عاد ملف "الانتخابات النيابية المبكرة" في لبنان إلى الواجهة في الآونة الأخيرة، مع مطالبة قواعد انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول اللبنانية بذلك في التظاهرات التي تعمّ البلاد. ومع أن الطبقة السياسية، وعلى رأسها الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، رفضت إجراءها، إلا أنها قد تشكّل حلاً نموذجياً لأسباب شتّى. صحيح أنه لم يمرّ أكثر من عام ونصف العام على الانتخابات النيابية الأخيرة التي أُجرِيت في 6 مايو/ أيار 2018، إلا أنها لم تحمل تغييراً جوهرياً على صعيد التمثيل الشعبي، خصوصاً مع اعتماد نظام النسبية المتعدد الدوائر، ما سمح لأحزاب السلطة بتشكيل تحالفات أمّنت وصولها جميعها بنسبٍ متفاوتة، في مقابل عدم حدوث خرق شعبي جدّي. ومع أن الانتخابات في عام 2018، كانت الأولى من نوعها منذ عام 2009، إلا أنها شهدت اقتراع 1.861.203 من أصل 3.746.483 مدرجين في لوائح الشطب، أي ما نسبته 49.68 في المائة من الناخبين اللبنانيين. ومن بين هؤلاء من اقترع بورقة بيضاء أو لصالح منظومات رافضة لأحزاب السلطة.
إلا أنه وفي ظلّ التدهور الاقتصادي وتفشي الفساد والهدر والمحسوبيات في البنيان الدولتي، بالإضافة إلى رفض الجهات المانحة تحويل أموال مؤتمر "سيدر"، الذي عُقِد في إبريل/نيسان 2018 والمقدّرة بنحو 12 مليار دولار إلى لبنان، ما لم تُطبّق الإصلاحات المطلوبة، فإن الحاجة إلى التغيير باتت أمراً ضرورياً. وأضحى معلوماً أن الحلّ ولو كان عبر حكومة جديدة تلبّي مطالب المواطنين، إلا أن اختيار نواب جدد وفقاً لقانون انتخابي جديد وعادل، قد يسمح بتغيير موازين القوى البرلمانية. مع العلم أن معظم أحزاب السلطة متمسكة بالبرلمان الحالي بسبب خشيتها من فقدان مكاسبها من جهة، وعجزها عن مجاراة مطالب المواطنين من جهة أخرى.
مع العلم أنه لم يسبق أن أُجريت انتخابات مبكرة في تاريخ البلاد، فمع ولادة لبنان الكبير في 1 سبتمبر/أيلول 1920، حمل مجلس النواب الأول اسم "اللجنة الإدارية"، ومع تعاقب المجالس حتى مرحلة ما بعد استقلال 1943، ظلّت الوتيرة الزمنية معتمدة دون تأثر بأي تحولات، سواء ثورة 1958 أو أزمة مصرف إنترا 1966 أو غيرها. في عام 1972 انتُخب البرلمان الـ13، والذي مُدّد له مرات عدة حتى عام 1992، بفعل الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990). وبعد الحرب، تمّ تعيين نواب لفترة قصيرة قبل إجراء انتخابات 1992، ثم 1996 و2000 و2005 و2009 و2018. وفي حسابات السلطة، إذا تمّ القبول بانتخابات نيابية مبكرة، فستكون الأولى من نوعها في تاريخ البلاد، وقد تغيّر مسار انتخابات رئاسة الجمهورية المقررة عام 2022. وهو ما يضع التشابكات السياسية في أوجها بين الأطراف التي لا تملك أصلاً مرشحاً رئاسياً معيناً، وإن كانت أسماء وزير الخارجية السابق جبران باسيل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية وقائد الجيش جوزيف عون قيد التداول.