الأردن: حكومة الملقي ستنال ثقة البرلمان وتخسر الرضى الشعبي

09 أكتوبر 2016
أصوات شعبية تطالب بإسقاط هاني الملقي (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -
يبعث تاريخ الحكومات الأردنية الطمأنينة في نفس أي رئيس وزراء يتحضر لخوض اختبار الحصول على ثقة مجلس النواب بوزارته، إذ لم يسجل التاريخ السياسي للمملكة أن حجب أي من المجالس النيابية المتعاقبة الثقة عن أي من الحكومات المتعاقبة، مع أن تاريخ المملكة يسجل لحكومة سمير الرفاعي (الجد) التي تشكلت في عام 1963، انسحابها من المعركة مقدمة استقالتها قبل يوم واحد من التصويت على طلب الثقة، وذلك عندما علم رئيسها أن 23 نائباً من أصل 60، عدد أعضاء المجلس في حينها، قرروا حجب الثقة عن حكومته. إلا أنه فضل عدم الاستمرار بسبب غياب أفق للتعاون مع مجلس النواب وليس عجزاً عن إمكانية الحصول على ثقته.

إذاً، الذاكرة التاريخية للسياسة الأردنية الخالية من حجب الثقة تكفي لطمأنة رئيس الوزراء الأردني المكلف، هاني الملقي، والذي أقسمت حكومته الثانية اليمين الدستوري أمام الملك عبدالله الثاني، في 28 سبتمبر/أيلول الماضي، بعد ثمانية أيام من انتخاب مجلس النواب الثامن عشر في عمر البلاد.

تاريخ الثقة لا يبدو كافياً للرئيس الذي تعالت الأصوات الشعبية والحزبية في الشارع الأردني مطالبة بإسقاطه حتى قبل أن يشكل حكومته الثانية. وأثارت آلية تشكيلة الحكومة نقمة العديد من أعضاء مجلس النواب المنتخب حديثاً لتجاهله مشاورة النواب في التشكيلة الحكومية، بعدما تراجع الملك عن تجربة المشاورات النيابية اليتيمة التي طبقت في عام 2013 في تسمية رئيس الحكومة.

والحذر الكبير الذي انتهجته حكومة الملقي الأولى التي كلف بتشكيلها في 29 مايو/أيار الماضي في أعقاب حل مجلس النواب السابع عشر، لم يساهم في تفادي الرجل، والذي أعيد تكليفه بتشكيل حكومة ثانية في 25 سبتمبر/أيلول الماضي، غضب الشارع الأردني وغضب ممثليه في البرلمان. وخلال وقت قياسي، انفجرت في وجهه ملفات مثيرة تتكفل بالإطاحة بأي حكومة لو تعامل مجلس النواب انسجاماً ونبض الشارع الغاضب، والذي تشير مؤشرات حركته إلى أنه لن يهدأ قريباً.

وهناك على طاولة الثقة بالحكومة ثلاثة ملفات كبيرة لا يمكن تجاوزها. اثنان منها يتصلان بمزاج الشارع الأردني وهما: اتفاقية استيراد الغاز من إسرائيل، وتعديل المناهج المدرسية، واللذان يشكل تجاوزهما من قبل أعضاء المجلس مغامرة بسمعتهم أمام قواعدهم الانتخابية تمتد حكماً إلى صورة مجلس النواب. والملف الأخير هو تجاهل النواب في تشكيل الحكومة بعدما جرى تهميشهم عن المشاركة في اختيار رئيسها بشكل ترك انطباعاً لدى اللاعبين السياسيين بأن جميع وعود السير باتجاه الحكومة البرلمانية لم تكن سوى وهم.

يرى المراقبون في توقيت الإعلان عن التوقيع على صفقة استيراد الغاز من إسرائيل، حرصاً حكومياً على ضمان مرور آمن للاتفاقية أكثر من الحرص على توفير مرور آمن في جلسة الثقة أمام مجلس النواب. ودُرِسَ التوقيت وحدد بعناية فائقة، وجاء بعد استقالة حكومة الملقي الأولى وقبل تشكيل حكومته الثانية، وبوجود برلمان منتخب حديثاً دون أن ينعقد، وفي لحظة انشغال الشارع الأردني بتداعيات الانتخابات النيابية. "عبقرية" التوقيت لم تمنع التحرك الشعبي الضخم، المناهض لاتفاقية الغاز التي وقّعت. ولا تزال النقمة في أعلى مستوياتها بعد استشهاد الشاب، سعيد العمرو، والذي اغتالته مجندة إسرائيلية في مدينة القدس يوم الجمعة 16 سبتمبر/أيلول الماضي، ودفن في مسقط رأسه بمدينة الكرك الأردنية قبل يوم من الانتخابات النيابية.

في هذا السياق، استفاد النواب المنتخبون حديثاً من الضغط الشعبي المطالب بإلغاء اتفاقية الغاز بعد توقيعها رسمياً، ومن التحركات التي جاءت استمراراً للحملة التي انطلقت منذ الإعلان عن توقيع خطاب نوايا بين شركة الكهرباء الوطنية المملوكة بالكامل للحكومة الأردنية في سبتمبر/أيلول 2014 وشركة "نوبل إنيرجي" المشغلة لحقل ليفياثان الإسرائيلي. وشن عدد من هؤلاء النواب هجوماً مبكراً على الحكومة، متعهدين بمحاسبتها تحت قبة البرلمان الذي صدرت الإرادة الملكية بانعقاده في 7 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وكما تفاعل النواب المتحمسون مع ملف صفقة الغاز، تحرك آخرون منهم على وقع ملف تعديل المناهج المدرسية. وهذا الملف حوّل الأردن إلى ساحة صراع بين وزارة التربية والتعليم التي قادت التعديلات المثيرة، وبين الإسلاميين الذين انتفضوا من أجل رفضها بعدما قدموا مطالعة خلصوا فيها إلى أن التعديلات تمثل اجتثاثاً للدين الإسلامي وانتهاكاً للثوابت الوطنية والقومية، وبين العلمانيين والتنويريين الذين يرون في التعديلات فعلاً خجولاً ويطالبون بالمزيد. ومعركة المناهج التي شغلت الرأي العام، وجدت "زبائن" من النواب الجدد، والذين انحاز العديد منهم إلى رفض التعديلات أمام التزامهم بمرجعيتهم الفكرية على غرار كتلة "التحالف الوطني للإصلاح" المكونة من نواب حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، والمتحالفين معهم. وانخرط نواب آخرون في رفض المناهج التزاماً منهم بتوجهات السواد الأعظم من قواعدهم الانتخابية. وكما هو الحال في صفقة الغاز، تعهد النواب بمحاسبة الحكومة تحت قبة البرلمان.

ويمكن الاستنتاج بأن محاسبة الحكومة على الملفين الإشكاليين طبقاً لتعهدات النواب، تعني ضمنياً أن إمكانية المحاسبة ستكون في "يوم الثقة" الذي سيمثل أول احتكاك عملي بين المجلس المنتخب والحكومة المشكلة. ووفقاً للدستور الأردني، فإن الحكومة ملزمة بتقديم بيانها الوزاري وأن تطلب الثقة خلال شهر من تاريخ انعقاد المجلس. وينص الدستور على أن الحكومة تحصل على الثقة إذا صوتت لصالحها الأغلبية المطلقة (النصف+1) من أعضاء مجلس النواب. وهو ما يعني أن حكومة الملقي تحتاج إلى أن يمنحها الثقة 66 نائباً من أصل 130 نائباً يتشكل منهم البرلمان. وهذا الرقم لا يبدو مستحيلاً لكنه لن يكون سهلاً من دون تقديم تنازلات وعقد تفاهمات وصفقات في الغرف المغلقة، تقول مصادر نيابية إنها بدأت بالفعل.

وتساهم التنازلات والصفقات السرية بين البرلمان والحكومة بتجاوز النواب تجاهلهم من قبل الملقي في مشاورات تشكيله حكومته الثانية التي جاءت بعد انتخابهم وقبل انعقادهم. وتجاهل آثار انزعاج النواب المحسوبين على خط الموالاة وكذلك أولئك المحسوبين على خط المعارضة. كما أن صفقات الغرف المغلقة تساهم في التقليل من توتر النواب الذين انتقدوا تراجع الملك عن تجربة المشاورات النيابية في تسمية رئيس الحكومة، والتي روج لها كمقدمة على طريق تشكيل الحكومات البرلمانية. وهي تجربة كانت قد طُبّقت في عام 2013، عندما سمى مجلس النواب المنتخب حديثاً آنذاك، رئيس الوزراء من بين أسماء حددها الديوان الملكي.

على الرغم من كل ذلك، يبقى أمام رئيس الحكومة وقتٌ كافٍ لتفكيك الملفات الكبيرة للنجاح في اختبار الثقة. وهو يطمح، كما يقول مقربون منه، إلى اجتيازه بنتيجة باهرة. لكنه نجاح له محاذير كبيرة ليس أولها استمرار العلاقة بين مجلس النواب والحكومة ضمن نسق التوتر وغياب التعاون الذي ساد. وليس آخرها استمرار الصورة النمطية لمجلس النواب لدى غالبية الشعب الأردني كمجلس فاقد للشرعية.