"المؤامرة"... سلاح نتنياهو الأقوى في الانتخابات المبكرة

27 ديسمبر 2018
يواصل نتنياهو التحريض القومي والعنصري في الداخل(غالي تيبون/فرانس برس)
+ الخط -
بعيداً عن محاولات تأجيل سنّ قانون حل الكنيست الحالي (العشرين) وإطالة المداولات لإقرار القانون، الذي يفترض أن يحدد التاسع من إبريل/ نيسان المقبل موعداً رسمياً للانتخابات النيابية، سارع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، منذ لحظة إقرار ائتلافه الحكومي، يوم الأحد، الذهاب لانتخابات مبكرة، إلى تحديد معالم خطته الدعائية، مستفيداً من إطلاق عملية "درع الشمال" لكشف "أنفاق حزب الله الهجومية" كدليل على كذب اتهامات كل من وزير الأمن المستقيل أفيغدور ليبرمان، وزعيم حزب "البيت اليهودي" نفتالي بينت، له بالتهاون في مواجهة "حماس".

واستهل نتنياهو عرض الخطوط العريضة لدعايته الانتخابية في جلسة كتلة حزبه في الكنيست، الإثنين، من خلال استعراض "إنجازات" حكم اليمين ككل، أو ربما للدقة "إنجازات" الحكومات الإسرائيلية في ولاياتها الثلاث الأخيرة، منذ عودة نتنياهو إلى الحكم في العام 2009. وحدد نتنياهو نجاحات خط اليمين في حديثه عن وضع حد لصيغة أوسلو من جهة، ومن جهة أخرى إبراز حجم "تعاظم مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية وتحسن علاقاتها مع دول من كافة القارات وصولاً إلى أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية"، بما يدحض ادعاءات معسكر اليسار وتهديده من مغبة غياب الأفق السياسي لدرجة عزل إسرائيل عالمياً، لكن ما حدث هو العكس من ذلك تماماً. لكن الخط الرئيسي الذي يبدو أن نتنياهو يعتزم اعتماده في المعركة الانتخابية الحالية، هو استمرار التلويح بفكرة "المؤامرة" على حكم اليمين، بما يعزز الرسائل التي ثابر نتنياهو على ضخها في العامين الأخيرين، من أن اليسار ومناصريه بمن فيهم مؤسسات أخرى، بحسب نتنياهو، يسعون لإسقاط حكم اليمين من خلال أروقة المحاكم، وليس من خلال صناديق الاقتراع.

ولا يبدي نتنياهو أي توجّه لخفض مستوى التحريض الكلامي ضد خصومه في اليسار وحتى في أجهزة السلطة، مثل القضاء والشرطة، بما ينذر بمعركة انتخابية شديدة اللهجة لا يغيب عنها التحريض السام ضد اليسار والإعلام، وبطبيعة الحال العرب الفلسطينيين في الداخل. وقد باشر نتنياهو اتّباع هذا الخط ونقل هذه الرسائل في اللقاء الذي عقده، أمس، مع قادة المستوطنين من الضفة الغربية المحتلة، عندما استهل لقاءه بهم بالقول: "نحن أمام معركة انتخابات، وفي المعركة القريبة للانتخابات سنرى محاولة من اليسار لإحداث انقلاب في الحكم عبر تجنّد الإعلام ومنظومات أخرى. لقد تجنّدوا جميعاً لهذه الغاية بشكل كامل. ممنوع أن ينجحوا، لأنه إذا، لا سمح الله، نجحوا، سيكون ذلك خطراً واضحاً على الاستيطان".

تحذيرات نتنياهو هذه تشكّل محوراً أساسياً في المعركة الداخلية في صفوف اليمين الاستيطاني نفسه، في سياق التنافس بين "الليكود" و"البيت اليهودي"، لكنها تنطلق من اعتبار العناصر الأخرى، المتعلقة بمؤامرات اليسار والإعلام والأجهزة الأخرى، في إشارة للشرطة والنيابة العامة اللتين تطالبان بتقديم نتنياهو للمحاكمة بشبهات الفساد وتلقي الرشاوى، حقيقة راسخة في أذهان معسكر اليمين الإسرائيلي ككل، وشرائح شعبية واسعة بدأت تتقبل دعاية نتنياهو واليمين بأن كل ما يخص تجاوزات نتنياهو يأخذ حجماً مبالغاً به، خصوصاً أن نتنياهو لم يفوّت فرصة للزجّ بزوجته وابنه في المشهد الإسرائيلي، حتى بعدما انقلبت هذه الأداة ضده. فقد تمكّن من توظيف الانتقادات لزوجته ونجله يئير كدليل على أنه وأسرته الضحية، مع الربط بين شخصه وعائلته ومعسكر اليمين كله، باعتبار أن الهدف ليس هو كشخص وإنما حكم اليمين.


وقد نجح هذا الخط الدعائي لنتنياهو أولاً في معسكر اليمين، لدرجة ألزمت خصومه من داخل "الليكود"، وفي مقدمتهم الوزير السابق غدعون ساعر، للإعلان عن دعم نتنياهو على رأس المعسكر، عملاً بتقاليد "الليكود" بعدم التنافس في وجه رئيس حكومة في منصبه.
التركيز على السعي لقلب الحكم في إسرائيل عبر أروقة المحاكم وملفات الشرطة، سيكون المحور الأساسي في الخطاب الداخلي الإسرائيلي، أما التركيز على الخطر الذي ينتظر المستوطنات والاستيطان، فسيكون سلاح نتنياهو في مواجهة الخصوم الداخليين في اليمين، في محاولة لتكرار إنجازه في الانتخابات السابقة عام 2015 عندما استطاع "سرقة" عدة مقاعد من حزب "البيت اليهودي" بقيادة نفتالي بينت وحزب "يسرائيل بيتينو" بقيادة أفيغدور ليبرمان.

إلى ذلك، يستفيد نتنياهو من واقع الانقسامات داخل المعسكر المضاد له، المسمى بمعسكر الوسط واليسار، وعجز هذا المعسكر عن طرح بديل لنتنياهو، خصوصاً بعدما شارك حزب "العمل" في حكومات لنتنياهو، وكذلك الحال مع حزب "ييش عتيد" برئاسة يئير لبيد، الذي كان شريكاً أساسياً في حكومة نتنياهو الثالثة بين عامي 2013 و2015. فيما خاض زعيم "المعسكر الصهيوني"، يتسحاق هرتسوغ، سابقاً، (أصبح اليوم رئيس الوكالة اليهودية) مفاوضات مكثّفة مع نتنياهو حتى مايو/ أيار 2016 للانضمام إلى حكومته.

هذه الحقائق، وعجز اليسار عن مواجهة ماكينة الدعاية التي يديرها نتنياهو بنجاح، سواء عبر تصريحات منفلتة له، بالأساس عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ولوزرائه عبر وسائل الإعلام ضد "انهزامية اليسار الإسرائيلي"، وفشل حلول التسوية المتمثلة بأوسلو وإقرار اليسار نفسه بذلك، عوامل تساعد نتنياهو في مواصلة حرب التحريض واتّباع خط دعائي ديماغوجي شعبوي تحريضي وعنصري، يعتمد على إثارة الخوف والتهويل من خطر وجودي موهوم، لكنه وبشكل متناقض أيضاً يقوم على التباهي بالقوة العسكرية لإسرائيل (وصفها قبل يومين بأنها القوة الثامنة عالمياً)، وتحسن علاقاتها الخارجية، بما في ذلك وبالأساس عمليات التطبيع، أو التمهيد للقبول بإسرائيل عربياً. وعلى مستوى الداخل الفلسطيني، سيواصل نتنياهو التحريض العنصري والقومي، وسط التلويح بأكاذيب أن العرب في الداخل يتصرفون كمن يعيشون في دولة داخل دولة، وأن حكمه سيكرس تطبيق قانون واحد، وهي عبارة يستخدمها نتنياهو لتمرير سياسة هدم البيوت والمنازل، بحجة البناء غير المرخص، والتلويح بقانون القومية الذي أقره الكنيست في 19 يوليو/ تموز الماضي، باعتباره الرد على كل دعوات المساواة القومية داخل حدود 67، ولكن أيضاً الرد الصهيوني المتأخر، أو ربما التعديل الناقص في وثيقة استقلال إسرائيل، بما يقطع عبر قانون أساسي، الطريق أمام حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، ومنع إقامة الدولة الفلسطينية.