السيسي ونتنياهو... تقاطع مصالح سياسية

19 مايو 2016
لم تخفِ إسرائيل عمق التعاون مع السيسي(دون إيميرت/فرانس برس)
+ الخط -
لم تُخفِ إسرائيل يوماً منذ الانقلاب العسكري الذي أوصل الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، عمق التعاون العسكري والاستراتيجي مع النظام المصري، الذي عبّر أيضاً عن تعاون سياسي في كل ما يتعلق بترجيح كفة السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، مقابل التنكر التام لحركة "حماس"، بل واعتبارها حركة إرهابية، مع ما ترتب على ذلك من مشاركة مصر بقيادة السيسي بشكل فعال في إحكام الحصار المفروض على قطاع غزة، وردم وتدمير الأنفاق الفلسطينية.
ومع أن إسرائيل اعتادت أن تسمع من العالم العربي، ومن ضمن ذلك من الجانب الفلسطيني، دعوات ومناشدات للمجتمع الإسرائيلي بترجيح كفة معسكر السلام الإسرائيلي، منذ استقبل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في أوج حصار بيروت، الصحافي اليساري أوري أفنيري، وتبعته بعد ذلك وفود من اليسار الإسرائيلي، إلا أن خطاب السيسي، أول من أمس الثلاثاء، شكّل خروجاً على هذا "التقليد العربي"، إن جاز التعبير، وتجاوزه نحو التعامل مع الحكومة الإسرائيلية الحالية بحيادية تامة بغض النظر عن هويتها السياسية المتطرفة ودعمها للاستيطان وتكريسه في الأراضي المحتلة.
ويلتقي ذلك مع تفسير أطراف سياسية في إسرائيل، كحزب "المعسكر الصهيوني" المعارض، ومعها تحليلات لمراسلين سياسيين وكتّاب أعمدة، أمثال بن كاسبيت، للخطاب بأنه يأتي ليضفي مصداقية على ادعاءات زعيم المعارضة يتسحاق هرتسوغ، بأن هناك فرصة تاريخية للتوصل لتسوية سياسية في الشرق الأوسط، ينبغي عدم إضاعتها.
كما برزت حقيقة عدم ارتفاع أصوات في إسرائيل تحتج على ما يُفترض أن يُعتبر تدخلاً من مصر في الشؤون الحزبية الداخلية لإسرائيل، بل ما جرى كان العكس من ذلك تماماً، إذ أيّد نتنياهو وهرتسوغ تصريحات السيسي. وجاءت هذه التصريحات فيما اجتمع نتنياهو، أمس الأربعاء، مع زعيم حزب "يسرائيل بيتينو"، أفيغدر ليبرمان وبحث معه مسألة انضمام حزبه لحكومة برئاسة نتنياهو، وذلك بعدما أعلن زعيم المعارضة، يتسحاق هرتسوغ، عن وقف المفاوضات مع نتنياهو بشأن تشكيل حكومة موحدة. ونقل موقع "معاريف" الإسرائيلي عن أعضاء بارزين في حزب ليبرمان، أن الاجتماع بين ليبرمان ونتنياهو سيفضي إلى انضمام ليبرمان للحكومة وحصوله على وزارة الأمن.


وإذا كان من الممكن اعتبار خطاب السيسي جزءاً من سعي مصري لنيل شرعية عربية وجماهيرية داخل مصر نفسها، من خلال القيام بدور فاعل في الملف الفلسطيني، والظهور بمظهر موحِّد الخصوم على الساحة الفلسطينية، تمهيداً لقيام مصر "بدورها التاريخي إلى جانب الشعب الفلسطيني"، فإن ترحيب نتنياهو وهرتسوغ بالخطاب، يعزز من ادعاءات معارضي "حكومة الوحدة" في إسرائيل، بأن هذه التصريحات على ما يبدو تم تنسيقها مسبقاً، وأنها لم تأتِ من باب الصدفة أو من فراغ.
مع ذلك، تبقى هذه التصريحات خروجاً على التقليد العربي المذكور أعلاه، لأنها المرة الأولى التي لا يتمنى فيها طرف عربي منذ سنين، على المجتمع الإسرائيلي أن يجنح نحو السلام ويرجّح كفة معسكر السلام الإسرائيلي، بل ينطلق من إسقاط حقيقة حكومة نتنياهو، بأنها حكومة استيطان رافضة للسلام كلياً، ويتعامل معها بشكل محايد. وتتزامن هذه التطورات مع جهد مصري سعودي لإعادة المبادرة العربية إلى جدول الأعمال، في حال أغلق الباب كلياً أمام المبادرة الفرنسية.
مع ذلك، تنبغي الإشارة إلى أن فرنسا لم تقل هي الأخيرة كلمتها في مسألة مبادرتها لعقد مؤتمر دولي للسلام، إذ صرح رئيس حكومتها إيمانويل فالس، الذي يُنتظر أن يزور إسرائيل قريباً، أن حكومة بلاده ملتزمة بأمن إسرائيل، وهي ترى أن بمقدور السعودية أن تقدّم بادرة حسن نية تتمثّل بالاعتراف المسبق بإسرائيل مقابل البحث في المبادرة السعودية، وكعامل لبناء الثقة يعزز من فرص التوصل لتسوية إقليمية.