بعد تسببه بمعاناة إنسانية... الحكومة العراقية تقرر إيجاد بديل عن سور بغداد

03 سبتمبر 2019
يحيط السور الأمني بالعاصمة من مختلف الجهات(Getty)
+ الخط -
تمضي الحكومة العراقية بإجراءات أمنية جديدة، اعتبرت بالنسبة لمواطني مناطق "حزام بغداد" البالغ تعدادهم نحو مليوني نسمة، بشارة خير لهم، وتتمثل في إزالة سور بغداد الأمني الذي جرى إكمال بنائه، العام الماضي.

وفي وثيقة رسمية صادرة عن مكتب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، وجه الأخير، بإيجاد بديل عن السور، وأشار كتاب موجه من السكرتير الشخصي له الفريق الركن محمد حميد كاظم، إلى قيادة عمليات بغداد، أنّ "عبد المهدي وجه بإيجاد بدائل عن السور الأمني، حيث إنه يولّد انطباعاً سلبياً لدى المواطنين"، من دون أن يوضح ماهية البدائل.

ويحيط السور الأمني بالعاصمة من مختلف الجهات، وهو عبارة عن كتل خرسانية عالية تعزل بغداد عن باقي محافظات البلاد، مع العمل على إيجاد بدائل عن السور الخرساني الذي يصل ارتفاعه إلى نحو 3 أمتار، وتسبب بتقطيع أوصال ريف بغداد، وتهجير مئات الأسر، وإلحاق خراب واسع بعشرات القرى والمزارع، عدا عن أضرار كبيرة لحقت بالمجتمع البغدادي في مناطق حزام بغداد من جرائه.

واتخذت الحكومة العراقية قرار بناء سور أمني وخندق يحيط بالعاصمة، خلال اجتياح تنظيم "داعش"، مساحات واسعة من البلاد عام 2014 وتهديده أمن بغداد، إلا أنّ المسؤولين العراقيين يقولون إنّ الخطر زال، والقوات العراقية باتت بوضع مهيأ للتعامل مع مختلف التهديدات الإرهابية. ويُعتبر السور بالوقت الحالي جدار عزل طائفي، لا يساعد على طي صفحة الإرهاب والعنف، التي عانت منها بلاد الرافدين في السنوات الماضية.

وبحسب مسؤول قريب من مكتب رئيس الحكومة، فإنّ "القيادات الأمنية تدرس حالياً خطة متكاملة للاستغناء عن السور الإسمنتي ونقل الكتل الخرسانية إلى مناطق ساخنة ضمن الحدود مع سورية".

وبيّن المسؤول، لـ"العربي الجديد"، اليوم الثلاثاء، أن "تقارير ميدانية وصلت إلى رئيس الوزراء تؤكد أنّ السور ألحق أضراراً كبيرة بالسكان في مناطق حزام بغداد، وساهم في ترسيخ حالة العزل الطائفي التي ابتكرها الأميركيون بعد أشهر من احتلالهم العراق"، معتبراً أنّه "يحمل رسائل سيئة فضلاً عن تسببه بمعاناة كبيرة لسكان حزام بغداد، تمثلت في صعوبة الدخول إلى بغداد والعلاج والتعليم وتهجير مئات الأسر وإلحاق خراب واسع بالقرى والمناطق الزراعية التي يمر منها السور".

وأكد المصدر ذاته، أنّ "خطوة عبد المهدي جاءت بعد طلبات تلقاها من عدد من مسؤولي المحافظات المحيطة ببغداد، لا سيما التي تضررت كثيراً من جراء السور، وخاصة الأنبار وديالى".

وأوضح أنّ "عبد المهدي وجه حالياً برفع جزئي لتلك الحواجز من جهة أبو غريب والرضوانية غربي بغداد، لتسهيل وصول المواطنين إلى المستشفيات والجامعات أو أسواق العاصمة"، كاشفاً عن أنّ "العمل بدأ فعلاً على ذلك".

كما اعتبر المسؤول المقرّب من مكتب عبد المهدي، أن خطوة الأخير "ستخفف بشكل مؤكد من معاناة أهالي مناطق أبو غريب والرضوانية وقرى حزام بغداد الغربي التي عزلت عن بغداد، حيث يقضون ساعات طويلة لدخول العاصمة".

وأكد أنّ عبد المهدي "ينتظر تقريراً تفصيلياً من قيادة عمليات بغداد، بشأن خطة بديلة عن السور عبر نقاط تفتيش وحواجز أمنية للقوات العراقية، كما كان الحال قبل عام 2014".

 

في مقابل ذلك، تحاول جهات سياسية منع اتخاذ قرار هدم السور، محذرة من "خطورة" ذلك، خاصة من جهة محافظة الأنبار. وقال القيادي في ائتلاف "دولة القانون"، الذي يتزعمه نوري المالكي (صاحب فكرة إنشاء السور) سعد المطلبي، إنّ "رفع الحاجز الأمني بين بغداد ومحافظة الأنبار سيكون خطراً استراتيجياً كبيراً، وسيؤدي إلى عودة التفجيرات وفتح ثغرة أمام دخول الإرهابيين".

وأضاف المطلبي، في تصريح صحافي، أنّ "أمن العاصمة بغداد بحاجة إلى تفعيل كاميرات مراقبة واستخدام التكنولوجيا الحديثة لرصد جميع التحركات الإرهابية".

ويؤكد خبراء أمنيون، أنّ قرار بناء السور الذي اتخذ قبل عدة سنوات، من قبل قيادة عمليات بغداد، كان ردة فعل للتغطية على العجز عن مواجهة تنظيم "داعش".

وبحسب المختص بالشؤون الأمنية العراقية سلام الطائي، فإنّ "السور لم يكن ذا جدوى أمنية، وأنّ قراره كان ردة فعل وخوفاً من تمدد تنظيم داعش، إذ إنّ القيادات الأمنية في ذلك الوقت اتخذت القرار بشكل مستعجل، بعدما أيقنت عجزها من ضبط أمن العاصمة".

وبيّن الطائي أنّ "السور كانت له أضرار كبيرة جداً على بغداد والمحافظات المحيطة بها"، مشيراً إلى أنّ "الحراك باتجاه رفعه سيكون خطوة عملية في الإطار الصحيح، وعلى عبد المهدي ألا يلتفت للجهات السياسية التي تحاول أن تثنيه عن تنفيذ ذلك".

وقال أحمد المشهداني النائب عن تحالف "القوى العراقية"، إنّ "الوقت صار مناسباً الآن لإزالة الحواجز بين السكان"، موضحاً، في تصريح لصحيفة عراقية محلية، أنّ "صفحة داعش قد طويت تقريباً والوضع الأمني أفضل بكثير"، لافتاً إلى أنّ "سور بغداد تسبّب بأضرار اجتماعية، وفصل أبناء العشيرة الواحدة، كما تسبب بخسائر اقتصادية وزراعية كبيرة".


يُشار إلى أنّ قرار تشييد السور الأمني في محيط بغداد، اتخذ بعد فترة من اجتياح تنظيم "داعش" لعدد من محافظات العراق في صيف 2014، وقدرت كلفته حينذاك بـ 30 مليون دولار.

ويحيط السور بالعاصمة بغداد بشكل دائري، بمساحة 200 كيلومتر، وبارتفاع 3 أمتار وعرض 3 أمتار، وتعلوه أسلاك شائكة ويبدأ السور من غرب بغداد من منطقة الخمسة بيوت عند سيطرة الصقور وهي مناطق تابعة لمحافظة الأنبار، ويلتف شمالاً إلى عقرقوف ثم التاجي والطارمية ثم منطقة السدة التابعة لمحافظة صلاح الدين، وجنوباً إلى الرضوانية مروراً بصدر اليوسفية ثم المحمودية واللطيفية، وشرقاً يقتطع أجزاء من محافظة ديالى.