جنيف8 السوري... التفاوض خارج حسابات النظام

07 ديسمبر 2017
فشل دي ميستورا في تليين موقف النظام(فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -
تراوح مفاوضات جنيف بين المعارضة السورية والنظام، مكانها، في ظل مؤشرات على أن النظام لا يسعى فقط إلى عدم تحقيق هذه المفاوضات نجاحاً، بل يريد تقويضها وتحييد مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة بشكل كامل، ما دامت المعارضة مصرة على انتقال سياسي يمكن أن يفضي إلى خروج بشار الأسد من السلطة. ويهدد "تريث" النظام في عودة وفده التفاوضي إلى مقر المفاوضات، الجولة الثامنة من جنيف بالفشل الذريع، إذ بات من الواضح أن المفاوضات أصبحت خارج حسابات هذا النظام "المنتشي إعلامياً" بتقدّم قواته في شرقي البلاد، وهو ما يريد ترجمته تراجعاً سياسياً من قبل المعارضة التي تبدو مصرة على أنه لا مستقبل لسورية بوجود الأسد في السلطة.

ويتزامن ذلك مع استمرار استهداف النظام وحلفائه للغوطة الشرقية، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أطفال وإصابة مدنيين آخرين أمس بقصف مدفعي من قوات النظام على المنطقة، ليتخطى عدد القتلى المدنيين في الغوطة خلال ثلاثة أسابيع من القصف الـ180 قتيلاً، وفق بيان لـ"هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية" أمس، اعتبرت فيه أن الحملة على الغوطة "تؤكد من جديد أن النظام ليس في حالة تفاوض، وغير معني بأي حل سياسي، بل يريد تقويض أي مسار يمكن أن يفضي إليه"، داعية "للتطبيق الكامل للقرار 2254، من أجل إنقاذ نحو 400 ألف شخص تحاصرهم قوات النظام في الغوطة". وفي موازاة ذلك، يتواصل سقوط ضحايا على يد روسيا، إذ قُتل 21 مدنياً بعد منتصف ليل الثلاثاء-الأربعاء في قصف جوي روسي استهدف بلدة الجرذي على الضفة الشرقية لنهر الفرات في محافظة دير الزور، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.

في جنيف، عقد وفد المعارضة المفاوض أمس الأربعاء، لقاء مع الفريق الأممي، الذي قاده رمزي عز الدين رمزي، نائب المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، إثر تغيّب الأخير لـ"أسباب خاصة". وقال المتحدث باسم وفد المعارضة، يحيى العريضي، في تصريح، إن الاجتماع ناقش "عملية الانتقال السياسي بعمق، وبشكل واضح". ولفت إلى أن المعارضة "في حالة جادة تجاه العملية السياسية، مقابل انشغال الجانب الآخر (النظام) بأمور لا تتعلق بالسياسة، وإنما الاستمرار باستراتيجية ينتهجها من دون اكتراث بالإنسان السوري".

في المقابل، نقلت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام عن مصادر "غير رسمية في دمشق" قولها إن سفر وفد النظام إلى جنيف مرتبط بـ"تغيير المعارضة من خطابها وبياناتها المستفزة، ولا سيما تكرار الحديث بالشروط المسبقة وعودتها إلى ما قبل القرار الأممي 2254"، وفق الصحيفة. ويبدو أن جهود الموفد الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا فشلت في تليين موقف النظام الرافض للعودة إلى جنيف بسبب اعتراض الأخير على بيان الرياض2 الذي أصدرته المعارضة السورية والذي يشير إلى عدم القبول ببقاء الأسد و"زمرته" في المرحلة الانتقالية. وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، في تصريح من بروكسل أمس، إن واشنطن ترى أن من مسؤولية موسكو التأكد من مشاركة النظام السوري في مفاوضات جنيف.
من جهته، أعلن نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية ألكسندر جورجيني، في تصريح للصحافيين أمس أن بلاده "تدين غياب وفد النظام ورفضه الانخراط في المفاوضات بحسن نية للتوصل إلى حل سياسي"، معتبراً أن "هذا الرفض يُظهر استراتيجية التعطيل لعرقلة العملية السياسية التي يتّبعها النظام السوري المسؤول عن عدم إحراز تقدّم في المفاوضات". وأضاف أن على روسيا تحمّل مسؤولياتها باعتبارها أحد الداعمين الرئيسيين للأسد، حتى يشارك النظام في المفاوضات.

وذكرت مصادر سياسية مطلعة لـ"العربي الجديد" أن النظام يطالب بدعوة ما يسميها "المعارضة الداخلية" إلى مفاوضات جنيف، وهي "معارضة صنعها النظام نفسه من أجل خلط أوراق المعارضة السورية، ولا قيمة لها في الشارع السوري، فهي مجرد أحزاب كرتونية شكلتها أجهزة النظام الأمنية"، وفق المصادر.

وكان الموفد الأممي قد استأنف الثلاثاء الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف بعد توقف لأيام، وأجرى لقاء مع وفد المعارضة المفاوض في جنيف. وذكرت مصادر في وفد المعارضة لـ"العربي الجديد" أن اللقاء مع دي ميستورا في مبنى الأمم المتحدة كان "إجرائياً"، ولم يتم التطرق فيه إلى سلال التفاوض الأربع، وهي الحكم والدستور والانتخابات والإرهاب، مضيفة: "جرى نقاش عام حول انسحاب وفد النظام، وإمكانية عودته من عدمها". ورجّحت المصادر مغادرة وفد المعارضة جنيف الجمعة في حال تبيّن عدم نية النظام إرسال وفده لاستئناف التفاوض. وكان من المقرر أن تستمر المفاوضات ضمن الجولة الثامنة حتى منتصف الشهر الحالي، مع إمكانية إجراء مفاوضات مباشرة بين الوفدين. ولكن تعنّت النظام، وانسحاب وفده، ربما يقوّض هذه الجولة التي لم تحقق أي نتائج تذكر، بل زادت من الهوّة بين الوفدين، وقلّصت إلى حد بعيد الآمال بتحقيق اختراق من شأنه أن يعطي الشارع السوري أملاً في التوصل إلى حل.

ومن الملاحظ عدم الاهتمام الدولي بالجولة الثامنة من جنيف، ما يؤكد أن الحل السياسي المتوافق عليه إقليمياً ودولياً في سورية لم ينضج بعد. وفي هذا السياق، طالب نائب رئيس وفد المعارضة المفاوض جمال سليمان، المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته إزاء ما يقوم به النظام من تعطيل لمسار الحل السياسي، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد" أمس: "جئنا إلى جنيف وفق دعوة أممية للتفاوض على أساس القرار 2254 الذي وضعه المجتمع الدولي، ومن ثم على هذا المجتمع العمل على تطبيق قراراته". وأشار سليمان إلى أن أي حل سياسي لا يلبي طموحات الشارع السوري ليس له قيمة سياسية ولا يمكن له أن يصمد، مضيفاً: "مشكلة النظام ليست مع المعارضة السورية فحسب، بل مع ملايين المهجرين، وعشرات آلاف المعتقلين والمختفين قسرياً، ومع عشرات آلاف الأيتام"، معتبراً أن أي حل يجب أن يخرج فيه الشعب السوري منتصراً، وليس المعارضة أو النظام.

من جهتها، قالت هيئة التفاوض العليا التابعة للمعارضة السورية في بيان لها إن "جرائم الأسد في الغوطة الشرقية لدمشق تهدف إلى تقويض العملية السياسية"، مطالبة بـ"التطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي ينص في إحدى فقراته على الوقف الفوري لأي هجمات ضد المدنيين والمنشآت الخدمية والطبية، والسماح بدخول المساعدات إلى المناطق المحاصرة". وأشارت الهيئة إلى أن "الحملة الدموية على الغوطة تؤكد من جديد أن النظام ليس في حالة تفاوض، وغير معني بأي حل سياسي، بل يريد تقويض أي مسار يمكن أن يفضي إليه"، وفق البيان.


وفي موازاة ما يحدث في مدينة جنيف السويسرية، لا يزال ريف حلب الجنوبي يشهد اشتباكات بين قوات النظام والمليشيات الموالية لها، من جهة، والمعارضة "وهيئة تحرير الشام" من جهة أخرى، تركزت في قرى حجارة وعبيسان والرشادية وسط استهدافات متبادلة على محاور القتال، ومعلومات عن خسائر بشرية في صفوف الطرفين. وتحاول قوات النظام الوصول إلى مطار أبو الظهور العسكري شرقي إدلب، وقد عمدت إلى توسيع محاور القتال، إثر إخفاقها في تحقيق تقدّم في إطار المعارك التي تخوضها منذ مطلع الشهر الماضي.

كما تدور معارك مماثلة بين الطرفين في ريف حماة الشمالي تستهدف أيضاً من جانب قوات النظام الوصول إلى مطار أبو الظهور العسكري الذي تسيطر عليه "هيئة تحرير الشام" منذ عام 2015. وأكد قائد عسكري في الهيئة مقتل 20 عنصراً من قوات النظام خلال هذه الاشتباكات. ونقلت وكالة "إباء"، عن القائد في الهيئة، أبو الحسن فاروق، أن النظام بدأ هجومه قبل ظهر الثلاثاء بعد تمهيد ناري كثيف بالأسلحة الثقيلة وغارات جوية من الطيران الحربي.

وفي غرب العاصمة دمشق، نفت "غرفة عمليات جبل الشيخ" التابعة للمعارضة، سيطرة قوات النظام على تل شهاب من سلسلة تلال بردعيا الاستراتيجية بريف دمشق الغربي. وأوضحت الغرفة أن المعارك مع قوات النظام "كرٌّ وفر"، مشيرة إلى أن الأسبوع الماضي شهد تصعيداً عسكرياً لقوات النظام على المنطقة، "مما زاد من عبء المقاومة والتصدي لهذه الحملة الشرسة"، لافتة إلى أن قوات النظام خسرت خلال حملته على الريف الغربي، أكثر من 1200 عنصر، فضلاً عن تدمير عدد كبير من الآليات، والمدرعات.

في غضون ذلك، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس الأربعاء، أن قوات النظام ومليشيات تساندها "تمكّنت من تحقيق آخر تقدّم استراتيجي لها في غرب نهر الفرات في ريف دير الزور الشرقي"، مؤكداً سيطرة هذه القوات على كامل الجيب الأخير الذي كان متبقياً لتنظيم "داعش" بين منطقة عشائر في غرب البوكمال وشرق بلدة الجلاء. وأكد المصدر نفسه أن قوات النظام أنهت وجود التنظيم في كامل غرب نهر الفرات، في ريف دير الزور. وكانت "قوات سورية الديمقراطية" التي تتولى القيادة فيها الوحدات الكردية، أعلنت منذ أيام سيطرتها على كامل ريف دير الزور الشرقي الواقع شمال النهر. وفي حال صحت المعلومات الواردة تكون محافظة دير الزور باتت خالية من أي وجود لتنظيم "داعش"، ولم يتبق للتنظيم إلا مناطق متفرقة في البادية السورية إلى الجنوب من دير الزور، من المتوقع ألا تكون عملية القضاء عليه فيها صعبة على قوات النظام والمليشيات التي تدعمها، وتقاتل عنها في الكثير من المواقع.