حكومة لبنان معلقة: النظام السوري العقدة الأبرز

18 اغسطس 2018
تتشعّب الضغوط على الحريري (حسين بيضون)
+ الخط -

لا جديد في الشأن الحكومي اللبناني المتأزم، ولا حكومة جديدة في الأفق. هي العبارة الأكثر رواجاً على لسان السياسيين في بيروت. فقد مرّت ثلاثة أشهر على انتهاء الانتخابات اللبنانية (6 مايو/أيار الماضي)، التي أفرزت موازين قوى جديدة على الساحة الداخلية لمصلحة حزب الله وحلفاء النظامين الإيراني والسوري. ومنذ ذلك التاريخ، لم تنجح الطبقة السياسية في إعادة رسم المشهد السياسي الداخلي، وفق الأوزان الجديدة، فبقيت الحكومة معلّقة.

يتحدث كثر في الساحة اللبنانية عن عقد داخلية، منها ما له علاقة بالحصة المسيحية ضمن الحكومة، والصراع بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية". تريد الأخيرة حصة لا تقل عن حصة غريمها، متمسكة بما أفرزته الانتخابات النيابية من نتائج، إذ تعتبر "القوات" أنها باتت شريكاً رئيسياً موازياً لقوة "التيار" في ما يسمى هنا التمثيل المسيحي.

تتشعّب العقد ضمن كل طائفة. على الساحة الدرزية، يرفض رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي"، النائب السابق وليد جنبلاط، التنازل عن أي مقعد من المقاعد الدرزية الثلاثة ضمن الحكومة للنائب طلال إرسلان، حليف النظام السوري. كل محاولات حلحلة هذه العقدة باءت بالفشل، وعادت إلى نقطة الصفر، مع تصريح عضو "اللقاء الديمقراطي" النائب أكرم شهيب، والذي أكد فيه تمسّك اللقاء بالمقاعد الثلاثة.

يضاف إلى العقدة الدرزية والعقدة المسيحية، عقدة سنية مرتبطة بطلب منح نواب سنّة "8 آذار" (حلفاء حزب الله ودمشق وطهران) مقعداً وزارياً، كما تضاف عقدة حصة رئيس الجمهورية، والحقائب. لكن كل هذه العقد، تبدو، وفق ما تقول مصادر سياسية مطلعة على مسار تأليف الحكومة لـ"العربي الجديد"، هامشية أمام العقد المرتبطة بالمنطقة عموماً، وتختصر المأزق الحكومي بالقول إن الجو الإقليمي لا يسمح بعد بتأليف الحكومة.
يلخّص خطاب الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصرالله، الأخير، المأزق الحكومي. لم يأت على ذكر العقد الداخلية، بل اكتفى بالإشارة إلى ضرورة "عدم الرهان على التدخلات الخارجية لتأليف الحكومة"، وعدم إلزام رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، وإن لم يسمّه بالاسم، بلاءات، في إشارة مبطّنة إلى موقف الأخير الرافض لزيارة سورية.

هنا العقدة إذاً تحديداً في الموقف من النظام السوري، خصوصاً أنه طلب، بحسب ما تكشف مصادر "العربي الجديد"، من الحريري المشاركة في إعادة افتتاح معبر نصيب الذي استرده النظام بفضل روسيا أخيراً من الفصائل المعارضة في درعا، لإجبار بعض الأطراف في لبنان، وتحديداً الحريري، على القبول بالانفتاح على النظام السوري، وعودة العلاقات إلى سابق عهدها، بما أن المعبر الذي يربط الأردن بسورية يعتبر حيوياً للبنان، وأغلب البضائع اللبنانية التي كانت قبل عام 2011 المصدّرة إلى الخليج تمر عبر هذا المعبر.



لا تقتصر عقدة سورية كما باتت تعرف من الأروقة التي تشكل فيها الحكومة، على قرار الانفتاح، إذ من المتوقع أن يتحول هذا البند إلى بند متفجر في حال شُكّلت الحكومة ولم يتم الاتفاق حوله، خصوصاً أن بعض الشخصيات المحسوبة على النظام السوري في لبنان، باتت تردد ضرورة أن يتضمن البيان الوزاري المقبل بنداً يشير إلى العلاقة مع سورية.

وبعيداً عن العلاقة اللبنانية ــ السورية، وانتهاز فرصة تأليف الحكومة، والتغييرات الميدانية في سورية وتقدّم النظام وسيطرته على أكثر من منطقة كانت خاضعة للمعارضة، لإعادة العلاقة اللبنانية – السورية الى سابق عهدها، تقول المصادر إن "ثمة محاولات حثيثة لعودة نفوذ النظام السوري إلى الداخل اللبناني، وذلك عبر كتلة نيابية أفرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة وتضم وجوهاً محسوبة مباشرة على النظام السوري. ووفق ما تقول المصادر، فإن العقدتين السنية والدرزية، مرتبطان أساساً بمحاولة توزير شخصيات من النواب المحسوبين على النظام السوري، الذي يسعى إلى حصة وزارية، بعد الحصة النيابية.

حتى الخلاف بين وزير الخارجية جبران باسيل ورئيس الحكومة سعد الحريري حكومياً، لا يبدو بعيداً عن العقدة السورية، خصوصاً أن الحريري كان وصف باسيل بأنه "صديق" خلال الانتخابات النيابية الأخيرة، ومنحه أصوات أنصار تيار "المستقبل" في دائرة باسيل (البترون)، لكن الخلاف الحكومي يعزوه البعض إلى محاولات باسيل الحثيثة الانفتاح على النظام السوري، عبر أكثر من ملف شائك بين البلدين، من دون رضى الحريري، فيما لم يفلح اللقاء الأخير بينهما في رأب هذا الصدع.

وإن كانت العقدة السنية وكذلك الدرزية مرتبطتين بالعقدة السورية، فإنه اصطلاحاً يمكن إطلاق اسم العقدة السعودية على العقدة المسيحية، وبدرجة أقلّ على العقدة الدرزية، خصوصاً أن ثمة من يعتبر أن الحصة الوزارية لـ"القوات" و"اللقاء الديمقراطي"، هي مصلحة سعودية، بما أن الطرفين باتا أقرب إلى المملكة منذ الاستقالة الأخيرة للحريري من الرياض، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وما تلاها من جفاء بينه وبين المملكة.
عموماً، يبدو أن الانتظار الحكومي سيطول، مستنداً إلى جملة من المعطيات الإقليمية، التي تقول المصادر إنها لم تنضج بعد، وعند نضوجها تزول العقد الداخلية وتصبح تفصيلاً، فالمشهد اليوم لا يختلف لا بعقده الداخلية، ولا بارتباطاته الإقليمية، عن السابق، والكباش الذي يسبق تأليف أي حكومة لبنانية.