معارك كر وفرّ في حلب: منع الحصار أولوية الفصائل

11 يوليو 2016
تتقدم فصائل المعارضة جنوب حلب (محمد كركاس/الأناضول)
+ الخط -
تبادلت فصائل المعارضة السورية السيطرة على نقاط حيوية مع قوات النظام على طريق الكاستيلو، الشريان الوحيد الذي يصل بين مناطق سيطرة المعارضة في حلب وريفها الشمالي، وسط عمليات كر وفرّ بين الجانبين. ويأتي ذلك، مع إعلان النظام السوري تمديد الهدنة المزعومة لمدة 72 ساعة أخرى، في محاولة منه، كما يبدو، لتهدئة الجبهات الأخرى والتفرغ لمعركة حلب. لكن هذه الهدنة لم تمنع طيران النظام والطيران الروسي من مواصلة استهداف مدينة حلب وريفها، ومناطق أخرى في سورية.

وقالت مصادر للمعارضة السورية على مواقع التواصل الاجتماعي إن الطيران الحربي شنّ غارات عدة، ليل السبت ـ الأحد، على مخيم حندرات، والملاح، وطريق الكاستيلو شمال مدينة حلب. كما طاول القصف حي بني زيد في مدينة حلب، فيما ألقي برميل متفجر على حي باب الحديد، إضافة إلى استهدافه بصاروخ "أرض ـ أرض" من طراز فيل، بالتزامن مع عشرات قذائف الهاون التي استهدفت هذا الحي.

وذكر مركز ‫‏حلب الإعلامي أن أربعة أشخاص قتلوا وأصيب العشرات جراء غارات عدة بالصواريخ والقنابل العنقودية استهدفت قرية بشنطرة بريف حلب الغربي، أمس الأحد. واستهدف القصف الجوي بالقنابل العنقودية قرى بابيص، وحوّر، وكفرداعل في ريف حلب الغربي. فيما تشير معطيات المعارضة إلى أن طائرات النظام والطائرات الروسية شنّت نحو 85 غارة جوية على مدينة حلب أول من أمس السبت.

وشملت تلك الغارات أحياء الهلك، والحيدرية، وبعيدين، والجندول، ومساكن هنانو، والإنذارات، وطريق الباب، والسكري، والعامرية، والمشهد، وسيف الدولة، والأنصاري، وجسر الحج، والفردوس، والمعادي، والصالحين، وباب النيرب، والشعار، والقاطرجي، وكرم البيك، والميسر، والجزماتي، وجب القبة. ويضاف إلى ذلك، غارات على ريف حلب استهدفت الملاح، والكاستلو، وبعيدين، والجندول، وكفرحمرة، وحندرات، وحريتان، وقبر الإنكليز، وتل مصيبين ومحيطها، وأسفرت تلك الغارات عن مقتل 29 شخصاً.

كما نعى "فيلق الشام" قائده العسكري لقطاع شمال حلب، العقيد محمد بكار الملقّب بـ"أبو محمود"، أثناء اشتباكات مع المليشيات الموالية للنظام على جبهة الملاح. على الجانب الآخر، أعلن ‫حزب الله اللبناني مقتل أحد قادته سمير عواضة في معارك ‫‏الملاح، أول من أمس السبت.

من جهتها، قالت وكالة "سانا" السورية الرسمية، إن 45 شخصاً قتلوا في حلب الغربية التي تسيطر عليها قوات النظام جراء قصف المعارضة للمدينة، طوال يوم السبت وظهر أمس الأحد. وفيما نفت الفصائل استهدافها للمدنيين في المدينة، شككت صفحات موالية للنظام برواية السلطات حول مصدر القذائف والصواريخ التي أطلقت على غربي المدينة مشيرة إلى أن بعض الصواريخ التي سقطت في المدينة لا تملكها المعارضة، وتطلق من راجمات صواريخ موجودة لدى قوات النظام فقط.

وعلى صعيد العمليات العسكرية عند طريق الكاستيلو، تواصلت معارك الكرّ والفرّ بين الجانبين، وسط معلومات عن قرار فصائل المعارضة وقف العمليات هناك بغية "إعادة توزيع القوات، وتوحيد الجهود العسكرية في المنطقة"، وفق ما يوضح مصدر من المعارضة لـ"العربي الجديد". ويضيف المصدر أن "دخول جبهة النصرة المعركة إلى جانب المعارضة في الملاح، عبر تفجيرها عربتَين مفخّختَين في مواقع قوات النظام بمنطقة الملاح، إضافة إلى القصف الجوي الكثيف للمنطقة، استوجب إعادة تقييم الوضع ميدانياً، بغية تحقيق أهداف المعركة التي تكمن في إبعاد قوات النظام عن طريق الكاستيلو بأقل الخسائر في صفوف مقاتلي المعارضة، وبأفضل تنسيق بين الفصائل"، على حدّ تعبيره.






غير أن غرفة عمليات "فتح حلب" نفت انسحاب المعارضة من المعارك على جبهة الملاّح. وأكد تجمع "فاستقم كما أمرت" تمكُّن مقاتلي المعارضة من استعادة خط الجبهة الأول الذي تقدمت إليه قوات النظام على جبهة الملاّح، فيما تشهد المنطقة معارك ضارية بين الطرفين.

ومع الأنباء التي تحدثت، أول من أمس السبت، عن فتح طريق الكاستيلو وإبعاد قوات النظام عن التلال القريبة منه، والتي تقطعه نارياً، حاول بعض المدنيين استخدام هذا الطريق، غير أن قوات النظام استهدفت عرباتهم بالرشاشات الثقيلة، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد منهم. وحذر مركز حلب الإعلامي المدنيين من خطورة العبور عبر طريق الكاستيلو بسبب ضراوة المعارك هناك واستهداف الطريق من جانب قوات النظام.

وأعلنت فصائل المعارضة، يوم السبت، بدء عملية كبيرة لاستعادة طريق الكاستيلو، والذي كانت قوات النظام سيطرت على تلال استراتيجية فيه، قبل ثلاثة أيام. وبدأت العملية بتفجير "جبهة النصرة" عربتَين مفخخّتَين على الخطوط الأولى للنظام في الملاح، ما مكّن المعارضة من السيطرة على بعض النقاط في المنطقة، ومنها التلة الجنوبية عند حاجز السرو القريبة من تجمع جامع الملاح الذي سيطرت عليه قوات النظام في عملياتها الأخيرة، واستطاعت من خلاله قطع طريق الكاستيلو نارياً.

وبعد ذلك، تطورت الأحداث بفتح الطريق لساعات من قبل المعارضة، قبل إعلان مواقع موالية للنظام وتأكيد مصادر المعارضة استعادة النظام السوري وحلفائه لمواقعهم في محيط طريق الكاستيلو، بعد انسحاب المعارضة بسبب كثافة القصف الجوي للمنطقة.

وفيما يحذر بعض المراقبين من أن معركة الكاستيلو قد تكون استدراج النظام لفصائل المعارضة في حلب من أجل سحب مقاتليها إلى "محرقة الطيران" على هذه الجبهة، مقابل توقف الجبهات الأخرى في المحافظة والتي كانت تحرز تقدماً ضد قوات النظام، خصوصاً في ريف حلب الجنوبي، يرى اللواء المنشق، محمد الحاج علي، أن النظام يحاول منذ فترة طويلة محاصرة مدينة حلب، ويقوم اليوم بمحاولة جدية في هذا الإطار، مستفيداً من الغطاء الجوي الروسي. ويضيف اللواء أنّ النظام يعمل على تهدئة الجبهات الأخرى من خلال مزاعم الهدن التي يعلن عنها ويمددها، على الرغم من أنه لا توجد هدنة عملياً في أي منطقة.

ويستبعد الحاج علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تتمكن قوات النظام من إقفال طريق الكاستيلو على الرغم من الغطاء الجوي الروسي، ذلك أن فصائل المعارضة تستبسل لمنع حصار حلب، لكنه يتوقع أن تكون معركة صعبة ينتج عنها خسائر كبيرة للطرفين. ويشير إلى أن المعارضة تحاول، في الوقت ذاته، البحث عن بدائل لإمكانية إغلاق طريق الكاستيلو، وهي تركّز على الطريق الجنوبي الذي يبدأ من إدلب باتجاه شرق حلب، وصولاً إلى الحاضر وشمال الحاضر، ومن ثم الراموسة، وشرقي حلب.

ويوضح أن المعركة في هذا المحور المذكور لم تُستكمل بعد بسبب الوجود الكثيف لقوات النظام في منطقة المطار ومنطقة السفيرة، ما يجعل المعارضة بحاجة إلى عدد ضخم من العناصر لتحقيق تقدم في هذه الجبهة. ويضيف اللواء المنشق أن العمل العسكري في حلب بات معقّداً بسبب وجود أربع قوى في المنطقة، وهي إضافة لقوات النظام والمعارضة، هناك تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، والقوات الكردية، ولكل منها مصالح متوافقة أحياناً ومتضاربة أحياناً أخرى.

وحول النداءات التي تُوجّه لفصائل المعارضة لفتح جبهات أخرى بغية تخفيف الضغط على جبهة حلب، وتشتيت الطيران الروسي، يوضح الحاج علي أن فتح الجبهات مرتبط كما هو معروف بتوفّر الدعم الخارجي، لأن فصائل المعارضة لا تملك مخازن سلاح كبيرة ولا تستطيع القتال لفترة طويلة إذا لم تؤمَّن بالسلاح والذخيرة، على الرغم من إقدام بعضها على تصنيع بعض الأسلحة البدائية. ويشير إلى أنّ لدى فصائل المعارضة أعداداً كبيرة من المقاتلين، لكن لديها دائماً مشكلة في العتاد والأسلحة النوعية المؤثرة في المعارك الكبيرة.