لقاءات اليوم والغد في جنيف "تشاورية"، يُحاول دي ميستورا خلالها، وخلال لقاءاته بعد أسبوع مع ممثلي الدول الخمس، التوصّل إلى "توافقٍ"، للحيلولة دون بروزِ خلافات بين الأطراف مستقبلاً، تعرقل مساعيه لتشكيل اللجنة الدستورية، التي يبدو أنه يُعوّل على أنها ستكون نقطة ارتكازٍ جوهرية، تُبنى عليها خطوات مهمة، ضمن الحل السياسي في سورية.
وبينما يبدأ دي ميستورا اليوم "اللقاءات التشاورية" في جنيف، فإن المُلاحظ أنه جزّأ هذه اللقاءات، لدول مسار "أستانة" من جهة، التي يلتقيها اليوم وغداً، ولدولٍ خمسٍ مؤثرة في سورية، لكنها ليست داعمة تماماً لذاك المسار، ويلتقي بمسؤولين عنها الاثنين المقبل. وبين هذين اللقاءين في جنيف، تستعدّ "الهيئة العليا للمفاوضات" السورية أيضاً، لعقدِ اجتماعٍ "تشاوري" بين أعضائها في الرياض، يوم الأحد المقبل، ويهدف، بحسب ما صرح مصدرٌ في "الهيئة" لـ"العربي الجديد"، إلى "بحث آلية اختيار الشخصيات التي ستمثّل المعارضة السورية في اللجنة الدستورية"، نافياً أن تكون "الهيئة" المنبثقة عن مؤتمر "الرياض 2" للمعارضة السورية، قد اختارت حتى الآن أسماء الشخصيات التي ستُمثلها في "اللجنة الدستورية".
وقال المصدر ذاته، الذي طلب عدم ذكر اسمه كونه "غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام"، إنّ "الإشكالية التي تُعرقل تسمية ممثلي المعارضة السورية حتى الآن، هي في أن المعارضة بأطيافها كافة سيكون عليها تقديم خمسين اسماً تُمثّلها، لكن أحزاب أو تجمعات المعارضة، ليست متوافقة بالكامل في الرؤى، فهناك خلافات حادة بين هيئة المفاوضات مثلاً ومنصة موسكو، كما أنّ جماعة أحمد الجربا (رئيس تيار الغد السوري المعارض ورئيس الائتلاف السوري سابقاً)، غير متوافقة مع الهيئة العليا، والأمر ذاته ينسحب على تيار هيثم مناع (رئيس تيار قمح)". وتعمل "الهيئة العليا"، بحسب المصدر، على اختيار قائمة شخصيات لـ"اللجنة الدستورية" بحيث تكون من خبراء القانون الدولي والقانون الدستوري، وشخصيات سياسية "اكتسبت خبرة طويلة في اللقاءات الدولية المُختلفة حول سورية".
وكانت تقارير عدة قد تحدّثت خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية، عن أنّ المعارضة جهّزت نحو 100 اسم لتقديمها إلى دي ميستورا، بحيث يكون لـ"الهيئة العليا" نحو خمسين، والرقم نفسه لتيار مناع ومنصة موسكو وتيار الجربا. غير أنّ رئيس وفد المعارضة إلى "أستانة"، أحمد طعمة، قال إنّ قائمة المعارضة لـ"اللجنة الدستورية" ستُسلّم لدي ميستورا عن طريق تركيا فقط، كونها الدولة الضامنة للمعارضة في "أستانة"، مشيراً، خلال تصريحات صحافية، إلى أنّ آلية تسليم الأسماء لدي ميستورا، تتم عن طريق الدول الضامنة في "أستانة" لا غير.
وتبلغ حصّة المعارضة مجتمعة بالمحصلة خمسين اسماً فقط، وهو الرقم نفسه الذي قدّمهُ النظام لروسيا وإيران، اللتين قدمتا اللائحة لدي ميستورا. وسيقوم الأخير باختيار قائمة من الشخصيات السورية "المُستقلة"، ويفترض أنّها تبلغ خمسين أيضاً. وكان النظام قد قدّم منذ نحو أسبوعين، قائمة بخمسين اسماً تُمثّله في "اللجنة الدستورية"، وتألّفت بشكل خاص من أعضاء وفده التفاوضي إلى جولات "جنيف"، ما عدا رئيسه بشار الجعفري، ومن بين الأسماء أحمد عرنوس وأمجد عيسى وأحمد كزبري، وخالد خزعل وأمل اليازجي، وحسن الأطرش، وصفوان القربي، ورضوان إبراهيم، وغيرهم. ومن المرجّح كذلك، أن تضم قائمة المعارضة أسماء أبرز الشخصيات التي شاركت بجولات "جنيف".
وتصدّرت مسألة "اللجنة الدستورية"، التي تُعتبر من مُخرجات مؤتمر "سوتشي" الذي عقد في أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي، واجهة الأخبار في سورية. فبينما تعوّل بعض التيارات السورية عليها، كونها قد تفتح باباً مهماً في الحلّ السياسي، لا تنظر وجهاتٍ نظر أخرى من المعارضة والنظام، بارتياحٍ لها. فالنظام، وعلى مدار السنوات السبع الماضية، ثمّ منذ أن بدأ بحث مسألة الدستور في جولات "جنيف"، كان يرفض دائماً أي تغييرٍ أو تعديلٍ في الدستور، مُعتبراً أن هذه المسألة "سيادية" لا يُمكن بحثها خارج "قبة البرلمان"، قبل أن يرضخ لاحقاً بضغوطٍ روسية، ويُبدي مرونة في الانخراط بـ"اللجنة الدستورية" الحالية.
أمّا بعض أحزاب وتيارات المعارضة السورية كـ"الائتلاف الوطني" و"الهيئة العليا للمفاوضات" المنبثقة عن مؤتمر "الرياض 1"، فكان وضع دستورٍ جديدٍ للبلاد مطلباً لها، رافضة قبول إجراء تعديلاتٍ في الدستور القائم حالياً، الذي تمّ وضعه سنة 2012، لكون القبول به يُعتبر "شرعنة" للنظام.
وتبدي أطيافٌ واسعة في المعارضة السورية تخوّفاً من "اللجنة الدستورية" التي يعمل دي ميستورا على تشكيلها، لكون الغموض الذي ما زال يكتنف آلية عملها لاحقاً، وستفضي بالمحصلة إلى كتابة دستور جديد، أو إجراء تعديلاتٍ على الدستور الحالي. وفي هذا الإطار، يقول الناشط السياسي السوري محمد رشيد الحمصي، إن "هذه اللجنة الدستورية وما سيتمخّض عنها، فُصّلَ في روسيا، على أساس أنّ حلّ خلاف الدستور هو قضية جوهرية في سورية، وبهذا يكون قد تم الالتفاف والمناورة بل والقضاء على فكرة هيئة الحكم الانتقالية، كما نصّ جنيف 1، وكذلك تم الالتفاف على قرار مجلس الأمن 2254"، معتبراً أنّ "قبول المعارضة المشاركة في اللجنة وتعديل الدستور أو كتابة دستور جديد، يعني أنّها وافقت فعلياً على عملية تشاركية مع النظام، الذي يناور في الوقت والتفاصيل، للتخلّص من أي معارضة له مهمها كانت معتدلة".
ويرى الناشط السياسي، أنّ "اللجنة الدستورية تعني القضاء تماماً على فكرة الانتقال السياسي، وأخطر ما في الموضوع أن أغلب المعارضة السياسية باتت ضمنياً تُشرعن النظام السوري، بذريعة الواقعية السياسية، بل وتبدي مرونة في عملية تشاركية معه، وهذا انتصارٌ للنظام الذي يبحث عن استعادة شرعيته".
وكان مؤتمر سوتشي الذي رعته كل من روسيا وإيران وتركيا، وشاركت به الأمم المتحدة ممثلة بالمبعوث الدولي، قد فوّض دي ميستورا بتشكيل "لجنة الإصلاح الدستوري" وتحديد مرجعيات وآليات عملها، خلال اجتماعاتها المقررة في جنيف بإشراف الأمم المتحدة.