وأكّدت المعلومات أنه عثر لدى رئيس الشبكة على معدات حساسة ووسائل اتصال متطورة تستعمل في التجسّس، وإشارات ورتب عسكرية إسرائيلية، يعتقد أنه كان بصدد توزيعها على أفراد الشبكة الذين أوهمهم أنه سيتم لاحقاً التكفل بتدبر طريقة لإخراجهم من الجزائر ونقلهم للعيش في إسرائيل مع عائلاتهم في حال أتموا المهمات المكلّفين بها. واعترف فيصل لاحقاً في التحقيقات المعمقة التي أجريت معه، أنه استغل هذه التجهيزات في إرسال تقارير لصالح نقطة ارتكاز للموساد الإسرائيلي توجد في دولة أفريقية. كذلك، أقر بأنّه تردّد على قرية حدودية بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث رجّح بأنه تمّ تجنيده هناك من قبل عملاء للموساد.
وحاول فيصل في بداية التحقيقات، إنكار صلته بالموساد، متحججاً بأن تسلله إلى الجزائر كان من أجل البحث عن سبيل للهجرة السرية، إذ أقام فترة في مدينة وهران التي يعتقد أنه وصل إليها متسللاً من الحدود بين الجزائر والمغرب. إلا أنه وقع في تناقض خلال التحقيقات معه، ما كشف محاولته التلاعب بالمحققين، إذ زعم أن انتقاله إلى مدينة غرداية، كان للعلاج، فيما يعرف أن مدينة وهران أفضل بكثير لناحية توفّر المستشفيات والعلاج، مقارنة مع مستشفيات مدينة غرداية، قبل أن يكشف بعض عناصر الشبكة أنّ لقاءهم في المدينة الجنوبية كان للاجتماع مع فيصل والحصول على أموال وتعليمات جديدة، وهو ما أثبتته وثائق ومخططات عثر عليها بحوزة الشبكة.
ونجح أحد عناصر الشبكة، ويدعى موسى ديارا، وهو من الجنسية المالية، في التخفي والهروب. وتعتقد أجهزة الأمن الجزائرية أنّه يُعدّ عنصر الارتباط في الشبكة. وأشارت المعلومات إلى أنّ سرعة الكشف الإعلامي عن الإطاحة بهذه الشبكة، تسبّبت في هروب ديارا إلى بلده عبر الحدود الجنوبية أو التخفّي في إحدى مدن الجزائر، في حين لفتت بعض المعلومات إلى أنّ فيصل استغل عناصر الشبكة الذين يتمتعون بمستوى تعليمي مقبول، وحاجتهم الماسة إلى المال، لاستغلالهم في العمل التجسسي. وأكدت التحقيقات أن أعضاء الشبكة حاولوا استغلال وجودهم كمهاجرين وتساهل السلطات حينها مع المهاجرين والنازحين الأفارقة، للقيام بنشاط تجسسي ضد الجزائر، وهو ما كانت قد حذرت منه أطراف عدة في وقت سابق.
وتزامن إحباط واعتقال عناصر هذه الشبكة مع بداية عودة الاستقرار إلى غرداية، بعد موجة عنف شهدتها المدينة بسبب الصراع العرقي والطائفي بين مجموعتين من السكان، العرب الذين يتبعون المذهب المالكي، والأمازيغ الذين يتبعون المذهب الأباضي. ويرجح أن تكون هذه الشبكة تسعى إلى تشكيل صورة واضحة عن طبيعة الصراع المذهبي والطائفي في هذه المنطقة المنقسمة سكانياً، وإمكانية تغذيته في وقت لاحق لاستهداف الأمن الاجتماعي والسلم المدني في البلاد، خصوصاً في مرحلة يتعالى فيها التمييز الإثني والطائفية في مختلف مناطق العالم. وكان سبق أن حذّرت تقارير من أنّ أجهزة إسرائيلية تشتغل منذ فترة على الجزائر في هذا السياق.
وبعد أكثر من سنة على التحقيقات، أنهت محكمة الجنايات بغرداية ملف ما عرف باسم "شبكة إسرائيل"، وحكمت على فيصل بالإعدام، فيما حكمت على باقي المتهمين بالسجن المشدد لمدة 10 سنوات، وغرامة مالية تعادل 10 آلاف دولار أميركي. ووجهت المحكمة إلى المتهمين تهم المساس بأمن الدولة والتخابر مع دولة أجنبية، وهي إسرائيل، وتوزيع منشورات هدفها زعزعة استقرار البلاد.
ورفض وزير الداخلية، نورالدين بدوي، التعليق على هذه القضية، واكتفى بالقول إن "الجزائر تواجه مخططاً أجنبياً يعمل على إضعافها في هذه الظروف السياسية والاقتصادية والإقليمية"، مشيراً إلى أنّ "أجهزة الأمن والجيش متحفزة لبذل جهود مضنية لإحباط أي مخطط لاختراق المنظومة الأمنية والدفاعية للبلاد". وأضاف "المؤسسات الأمنية ووحداتها الموجودة على الحدود، تسهر على حماية الجزائر من أية محاولات للمساس بأمنها، خصوصاً أن البلد مهدّد من أطراف عدة، وهو ما يستوجب توحّد دور الحكومة والأمن والشعب والمجتمع المدني".
وإذا كانت هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها السلطات بشكل صريح عن اعتقال وتفكيك شبكة تجسس تعمل لصالح إسرائيل، ولا سيما أنّ السلطات الجزائرية تتحفظ في العادة على الحديث عن ملفات ذات صلة بعمليات التجسس أو التجسس المضاد، إلا أنّ الجزائر وأجهزة الأمن والاستخبارات ظلّت مستنفرة، خصوصاً في السنوات الأخيرة، تحسباً لأي اختراق أمني إسرائيلي، سواء بالطرق الأمنية والعسكرية المعروفة، أو بالطرق الاقتصادية والتجنيد وزرع شبكات تجسس داخل البلاد.
ففي فبراير/شباط 2016، تمكّنت أجهزة الأمن الجزائرية من تحديد هوية سيدة في العقد الرابع من عمرها، دخلت إلى الجزائر في شهر يناير/كانون الثاني من العام نفسه، بجواز سفر بريطاني، كسائحة برفقة شخص آخر. وكشفت المعلومات المتوفرة أنّ هذه السيدة ضابطة متقاعدة من الجيش الإسرائيلي، وحصلت أجهزة الأمن الجزائرية على صور لها وهي باللباس العسكري لدولة الاحتلال. ودخلت هذه الضابطة إلى الجزائر عبر مطار وهران قادمة من فرنسا. وأشارت المعلومات إلى أنها مكثت في الجزائر لفترة ثلاثة أسابيع، وانتقلت من المطار إلى منطقة الجلفة، جنوبي الجزائر. وتزامنت زيارتها مع زيارة وفد من خمسة من اليهود، للمقبرة اليهودية الموجودة في مدينة وهران. وتابعت أجهزة الأمن الجزائرية لاحقاً مسار هذه السيدة، والأماكن التي أقامت فيها والأشخاص الذين تواصلت معهم، للتأكُد ما إذا كان لها عمل استخباراتي. وتفسّر بعض المصادر أنّ هناك احتمالاً لأن تكون هذه الضابطة الإسرائيلية، أوفدت للقيام بعمل استطلاعي في الجزائر، مع وجود احتمال آخر، لكون عائلتها كانت من يهود الجزائر، بأنها كانت بصدد زيارة أماكن عائلتها.
وفي منتصف عام 2016، كشف فرع الاستخبارات الجزائرية العامل في ألمانيا، محاولة تجسّس عميليْن من الموساد الإسرائيلي على الفرقاطة الجزائرية "ميكو" التي كان يتم تصنيعها في ميناء كيل بألمانيا العام الماضي. وفي الفترة نفسها، تحدّثت تقارير صحافية أجنبية، عن محاولة سلاح الجو الإسرائيلي تسيير طائرات بدون طيار للتجسّس على منشآت عسكرية جزائرية، انطلاقاً من منصات في ليبيا. وكشفت التقارير أنّ أميركا ساعدت إسرائيل في تسيير هذه الطائرات بهدف التجسس على دول شمال أفريقيا وبينها الجزائر، موضحةً أن مصالح الاستخبارات الجزائرية "كشفت طائرات بدون طيار أميركية، آتية من تونس قرب الحدود مع الجزائر". وأثار ذلك غضب السلطات الجزائرية، فيما قالت السلطات التونسية لاحقاً إنها طائرات أميركية يتم تسييرها باتجاه ليبيا في إطار محاربة تنظيم "داعش"، في إطار اتفاق بين الحكومتين التونسية والأميركية.
وتعتقد أجهزة الاستخبارات الجزائرية أن الموساد الإسرائيلي نصب نقاطا ومنصات تركّز عملها باتجاه التجسس على الجزائر. وتشير بعض المعلومات إلى أنّ الموساد يتمتّع بست نقاط في منطقة شمال أفريقيا، تستهدف العمل على متابعة كل التطورات السياسية والأمنية والعسكرية، ومعرفة أماكن نشر الرادارات الجزائرية الموجّهة لمراقبة الأجواء الإقليمية، وكذلك ملاحقة كل المعلومات المتعلّقة بصفقات الأسلحة والعتاد العسكري الجزائري. كما تحاول إسرائيل الحصول على معلومات تتعلّق بحجم وطبيعة صفقات الأسلحة التي تعقدها الجزائر مع دول عدة كروسيا، وتطور الصناعات العسكرية الجزائرية في الداخل، وطبيعة البرامج العسكرية ومستويات التكوين والمعدات اللوجستية والمراكز الحيوية والعلمية وغيرها.
وفي السياق نفسه، تلاحق إسرائيل تطورات ومساعي الجزائر بشأن برنامج الطاقة النووية الموجّه للاستخدام المدني، وعلاقاتها مع الأرجنتين والصين وإيران بهذا الشأن، وهي متابعة بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي، عندما حاولت الجزائر التعاون مع كل من ليبيا وباكستان في ما يعرف بـ"القنبلة الإسلامية"، ثمّ لاحقاً في بداية التسعينيات، عندما أثارت أميركا، بتحريض إسرائيلي، مزاعم بشأن تخصيب الجزائر لليورانيوم في المفاعل النووي "السلام" الموجود في منطقة عين وسارة (300 كيلومتر جنوبي العاصمة الجزائرية)، والذي أنشئ عام 1983 بالتعاون مع الصين، على الرغم من أن هذا المفاعل خاضع للمراقبة الدورية لمنظمة الطاقة الدولية.
وفي وقت سابق، حذّرت تقارير استخباراتية من إمكانية حصول اختراق إسرائيلي للجزائر عبر مجالات الاستثمار والشركات الاستثمارية، وحثّت السلطات على التدقيق في هويات المستثمرين الأجانب وموظفي الشركات الأجنبية العاملة في الجزائر، خصوصاً بعد حصول الاستخبارات الجزائرية على معلومات بشأن محاولة جهاز الموساد زرع عملاء له ضمن شركة استثمارية مجرية ترغب بالاستثمار في البلاد.