القاهرة وأنقرة تفصلان العلاقات الاقتصادية عن الأزمة السياسية بينهما

26 ديسمبر 2017
توقعات بدخول مستثمرين جدد في مجال صناعة الأثاث(ديفيد ديغنر/Getty)
+ الخط -

تلقي أجهزة النظام الحاكم في مصر بثقلها لإحياء وتطوير التعاون التجاري بين مصر وتركيا، في محاولة لتحييد الملف الاقتصادي بعيداً عن الخلافات السياسية، فيما تشهد العلاقات التركية السودانية تطوراً ملموساً يقلق القاهرة، في ظل توتر الأوضاع بينها وبين البلدين، إلى حد تلويح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإشارة "رابعة" المناهضة للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، خلال زيارته الخرطوم أول من أمس.

كذلك حال حكام تركيا، إذ يرغبون أيضاً بفصل التوتر السياسي مع مصر، منذ انقلاب السيسي على الرئيس محمد مرسي في 2013، عن العلاقات الاقتصادية، وهو ما يؤكده قيادي في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم بقوله إن موقف بلاده من النظام المصري لا يزال على حاله، وينطلق من "مبدأ رفض أية أنظمة آتية عبر انقلابات، نظراً لما عانته أنقرة جراء مثل تلك الظاهرة". واستدرك القيادي التركي قائلاً "إلا أن هذا لا يمنع إقامة علاقات مع الشعوب والمستثمرين"، مشدداً على أن المطالب التي سبق وطرحها الجانب المصري، عبر وسطاء، بغلق القنوات الفضائية التي تبث من تركيا، أو تسليم قيادات ممن ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، "تم الرد عليها وتفنيدها للوسيط الذي نقلها وقتها، وتم التأكيد على أن أي قناة ستخرج عن القانون المعمول به في تركيا، وترتكب المخالفات الواردة في القوانين التركية، سيتم غلقها بغض النظر عن انتماءات القائمين عليها".

واستضافت القاهرة والإسكندرية، خلال اليومين الماضيين، اجتماعات لجمعية رجال الأعمال الأتراك - المصريين (تومياد)، حضرها وفد تركي من شركات صناعة الأثاث والأخشاب، بحضور ممثلين عن اتحاد الصناعات المصرية الرسمي وعدد من أصحاب المصانع والتجار. وجاءت هذه الاجتماعات في إطار سلسلة من الإجراءات المتسارعة لتطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين، انطلاقاً من المؤتمر الاقتصادي التركي المصري المشترك الذي نظمته الجمعية في مدينة إسطنبول أخيراً، بعنوان "هيا نصنع معاً"، لاستعراض ومناقشة إمكانية التعاون الاقتصادي وفرصه بين الجانبين، والعمل على زيادة التبادل التجاري في مختلف مجالات التصنيع لا المصنوعات الخشبية فقط. وقال مصدران تركيان متداخلان في هذه التحركات إن "الإجراءات التي اتخذتها جمعيات رجال الأعمال في مصر وتركيا أخيراً ليست منفصلة عن الواقع السياسي بين البلدين، فهناك موافقة ودعم صريح من الاستخبارات المصرية وكذلك الأجهزة الأمنية التركية لهذا التقارب الاقتصادي، رغم التوتر الذي يسود الملفات السياسية الأخرى". وأوضح المصدران أن بعض المستثمرين المصريين أبلغوا نظراءهم الأتراك أن عرقلة تطوير المشروعات المشتركة وتدفق الاستثمار التركي لمصر خلال السنوات الثلاث الماضية "كانت بسبب تعنت الأجهزة الاستخباراتية وتحفظها على تطوير قنوات التعاون بين المستثمرين في البلدين"، إلا أن الوضع تغير هذا العام بشكل واضح، إلى حد تدخل وزارة الصناعة واتحاد الصناعات، الممثلين للنظام، في المفاوضات الجارية بين المستثمرين.


وأشار المصدران التركيان إلى أن أحد الأسباب التي أدت لتغير موقف النظام المصري هو ضعف الاستثمارات المباشرة القادمة من دول الخليج، رغم ضخامة الوعود التي أعطيت من قادة السعودية والإمارات والكويت، وتعدد المزايا الممنوحة لمستثمري تلك الدول قياساً بتركيا، على خلاف النجاح متعدد المستويات الذي أثبتته الاستثمارات التركية القائمة في مصر منذ العقد الماضي، باستمراريتها وتنامي أعداد العاملين بها وعوائدها المتصاعدة، والتزام القائمين عليها ضريبياً وجمركياً. ومن الأسباب أيضاً رغبة النظام المصري أن تظل بلاده بوابة الاستثمارات التركية للقارة الأفريقية، وألا تخسر مصر هذا الوضع لصالح دول أخرى، كالسودان أو إثيوبيا.

من جهته، قال مصدر في وزارة الصناعة المصرية إن جميع الاتصالات بين المستثمرين المصريين والأتراك حالياً تتم بدعم كامل من أجهزة الدولة، وعلى رأسها الاستخبارات العامة، فضلاً عن وزارتي الاستثمار والصناعة. وأضاف المصدر أن "الاتصالات والاجتماعات لا تقتصر على القطاع الخاص، بل إن الوزارة ترعى مفاوضات جديدة بين شركات مصرية حكومية ومستثمرين أتراك للمشاركة في بعض المشروعات الضخمة في العاصمة الإدارية الجديدة، وإنشاء مصانع في المناطق الصناعية الجديدة في قناة السويس وميناء الإسكندرية ومدينة دمياط للأثاث". وتوقع المصدر، إذا لم تشهد الأوضاع السياسية تحولاً للأسوأ، أن يشهد العام 2018 دخول ما لا يقل عن 100 مستثمر تركي جديد للسوق المصرية في مجالات صناعة الأثاث والملابس والأقمشة والمواد الغذائية والصناعات الوسيطة في مجالات الحديد والصلب والطاقة. وتابع "هناك إقبال تركي على السوق المصرية نظراً لنجاح منتجات المستثمرين الأتراك السابقة، واستغلال للصورة الذهنية الجيدة لدى المصريين عن المنتجات التركية، فضلاً عن توافر العمالة الرخيصة والبيئة الجيدة للتشغيل مقارنة بالسودان وباقي دول أفريقيا، وهي القارة التي ترغب تركيا في اقتحام أسواقها".

وللمستثمرين الأتراك حالياً 205 مصانع في مصر بحجم استثمارات تجاوز 2.5 مليار دولار. وأعطت الحكومة المصرية الضوء الأخضر لرجال الأعمال المصريين المتعاونين مع تركيا لبذل مجهودات أكبر في جذب المستثمرين، إذ توفر المصانع التركية حالياً أكثر من 60 ألف فرصة عمل محلية، فضلاً عن السلاسل التجارية الممتدة لعلامات تجارية تركية، والتي يتعامل بعضها من الباطن مع الجيش، ممثلاً في هيئة الخدمة الوطنية التي تملك وتدير مئات الأسواق ومنافذ البيع على مستوى البلاد التي لا تخلو من البضائع التركية. وقد ارتفع حجم التبادل التجاري هذا العام إلى 4.6 مليارات دولار.

ووفقاً لبيانات وزارة الاستثمار، تأتي تركيا في المركز الخامس أوروبياً من حيث حجم الاستثمار في مصر، خلف إيطاليا وإنكلترا وفرنسا وألمانيا. ومع زيادة حالات انسحاب المستثمرين الأوروبيين بعد انهيار سعر الجنيه مقابل الدولار واليورو، وفي ظل انخفاض حجم التكلفة والمخاطرة في المصالح القائمة للمستثمرين الأتراك، تظهر مؤشرات لإمكانية مضاعفة حجم استثماراتهم في مصر. وسبق أن توقعت جمعية رجال الأعمال المصريين الأتراك أن تصل حصيلة الاستثمارات التركية الجديدة في مصر إلى ما بين 110 و130 مليون دولار (نحو 2.3 مليار جنيه) خلال الربع الأول من 2018، كنتيجة مباشرة لتوقيع اتفاقيات ثنائية بقيمة 51 مليون دولار (نحو 900 مليون جنيه) هذا العام، قبل الاجتماع الأخير الخاص بصناعة الأثاث. وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري قد قال، السبت الماضي، عبر صحيفة "أخبار اليوم" الحكومية، إن "مصر تأمل في عودة العلاقات مع تركيا، وأنها منفتحة على ذلك، ولديها رغبة دائمة في تجاوز أي توتر"، مشيداً بما وصفه "تراجع الاستفزازات التركية وصدور تصريحات معتدلة من مسؤولين أتراك". وسبق أن صدرت عن شكري تصريحات مشابهة في حوار مع صحيفة "الأهرام" الحكومية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ما طرح تساؤلات عديدة في الأوساط الدبلوماسية والإعلامية حول احتمال أن تكون بمثابة المغازلة لبدء مرحلة تقارب جديدة بين البلدين، بعد 17 شهراً تقريباً من ترحيب مصر، حكومة وإعلاماً، بالانقلاب الذي كان يهدف للإطاحة بأردوغان، لا سيما أن شكري نفسه سبق أن اتهم تركيا بتوفير "ملاذ آمن لعناصر جماعة الإخوان وجماعات إرهابية أخرى مناهضة للنظام المصري".

المساهمون