً في الإقليم". وبالنسبة إليه، فإنّه "لا توجد بدائل، فالموقف الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية إما ضعيف أو تابع للموقف الأميركي، والأردن يحاول البحث عن بدائل دبلوماسية، لكن في النهاية أي قطع أو تغيّر في العلاقة سيكون أكثر ضرراً على الأردن".
يشار إلى أنّ الأردن مقيّد بالمساعدات الاقتصادية الأميركية، فقد كان وقّع مع الولايات المتحدة مذكرة تفاهم مدتها خمس سنوات، تعهدت بموجبها واشنطن بتقديم 1.275 مليار دولار سنوياً من المساعدات الخارجية لعمان وذلك من عام 2018 إلى عام 2022 – أي ما مجموعه 6.375 مليارات دولار.
وزاد الكونغرس الأميركي العام الماضي من المساعدات المتعهّد بها إلى 1.525 مليار دولار. ويشمل هذا التمويل 1.08 مليار دولار كمساعدات اقتصادية، إضافة إلى دعم بقيمة 425 مليون دولار للجيش الأردني.