غليان الجنوب واعتداءات داعش يضعفان حظوظ العبادي بولاية ثانية

24 يوليو 2018
تعتمد استراتيجية العبادي الحالية على تفريق مطالب المتظاهرين (Getty)
+ الخط -
تأتي اعتداءات تنظيم "داعش" في مناطق شمال العراق وغربه، خلال الأيام الماضية، كعامل الضغط الثالث على رئيس الوزراء حيدر العبادي، لتضعف حظوظه في الحصول على ولاية ثانية كما يخطط. فاحتجاجات الجنوب المتصاعدة منذ نحو ثلاثة أسابيع، والتي فاقمها سقوط قتلى وجرحى بنيران قوات الأمن العراقية وفصائل مسلحة ضمن حرّاس حماية مقرات الأحزاب، إضافة إلى الإجراءات التي اتخذها العبادي إزاء الاحتجاجات وضغط خصومه السياسيين من داخل البيت الشيعي، كلها تحالفت ضد مساعي الأخير في نيل ولاية ثانية.

ولا يتسلّح رئيس الوزراء الحالي سوى برغبة أميركية في إعادة انتخابه، باعتباره شخصية أثبتت وسطيتها حتى الآن في إدارة الملف العراقي، وتجيد التحرّك داخل المنطقة الرمادية بين الأجندتين الإيرانية والأميركية، إضافة إلى دعم بعض القوائم العربية السنية له، مع موقف متذبذب من التيار الصدري الذي يضع شروطاً يبدو بعضها غير سهل على رئيس الوزراء في الوقت الحالي. وحتى الإنجاز الوحيد للعبادي خلال ولايته المتمثّل في هزيمة تنظيم "داعش" وإنهاء احتلاله لمدن عراقية شمال وغرب البلاد، يتعرّض للتآكل بسبب نشاط التنظيم والاعتداءات الإرهابية الأخيرة له، خصوصاً شمال العراق.


نتائج العد والفرز اليدوي

ومع نهاية وشيكة لعملية العدّ والفرز اليدوي لنحو ألفي صندوق انتخابي جرى الطعن فيها خلال الانتخابات، التي يذهب مراقبون وسياسيون لوصفها بأنها الأسوأ من حيث شفافيتها ونزاهتها منذ الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003 وبدء العملية السياسية الجديدة، أكّد مسؤولون عراقيون وقضاة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن النتائج لن تكون مختلفة عن الصورة النهائية لنتائج 16 مايو/أيار الماضي، والتي أظهرت فوز تحالف "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر أولاً ثمّ تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لمليشيا "الحشد الشعبي" بزعامة قائد مليشيا "بدر" هادي العامري، الذي حلّ ثانياًـ وتحالف "النصر" بزعامة العبادي الذي حصد المرتبة الثالثة.

ووفقاً لقاضٍ منتدب في مفوضية الانتخابات ببغداد، تحدّث مع "العربي الجديد" عبر الهاتف، فإنّ النتائج "لن تكون مختلفة، والتغيير طفيف على صورة الكتل"، لافتاً إلى أنّ "كركوك أعلى محافظات العراق في كونها تحمل تغييراً في ترتيب الكتل الفائزة، بواقع مقعدين فقط، تليها الأنبار". وأضاف القاضي أنّه "مع ذلك، ستحافظ الكتل على صورتها السابقة من حيث التسلسل"، مؤكداً أنّ "الحديث عن أنّ الفتح مثلاً سيكون في المرتبة الأولى وسائرون سيتراجع إلى المرتبة الثانية، غير صحيح إطلاقاً".

ورأى القاضي أنّ "إنجاز العدّ والفرز اليدوي للصناديق المشكوك فيها، لا يعني أنه باتت لدينا انتخابات نزيهة على الإطلاق. فالتزوير طاول كل مفاصل العملية الانتخابية، بدءاً من ترهيب الناس أو إغرائهم بالمال من قبل الكتل، مروراً بإعاقة وصول صناديق الاقتراع لمناطق وتسهيل وصولها لأخرى، وشراء ذمم موظفين داخل مفوضية الانتخابات بمبالغ كبيرة، وحشر أصوات ناخبين مزيفة وتلاعب بأجهزة التحقق التي أُحرقت وأتلفت أغلبها في حوادث مفتعلة ببغداد، انتهاءً بالتلاعب بأصوات النازحين في المخيمات وأصوات نزلاء السجون والمستشفيات ومنتسبي قوات الأمن الذين ثبتت ممارسة ضباطهم وآمري وحداتهم ضغوطاً عليهم"، وفقاً لقوله.

وختم القاضي بالقول إنّ "النتائج ستظهر قريباً، وترسل إلى القضاء، وهو من سيتولّى تصديقها ثمّ الدعوة لعقد أوّل جلسة للبرلمان الجديد برئاسة الأكبر سناً، وفيها يجب أن يتم انتخاب رئيس للبرلمان بحسب الدستور العراقي".

 


هجمات "داعش" وتظاهرات الجنوب

في أربيل ونينوى والأنبار وصلاح الدين وكركوك، نفّذ تنظيم "داعش" أخيراً اعتداءات إرهابية طاولت في الغالب قوات الأمن وأبناء العشائر ومبنى محافظة أربيل، واتخذ بعضها شكل أعمال عصابات قطاع الطرق. فالتنظيم الذي يهاجم الطرق الخارجية من خلال كمائن ينصبها عليها، ويستهدف فيها قوافل عسكرية أو منتسبين لقوات الأمن من المجازين العائدين لمنازلهم أو مواطنين عاديين أو أبناء قبائل ممن كان لهم دور في هزيمته، لم يعد يقتل فقط بدافع الانتقام، بل تحوّل إلى السرقة والسطو على ممتلكات المواطنين في تلك المناطق، وكلّه ضمن ما يطلق عليه "غنائم المرتدين"، والتي تشمل سياراتٍ وأموالاً وغيرها.

ووفقاً لمصادر أمنية عراقية في قيادة العمليات المشتركة، فإنّ "القوات العراقية خاضت أخيراً معارك حقيقية ناجحة ضدّ جيوب إرهابية لتنظيم داعش، وتمكّنت من القضاء عليها، لكن ما زالت هناك مناطق في صحراء العظيم وجنوب غرب كركوك وجنوب الموصل وغربها، إضافة إلى الصحراء العراقية الغربية (الأنبار) تعجّ بالمسلحين من عناصر التنظيم".

وفي هذا الإطار، قال العقيد محمد جاسم الفريجي، أحد ضباط الجيش العراقي في الموصل، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "خلايا وجيوب مسلحة لتنظيم داعش تتواجد في مناطق بمحافظة نينوى، وعناصرها في العادة بلا أهل. فبعد خسارتهم المدن تفرقوا ويقاتلون اليوم فقط من أجل الانتقام. لذا تجد عملياتهم الإرهابية ذات طابع تنكيلي وهستيري"، مضيفاً "أعتقد أنهم تحوّلوا إلى مقاتلين انتحاريين ويتواجدون في مخابئ وأنفاق تحت الأرض، ومهمّة العثور عليهم ليست سهلة".

إلى ذلك، قال "مركز الإعلام الأمني العراقي" في بيان له أمس الاثنين، إنّ "عملية تطهير واسعة باشرت بها قوات عراقية من ثلاثة محاور في صحراء الأنبار، بحثاً عن خلايا وجيوب داعش. في المقابل، نفّذت قيادة عمليات كركوك وصلاح الدين ونينوى 9 عمليات عسكرية خلال أقلّ من أسبوع في مناطق تواجدها، استهدفت أنشطة مسلحة لداعش".

وفي السياق ذاته، قال الخبير في الشأن الأمني العراقي، سلام الحسيني، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "هجمات داعش المتكرّرة ترهق الإنجاز الأبرز لرئيس الوزراء حيدر العبادي خلال سنوات حكومته الأربع، وهو النصر على التنظيم"، موضحاً "دأب العبادي التأكيد على أنه تمّ القضاء على داعش بشكل كامل، لكننا نرى اليوم نسخة جديدة من التنظيم عبارة عن هجمات مستمرة تستهدف أرواح العراقيين، مدنيين وعسكريين، وهو ما يعتبر ضرباً لأحد إنجازات العبادي التي يحرص على تكرارها بين الحين والآخر".

في المقابل، تأتي التظاهرات المستمرة في الجنوب العراقي والتي امتدت إلى العاصمة بغداد في الضدّ أيضاً من مساعي العبادي للحصول على ولاية ثانية. وفي هذا الإطار، قال قيادي بارز في تحالف الفتح لـ"العربي الجديد"، إن "حظوظ العبادي تراجعت جداً بسبب التظاهرات، لكن هذا لا يعني أنّ فرص (رئيس ائتلاف دولة القانون) نوري المالكي أو هادي العامري، ستكون أفضل بالتأكيد"، مضيفاً أنه "من المرجّح أن لا يحصل أي من الثلاثة على منصب رئاسة الحكومة، في حين أنّ المفاوضات بين الكتل عادت إلى مربعها الأول، وهناك خلافات بين الفتح وسائرون وبين الفتح ودولة القانون وبين النصر وسائرون، فالكتل الشيعية تختلف على تفاصيل كثيرة".

وأكّد القيادي أنّ زعيم "فيلق القدس"، الجنرال الإيراني قاسم سليماني، عاد إلى بغداد مرة أخرى منذ يومين، ويجري لقاءات جديدة مع زعامات شيعية مختلفة"، ووصف الكتل السنية بأنها "ليست أفضل حالاً"، موضحاً أنّ "هناك خلافات حادة على منصب رئيس البرلمان، وأكثر من خمسة أسماء مطروحة ولا توافقَ بين الكتل السنية حولها".

 

القمع ينجح في إضعاف زخم التظاهرات

وأمس الاثنين، شهدت الاحتجاجات في مدن وسط العراق وجنوبه فتوراً واضحاً، أرجعه مراقبون إلى العنف المفرط من قبل قوات الأمن، إلا أنّ هذه الاحتجاجات لم تنقطع بصورة كاملة. وشهدت مدن السماوة والبصرة والناصرية، أعلى نسبة مشاركة، في حين سجّلت اعتقالات بين صفوف الناشطين من قبل الأمن العراقي، بالاشتراك مع مسلحين مدنيين يعتقد أنهم يتبعون لفصائل في "الحشد الشعبي".

وأكد ناشطون تعرّض قسم من رفاقهم للتعذيب، من خلال الضرب المبرح، قبل الإفراج عنهم. وهو ما أكّده المحامي فلاح الساعدي من النجف لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أنّ "التعذيب يتورّط به ضباط كبار في الشرطة والجيش، وهناك كسور في أطراف بعض الناشطين".

في غضون ذلك، يستمرّ العبادي بالعمل على لملمة الاحتجاجات التي أضعفته كثيراً، لا سيما في ما يتعلّق بإمكانية تصديه لمنافسيه على رئاسة الحكومة المقبلة، ونيل المنصب لولاية ثانية. وقد التقى خلال اليومين الماضيين بوفود من ميسان والمثنى، ويستعد اليوم الثلاثاء، وفقاً لمصادر حكومية مقربة منه، إلى لقاء وفد آخر من جنوب العراق لبحث طلبات المحتجين هناك.

وتعتمد استراتيجية العبادي الحالية على تفريق المطالب، وعزل كل محافظة عن الأخرى، والتعامل معها وفقاً لذلك. ففي حين ترى البصرة الماء والكهرباء أولوية لها، تعتبر المثنى أنّ ارتفاع معدّل الفقر والبطالة خطر أكبر، بينما تجد النجف في أزمة السكن مطلباً بالغ الضرورة.

وفي السياق ذاته، قال عضو مجلس محافظة ذي قار، شهيد الغالبي، إنّ "التظاهرات ما تزال مستمرة، ومطالب المحتجين ليست مستحيلة، ولم يجلبوها من كوكب المريخ، إنّما هي مشروعة وحقيقية وتمسّ حياتهم البسيطة، ويضمنها القانون والنظام، ونحن كحكومة محلية نتفق معها"، مبيناً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنّ "الشرط في التظاهرات أن تكون سلمية، ولا تضرّ بالبنى التحتية ومؤسسات الدولة، ولا تؤدي إلى السلب والنهب والحرق، والدخول بأعمال شغب، تحرف التظاهرة عن هدفها وبالتالي تُفقد المحتجين قانونية أفعالهم وتقمعهم الحكومة".