تسريب عقارات القدس: حملة للاحتلال والسماسرة ضد مسؤولين فلسطينيين

09 نوفمبر 2018
الحسيني (يمين) وغيث (يسار) بعد اقتحام الأحد(أحمد الغربلي/فرانس برس)
+ الخط -
بدأت ملامح صراع خفي تظهر بصورة جليّة بعد صفقات تسريب العقارات الأخيرة بين أجهزة الأمن الفلسطينية وسلطات الاحتلال الإسرائيلي، التي صعّدت حملة ملاحقة محافظ القدس الجديد عدنان غيث، وهو من أبرز قيادات حركة فتح وعضو مجلسها الثوري. واستهدفت سلطات الاحتلال غيث، تارة بالاعتقال وتارة أخرى بالاعتداء بالضرب ومنعه من المشاركة في فعاليات سلمية ينظمها المقدسيون حتى ولو كانت ندوة حوارية، أو بالاقتحام المتكرر لمقر محافظة القدس في ضاحية البريد، شمالي المدينة المقدسة، كما حدث يوم الأحد الماضي، من اقتحام عنيف لمقر المحافظة، تخللها الاعتداء بالضرب ورش الموظفين هناك بغاز الفلفل، ثم مصادرة ملفات كثيرة وتحطيم أجهزة كمبيوتر.

وأكد قيادي رفيع المستوى في حركة فتح ومقرب من الأجهزة الأمنية الفلسطينية، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحملة التي تستهدف المحافظ غيث وكبار ضباط الأجهزة الأمنية الفلسطينية، كما حدث مع مدير مخابرات القدس جهاد الفقيه، تأتي على خلفية اتهامات للرجلين بالشروع بحملة مركزة تستهدف سماسرة الأراضي والعقارات في القدس، وسط ضغوط شعبية متواصلة على السلطة الفلسطينية وأجهزة أمنها تطالبها بالتشدد مع هؤلاء السماسرة أو من يوصفون محلياً بالعملاء".

وأضاف أنه "في هذا الإطار تتهم سلطات الاحتلال غيث والفقيه بالمسؤولية المباشرة عن اعتقال فلسطيني يحمل الجنسية الأميركية ويدعى عصام عقل، على خلفية ضلوعه بمحاولات جارية حالياً لتسريب عقار جديد لا يبعد سوى أمتار قليلة عن عقار آخر كان مملوكاً لعائلة جودة الحسيني، سُرّب إلى جمعيات استيطانية الشهر الماضي، وهو أحد أهم العقارات في حارة السعدية ومطل على المسجد الأقصى مباشرة".

وأشار المصدر إلى أن "سلطات الاحتلال تدّعي أن غيث كان له دور مباشر في اعتقال عقل وتسليمه باليد لجهاز المخابرات الفلسطينية في القدس، وهو ما دفع الاحتلال وأجهزة أمنه إلى اعتقال الرجلين واستجوابهما مطولاً على هذه الخلفية، وهي اتهامات نفاها كل من غيث والفقيه نفياً قاطعاً. لكن هذا النفي لم يمنع سلطات الاحتلال من تكثيف حملة المطاردة والملاحقة لغيث فأُبعد عن مكان سكنه في سلوان لمدة أسبوع إلى حي واد الجوز، شمال البلدة القديمة، ولاحقته سلطات الاحتلال هناك باقتحام مقر إقامته في أحد المنازل الذي أواه خمس مرات للتثبت من قرار حبسه منزلياً. ثم أتبعت ذلك قبل عشرة أيام بمحاولة اقتحام مقر المحافظة، حيث يدير غيث عمله من هناك، بيد أن الموظفين في المحافظة تصدوا لجنود الاحتلال وأرغموهم على المغادرة، ليعودوا صباح الأحد وبأعداد كبيرة، لاقتحام المقر بالقوة واعتدوا على العاملين فيه، وقد أُصيب خمسة منهم بجروح ورضوض نتيجة الضرب والرش بغاز الفلفل".

من جهتهم، اعتبر مسؤولون في محافظة القدس، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "قوات الاحتلال المقتحمة جاءت لهدف واحد وهو سرقة وثائق ومستندات وأجهزة كمبيوتر، في ما يبدو أنه محاولة لوضع اليد على سجلات أراض وعقارات وملفات لأشخاص جاري متابعتهم، متورطين في صفقات بيع وتسريب أراض، بعضها نجحوا في تنفيذها والبعض الآخر في طور المحاولة لبيعها وتسريبها".

وأشار هؤلاء المسؤولون إلى "وشايات وشكاوى كان سماسرة قد رفعوها إلى سلطات الاحتلال، يتهمون فيها أجهزة الأمن الفلسطينية بملاحقتهم والتضييق عليهم، علماً أن هذه الأجهزة تواجه أيضاً ضغوطاً شعبية قوية تطالبها بتحمل مسؤولياتها حيال ما تتعرض له القدس من عمليات نهب وتسريب للعقارات، وجزء من هذه الحملة الشعبية يتهم السلطة الفلسطينية وأجهزتها بالعجز وعدم القدرة على مواجهة السماسرة، بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، باتهام تلك الأجهزة بالتواطؤ والتغطية على بعض المتورطين، كما حدث في قضية عقار آل جودة، التي لا زال التحقيق فيها مستمراً ولم تعلن نتائجه".

أما غيث، فقال في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "ما أتعرض له من ملاحقة، لن يمنعني من ممارسة دوري ومسؤولياتي محافظاً للقدس". وأضاف أنه "نحن أمام مسؤوليات وطنية تعتبر أولويات عليا. مهمتنا الدفاع عن وجودنا وحضورنا أمام ممارسات الاحتلال وإجراءاته، وتغطيته على جرائم المستوطنين بحق القدس ومقدساتها". وذكر أن اعتقاله واقتحام مقر المحافظة "ربما يتكرر في المستقبل، ولكنه لن يلغي وجودنا هنا في مدينتنا. نحن مع شعبنا سواء في القدس القديمة أو في الخان الأحمر، وفي كل مكان يتعرض فيه شعبنا للظلم بسبب إجراءات الاحتلال".

بدوره، اعتبر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دائرة القدس عدنان الحسيني، أن الحملة المنظمة لسلطات الاحتلال ضد محافظ القدس الجديد وضد السلطة الفلسطينية عموماً، "موجّهة سياسياً من أعلى المستويات في حكومة الاحتلال، بدءاً من رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) مروراً بوزير الأمن الداخلي جلعاد أردان، الذي أوعز لأجهزة أمنه وشرطته أخيراً بشن أوسع حملة من الملاحقة ضد عموم الأنشطة الفلسطينية في القدس المحتلة، حتى لو كان الحديث يدور عن ندوة أو مهرجان. وما حدث في سلوان من اقتحام لمقر النادي والاعتداء بالضرب على من فيه وفي مقدمتهم محافظ القدس، ما هو إلا دليل على التوجه الاحتلالي الجديد، المتزامن مع تكثيف جمعيات الاستيطان اليهودية عمليات الاستيلاء على العقارات، بمساعدة من سماسرة محليين، شهدنا دورهم في التسريبات الأخيرة سواء في سلوان أو بالبلدة القديمة".

وربط الحسيني بين هذه الحملة المنظمة والمركزة ضد الحضور الرسمي الفلسطيني وبين ما حققه المقدسيون من صمود على الأرض سواء في المدينة المقدسة ذاتها، أو في الخان الأحمر. وقال إن "ما يجري هو ضغوط ممارسة بقوة على المسؤولين الفلسطينيين، بعد نجاح المقاومة الشعبية السلمية في التصدي لمخططات الاحتلال في مختلف أرجاء محافظة القدس، لكن هذا لن يمنعنا من القيام بدورنا نحو شعبنا في القدس، الذي سطر أروع الملاحم بالصمود والرباط، خصوصاً في معركة البوابات الإلكترونية ودفاعه اليومي عن المسجد الأقصى وعن أراضيه وعقاراته".

في المقابل، رأى القيادي في حركة فتح، عضو مجلسها الثوري، حاتم عبد القادر، أن "حملة الاحتلال المسعورة ضد كل ما هو مقدسي، جاءت بعد تصليب الفلسطينيين بما في ذلك فصائل المنظمة من مواقفها حيال عمليات تسريب العقارات في القدس". وأشار إلى "ما تمخض عن اجتماعات المجلس الثوري لحركة (فتح) الأخيرة، لجهة التجريم بالخيانة العظمى لكل من يُسرّب أي عقار من عقارات القدس، باعتبارها وقفاً إسلامياً ووطنياً". كما دعا إلى "نبذ السماسرة ومقاطعتهم وتحقيرهم في كل المستويات الشعبية".

في المقابل، كان للمؤسسة الدينية المقدسية، وفي مقدمتها، الهيئة الإسلامية العليا، وعلى رأسها الشيخ عكرمة صبري، دور آخر في تصليب الموقف الرسمي والشعبي الفلسطيني حيال السماسرة وتسريب العقارات. وجدد صبري في حديث لـ"العربي الجديد"، التأكيد على فتوى أصدرها أثناء توليه منصب مفتي القدس والديار الفلسطينية في عام 1996، بـ"تحريم بيع الأراضي والعقارات للأعداء أو السماسرة. وهذه الفتوى هي تأكيد لفتوى أصدرها علماء فلسطين عام 1935 التي تحذر من تسريب الأراضي أو العقارات وخطورة التعامل مع السماسرة وأن الذي يبيع أو يسمسر يعتبر خارجاً عن جماعة المسلمين ومارق عن الدين، فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإن صام وصلى وادّعى أنه مسلم، وإن دمه يكون هدراً". وكانت هذه الفتوى قد وجدت تعبيراً لها ليل الأحد ــ الإثنين، برفض المقدسيين تغسيل أحد ضحايا حادث السير، الذي قُتل فيه ستة عمال مقدسيين، ويدعى ع. ق.، لتورطه في عام 2010 بتسريب عقار مملوك لعائلته في حارة السعدية بالبلدة القديمة من القدس.

المساهمون