نوبل السلام لـ"التجربة التونسية"

10 أكتوبر 2015
بن موسى، عضو الرباعي الفائز بالجائزة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
مرّة ثانية، يستقطب الربيع العربي الذي اندلع قبل نحو أربعة أعوام الاهتمامات الدولية؛ فقد حصلت التجربة التونسية على جائزة نوبل للسلام، أمس، بمنحها للرباعي التونسي، على الرغم من أن التوقعات كانت تشير إلى استئثار أزمة المهاجرين إلى القارة الأوروبية بهذا الاهتمام، واحتمال منح الجائزة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، نتيجة جهودها بهذا الإطار.

اقرأ أيضاً: عودة محاولات الاغتيال إلى تونس

ولم يكن التونسيون يتوقعون أن يحمل لهم صباح الجمعة خبراً مفرحاً كهذا؛ إذ إنّهم قضوا ليلتهم في محاولة لفهم ما جرى في مدينة سوسة قبل يوم، خلال محاولة اغتيال النائب في البرلمان، رضا شرف الدين.

وفيما كانت الحيرة والقلق يسيطران على المشهد التونسي، جاء خبر حصول الرباعي الراعي للحوار التونسي على جائزة نوبل للسلام، ليتحول شعور الخوف والضبابية إلى إحساس عارم بالفخر، لأن "الاستثناء التونسي"، بات قيمة دولية يمكن أن تغير شيئاً في المحيط العربي والدولي.

وعند إعلانها عن منحها هذه الجائزة للرباعي، أكّدت لجنة نوبل للسلام، أن ما شرّعه التونسيون من "قانون التوافق"، هو دستور يمكن أن يكون مخلّصاً من حالة الاحتراب والتقاتل، التي تعيشها مناطق عديدة من العالم، و يمكن أن تشكّل نموذجاً لفضّ الصراعات الداخلية.

وقال الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل، الذي قاد هذا الرباعي، سامي الطاهري، لـ"العربي الجديد": "نحن لم نسع وراء هذه الجائزة ولم تكن أبداً هدفا لنا، لأن الهدف الأساسي كان إنقاذ تونس وحماية ديمقراطيتها الناشئة، ولكنها تقول للعالم إننا جديرون بالديمقراطية، وإن تونس نموذج ينبغي أن يحظى بتقدير العالم".

وأضاف الطاهري أن الجائزة "فخر لكل التونسيين ولكل من دافع عن الديمقراطية فيها، وهي تتويج لكل هؤلاء، ويبدو توقيت الجائزة حساساً للغاية، لأنّه يدفع التونسيين من جديد للاعتزاز بتجربتهم والدفاع عنها، ونتمنى أن تكون حافزاً لاحتضان هذا المبدأ. وعلى الرغم من أننا أنجزنا انتخابات حرة وشفافة وكتبنا دستوراً جديداً، وقطعنا خطوات كثيرة، غير أنه كان هناك دائماً منغصات، وأعتقد أنه من حقنا بعد كل هذا وبعد السنوات الأربع الماضية أن نفرح".

ورأى الطاهري أنه "بعدما دخلت تونس السنة الماضية إلى المربع الذهبي للجائزة، بعد ترشيح اتحاد الشغل لها، حصل التتويج اليوم لكامل فريق الرباعي الذي قاد عملية الإنقاذ في مرحلة تاريخية دقيقة من حياة تونس".

ويتكون الرباعي الراعي للحوار من الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومنظمة رجال الأعمال (اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية) وهيئة المحامين.

وسبق أن تم ترشيح اتحاد الشغل لهذه الجائزة العام الماضي من قبل منظمات وهيئات وشخصيات تونسية ودولية. وتشكّلت لجنة دولية لمساندة هذا الترشيح "اعترافاً بالدور التاريخي والمحوري للاتحاد العام التونسي للشغل في كافة المراحل التي مرت بها تونس". ووصل اتحاد الشغل بالفعل إلى مراتب متقدمة جداً في السباق، إلى أن مُنحت الجائزة هذا العام لاتحاد الشغل والمنظمات التي رافقته في إنقاذ البلاد.

وتبدو تجربة الرباعي فريدة بكل المقاييس، فقد جمعت أساساً فريقاً غير متجانس في الأهداف والبنية الفكرية، إذ جمعت منظمتين عُرفتا تاريخياً بتناقض الأدوار، وهما نقابة العمال ومنظمة رجال الأعمال، بدليل ما حصل بعد ذلك من مواجهات مباشرة وتهديدات بإضرابات تاريخية في القطاع الخاص. غير أن المنظمتين تخلتا عن كل خلافاتهما التاريخية وبدتا متجانستين إلى نهاية العمل بعد الانتخابات الرئاسية الماضية.

وقال الأمين العام لاتحاد الشغل، حسين العباسي، لـ"العربي الجديد" منذ أسبوعين، إن ما جمع بين المنظمتين ومختلف باقي مكونات الرباعي وقتها هو الاحساس المشترك بخطورة الموقف ودقته، وضرورة أن يتحد الجميع لإنقاذ البلاد.

وجاء تشكيل الرباعي بعد الاغتيال السياسي الثاني في تونس الذي أودى بحياة النائب في المجلس التأسيسي محمد البراهمي، بعد اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد، نتح عنه سقوط حكومة علي العريض التي شكلتها أحزاب الترويكا (النهضة والمؤتمر الوطني والتكتل). ودخلت تونس على إثره في حالة من الغموض السياسي والمواجهات الشعبية العارمة التي حافظت على سلميتها، على الرغم من أنها كانت تنذر بحصول الكارثة، وربما سقوط البلاد في مواجهات على شاكلة ما حدث في دول عربية أخرى.

وفي وقت كان البعض ينادي بضرورة تدخل الجيش وإقصاء الترويكا وحلّ المجلس التأسيسي، تشكّل الرباعي الراعي للحوار برئاسة اتحاد الشغل، ونزع فتيل المواجهة، وقاد مفاوضات عسيرة استمرت لأشهر، وانتهت أولاً بتشكيل حكومة مهدي جمعة الانتقالية، والتزمت بقيادة البلاد وإدارة الخلافات إلى غاية الوصول بها إلى الانتخابات التشريعية ثم الرئاسية.

وبعدما نجح الرباعي في إنجاز انتخابات شفافة أشرفت عليها هيئة مستقلة، مرت البلاد بحالة عسيرة للغاية نتيجة انعدام الثقة وخوف كل طرف من الآخر، ومواجهات إيديولوجية خانقة، وأحداث إرهابية كانت تضرب بين الحين والآخر وتهدّد في كل مرّة بنسف التجربة برمتها، ودفع البلاد إلى دوامة العنف والإجهاز على التجربة الديمقراطية.

غير أن تجربة الراعي أسست لما أصبح يعرف بالتجربة التونسية أو الاستثناء التونسي، بحيث فرضت على مكونات المجتمع السياسية والمدنية منطقاً جديداً لإدارة الخلافات وهو التوافق.

وتوصل التونسيون عبره الى تجاوز الخلاف الإيديولوجي الكبير وكتابة دستور توافقي حظي بإجماع، مروراً بإنجاز انتخابات سلمية في ظل تهديدات إرهابية بنسفها، ثم الاعتراف بنتائجها وقبول التداول السلمي على السلطة، وهو ما تحول إلى مبدأ عام تصر عليه حتى اليوم مختلف الأحزاب والتيارات السياسية.

ولعل منح نوبل للرباعي يزيد في تأكيد فلسفة التعايش السياسي التونسي التي تقوم على فض الخلافات عبر الحوار، برغم التنافس السياسي الحاد الذي لا يزال يطبع المشهد التونسي.

وتوصل التونسيون عبر هذه الآلية الجديدة إلى تقنين الحوار الاجتماعي وإرساء العقد الاجتماعي، على الرغم من حلّ الرباعي بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة. لكن الرئاسة التونسية الحالية حاولت أن تجد له بديلاً خماسياً يجمعها مع رئاسة الحكومة ومجلس نواب الشعب ومنظمة رجال الأعمال واتحاد الشغل. وتوصل هذا الخماسي إلى الاتفاق حول زيادة الأُجور لمدة ثلاثة أعوام، بحثاً عن هدنة اجتماعية تحدّ من تأثير الإضرابات العمالية، ولكنها لن تحصل إلا بعد الاتفاق في القطاع الخاص.

ودخلت المنظمتان، اتحاد الشغل ورجال الأعمال، أخيراً في حرب مفتوحة بينهما، رغم أن العباسي كان دعا في لقائه مع "العربي الجديد" إلى حوار جدي يقود إلى اتفاق. ولعلّ جائزة نوبل تكون مدخلاً لعودة الوفاق بين المنظمتين.

لكن هذا ليس الخلاف الوحيد في تونس، فهناك مشاكل كبرى تطبع المشهد التونسي في هذه المرحلة، حول الحكومة وأدائها والعلاقات بين الأحزاب والانتخابات البلدية المقبلة ومؤتمر مقاومة الاٍرهاب وقانون المصالحة الاقتصادية والمالية، ولذلك اعتبر رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، عبد الستار بن موسى، في  تصريح صحافي أن الحوار يبقى مفتوحاً، وأن هناك مبادرة في إطاره حول قانون المصالحة الوطنية.

ولكن بن موسى توقف عند الأهمية الدولية للمسار التونسي، عندما أشار إلى أن ما حصل تتويجاً للمجتمع المدني في تونس، خصوصاً أنه التجربة الوحيدة في العالم العربي وأفريقيا، وأنه قد يشجع البلدان الأخرى التي اختارت نهج الحروب لحل أزماتها عبر اختيار الحوار بديلاً سلمياً عنها.

اقرأ أيضاً: فائزون بـ"نوبل للسلام": الجائزة تكريم لشهداء ثورة تونس

المساهمون