انتهاء جنيف2: المعارضة السورية تتفادى أفخاخ دي ميستورا والنظام

24 مارس 2016
سلّم دي ميستورا الوفدين ورقة بالنقاط المشتركة(مارتيل ترازيني/فرانس برس)
+ الخط -
تنهي المعارضة السورية والنظام، اليوم الخميس، الجولة الثانية من المفاوضات السورية في مدينة جنيف السويسرية، بعد تسليم المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا للوفدَين ورقة مشتركة تتضمن النقاط المشتركة، والتي تنصّ على وحدة سورية أرضاً وشعباً، والحفاظ على السيادة الوطنية، للموافقة عليها في الجولة المقبلة غير المحددة. كما استطاعت المعارضة تقديم مشروع كامل حول مستقبل سورية، معوّلة على اللقاءات الروسية الأميركية لإنهاء الصراع في سورية. يأتي ذلك، في ظلّ إصرار النظام على إفراغ المحادثات من مضمونها عبر تحريفها عن مسارها الأساسي، ألّا وهو بيان جنيف. كما يسعى إلى تحويلها لشأن داخلي سوري، يقود النظام القائم الإشراف على مخرجاته متبنّياً الطرح الإيراني بإنشاء "حكومة وحدة وطنية" من دون الاقتراب من "مقام الرئاسة". يُضاف إلى هذا المسعى، محاولة تأجيلها أطول فترة ممكنة، وسعيه لأن تكون على أقل تقدير بعد الانتخابات التشريعية التي أقرها، في 13 أبريل/ نيسان المقبل. 

في المقابل، تسعى المعارضة للإسراع بالحل السياسي القائم، عبر إنشاء "هيئة حكم انتقالي" لا وجود للرئيس السوري بشار الأسد فيها، مستفيدة من التوجه الدولي العام الذي يسير باتجاه الحلّ السياسي، ومن ضغط موسكو على النظام بعد سحب القسم الأكبر من القوات الروسية من سورية. كما تستغل المعارضة محاولة حثّ الدول الكبرى، وفي مقدمتها كل من الولايات المتحدة وروسيا على استصدار قرار ملزم من مجلس الأمن، يقضي بإلزام طرفَي التفاوض بالوصول إلى صيغة حل سياسي ضمن جدول زمني محدّد للانتقال السياسي.

وتحاول المعارضة إقناع الروس بأخذ دور أكثر حيادية في سبيل الوصول لحل سياسي في سورية يضمن مصلحة السوريين جميعاً، وليس مصلحة النظام. ويقول المتحدث الرسمي باسم "الهيئة العليا للمفاوضات"، سالم المسلط، لـ"العربي الجديد"، إننا "نعوّل على الولايات المتحدة وروسيا خلال اجتماع وزيرَي خارجيتَيهما (جون كيري وسيرغي لافروف)، في موسكو، لبعث رسالة قوية لنظام الأسد، للانخراط بجدية في العملية السياسية".

ويضيف المسلط أن "هناك علاقة عضوية بين ما يحدث في موسكو، وما يجري في جنيف". ويشير المسلط إلى أن وفد المعارضة السورية يطمح لأن تقوم موسكو بدور إيجابي في حماية الشعب السوري، مشدداً على أن الهجمات التي ضربت عواصم أوروبية، وآخرها بروكسل؛ تُوجّب تسريع العملية السياسية في جنيف. ويلفت المسلط إلى أن "الشعب السوري عانى طويلاً من الإرهاب، ويحتاج لحلّ دائم وليس مؤقتاً"، على حدّ تعبيره.

وحاولت المعارضة السورية خلال الجولة الأخيرة من المفاوضات الهروب من الأفخاخ التي وضعها المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، في الأسئلة التي وجهها للطرفَين، في آخر جلسات الأسبوع الماضي، وقدّمت رؤيتها الكاملة لمشروع سورية المستقبل. ويوضح مصدر مطلع لـ"العربي الجديد"، أن "المعارضة قدّمت رؤيتها الكاملة والتفصيلية للمرحلة الانتقالية وما بعدها من مبادئ وقوانين وآليات تنفيذ"، مضيفاً أن "المرحلة الانتقالية تعتمد على تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات تضمن تحقيق الانتقال السياسي الحقيقي لتهيئة الظروف والبيئة المناسبة لبناء سورية الجديدة". ويعتبر المصدر أنّ "تقديم المشروع كاملاً من قبل المعارضة السورية يقطع الطريق على دي ميستورا الذي يحاول التحكم بالهدف النهائي للانتقال السياسي، عبر التحكم بجزئيات المفاوضات والتقدم بها بخطوات بطيئة"، وفقاً للمصدر ذاته.

اقرأ أيضاً: لقاءات موسكو حول جنيف السوري لاستصدار قرار دولي جديد

ويشير هذا المصدر إلى أنّ تركيز المعارضة على هيئة الحكم الانتقالية، يأتي تفسيراً لسؤال دي ميستورا حول مفهومهم لمصطلح "الحكم" أو "الحوكمة". فالحكم هو التنفيذ للآليات والقوانين وممارسة تطبيق السياسات. بينما الحوكمة، هي مجموعة القوانين التي تعمل من خلالها أجهزة الدولة وتضبط شكل الدولة ومسار الحكم.

كما نجحت المعارضة، بحسب مراقبين، في تجنّب أفخاخ النظام الذي حاول جرّها للدخول في تفاصيل لا علاقة لها بغاية المفاوضات. كما سعى إلى استفزازها للقيام بردّات فعل تظهرها بشكل الخارجة عن الشرعية الدولية، سواء من خلال الطروحات اللامنطقية التي قدّمها في جنيف، أو عبر خرقه هدنة وقف الأعمال العدائية، وزيادته عدد المناطق التي يحاصرها.

وجاءت اعتداءات العاصمة البلجيكية بروكسل لتزيد من وعي المجتمع الدولي لضرورة إيجاد حل سياسي في سورية، والتي يعدها الغرب مصدراً أساسياً للمجموعات المتشددة. الأمر الذي تحاول المعارضة استثماره في دفع الأطراف الدولية لإجبار النظام على الامتثال لبيان جنيف، ووضع صيغة حل تنهي الصراع في سورية لصالح التفرغ لـ"محاربة الإرهاب". على الطرف الآخر، يحاول النظام استثمار هذا الحدث في تسويق نفسه كـ"محارب للإرهاب"، وأن أية صيغة للحل في سورية في هذا التوقيت ستزيد من الفوضى بسبب عدم وجود بديل للنظام يتمكّن من ضبط الأوضاع في حال رحيله. وبالتالي يركّز النظام على تصوير المعارضة على أنها مجموعة معارضات مختلفة في ما بينها، من خلال زج شخصيات وهيئات محسوبة عليه على أنها معارضة.

ويوضح رئيس الوفد المفاوض، أسعد الزعبي لـ"العربي الجديد"، أنّ "الوفد قدّم ثلاث وثائق للمبعوث الأممي، وهي القضايا الإجرائية، والمبادئ الأساسية للعملية السياسية، بالإضافة إلى ورقة خاصة بحيّ برزة (شمال دمشق) الذي يحاصره النظام ويضيّق الخناق عليه في محاولة منه لعقد هدنة خارج إطار الهدنة الشاملة". ويضيف الزعبي "لمسنا جدية واضحة من الأمم المتحدة في مسألة الانتقال السياسي"، داعياً وزيرَي الخارجية الأميركي جون كيري، ونظيره الروسي سيرغي لافروف إلى بعث رسالة واضحة للنظام السوري للدخول بشكل جاد في العملية السياسية. ويشير الزعبي إلى أن "الهوّة كبيرة بين مطالبنا ومطالب وفد النظام نتيجة تمسّكه بمنصب بشار الأسد".

وبحسب معلومات خاصة لـ"العربي الجديد"، فإن دي ميستورا قدّم ورقة مشتركة للوفدَين للموافقة عليها، يوم الثلاثاء الماضي، تتضمن النقاط المشتركة والمتفق عليها التي تمّت مقاطعتها في أوراق ردّ كل وفد على أسئلة المبعوث الأممي، السابقة. ونصّت النقاط المشتركة، بحسب المصدر ذاته، على وحدة سورية أرضاً وشعباً، والحفاظ على السيادة الوطنية، مضيفاً أن المعارضة التقت دي ميستورا، أمس الأربعاء، بوفد مصغّر لتسليم جوابها. كما يؤكد المصدر أن المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، التقى دي ميستورا، أمس، لبحث وتقييم الجولة الثانية للمفاوضات، بعدما كان التقى ممثلين عن أصدقاء الشعب السوري، وعبّروا لحجاب عن "سعادتهم بالتفاعل الإيجابي للمعارضة مع العملية السياسية خلال الجولة الثانية"، وفقاً لهذا المصدر.

وفي ما يخصّ الورقة المشتركة، قال رئيس وفد النظام، بشار الجعفري، إن الحكومة السورية ستراجع الوثيقة وستقرر موقفها إزاءها مع بداية الجولة المقبلة من المفاوضات. وأضاف، في مؤتمر صحافي، بعد اجتماعه بالمبعوث الأممي، أن الحكومة تلقت رسالة وستدرسها بعد عودة الوفد إلى دمشق. وأضاف أن الوثيقة ستخضع للدراسة بعناية وسيتم الرد عليها في بداية الجولة التالية من محادثات السلام.

اقرأ أيضاً المسلط لـ"العربي الجديد":نعول على لقاء موسكو للضغط على الأسد

المساهمون