تونس: نهاية عام صعبة على حكومة الشاهد

09 ديسمبر 2017
حكومة يوسف الشاهد مهددة بالسقوط (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

تمرّ حكومة، يوسف الشاهد، بسلسلة اختبارات متتالية ستجعل من نهاية هذا العام صعبة جداً عليها، بدءاً من انتظار نتائج التصويت على موازنة العام المقبل، مروراً بالأجواء المشحونة سياسياً، ووصولاً إلى انفراط عقد التحالف الحكومي بشكل واضح على الرغم من استمرار الجميع بالتظاهر، أن الوضع باق على حاله.
وعلى الرغم من أن الشاهد أصبح يتمتع بدعم غير خافٍ من المنظمة النقابية، الاتحاد العام التونسي للشغل، وكذلك بعض الأحزاب التي تعيد حساباتها وفق المتغيرات المنتظرة في المرحلة المقبلة، إلا أن وضع حكومته السياسي يبقى هشاً للغاية ما يجعلها مهددة بالسقوط مع أول عاصفة قوية.
وحذر "اتحاد الشغل"، في بيان له بمناسبة ذكرى استشهاد فرحات حشاد، أحد مؤسسيه الذين اغتالهم الاستعمار الفرنسي، من أن "الأزمة الخانقة التي تمرّ بها البلاد على المستوى السياسي والاجتماعي، تنبّئ بانفجارات اجتماعية". ولفت إلى أن "هذه الأزمة تستدعي منّا في الاتحاد أن نواصل أداء دورنا الوطني في إنقاذ تونس وإنقاذ تجربتها الديمقراطية الفتيّة".
وأكد البيان أن ذلك "لن يتحقق إلا باستقرار سياسي عبر استقرار التشريعات والقوانين أولاً، واستقرار أو استكمال أو تجديد المؤسّسات والهيئات والأجهزة ثانياً، وثالثاً فرض واقع سياسي تتصارع فيه الأحزاب على البرامج قبل المواقع وتختلف فيه على السياسات لا على المنافع والغنائم".
وصَف الاتحاد، عبر بيانه، واقعاً سياسياً يتميز بعدم الاستقرار وصراعاً بين الأحزاب على غير البرامج. أما تحذيره من الانفجارات الاجتماعية الممكنة فلا ينطلق من فراغ، خصوصاً أنه يمثل أهم مقياس لمعرفة نسبة التوتر الاجتماعي.

وتتجه مدينة سليانة إلى إقرار إضراب عام محلي يوم 13 ديسمبر/كانون الأول الحالي بهدف تسريع النظر بـ"ملف الرش" قضائياً وإدارياً من خلال التعويض للضحايا وإنهاء تدخل هيئة الحقيقة والكرامة في الملف. ويأتي الإضراب أيضاً على خلفية مطالبة المنطقة (من أفقر المحافظات التونسية) بحقوقها في التنمية والتشغيل.
وكانت مدينة سليانة شهدت في عام 2012 مواجهات بين الأمن ومتظاهرين حاول بعضهم اقتحام مقر المحافظة، فأطلقت قوات الأمن رصاصاً مطاطياً يعرف في تونس باسم "الرش"، ما أدى إلى إصابة متظاهرين وسكان لم يكونوا طرفاً في الأحداث، وعلى الإثر تحولت القضية إلى لجنة الحقيقة والكرامة وكذلك إلى القضاء العسكري. وفي الجلسة الأخيرة للهيئة احتج اتحاد الشغل على مخرجات الجلسة وقاطعها، ودعا بعد ذلك إلى إضراب في الجهة وإبعاد الملف عن الهيئة.

من جهته، يشهد قطاع التعليم الثانوي حالة من التوتر، إذ دخل الأساتذة في سلسلة تحركات بدأت بإضراب، يوم الاربعاء 6 ديسمبر، وتجمعات جهوية بمندوبيات التربية، إلى جانب تنظيم تجمع مركزي أمام مجلس نواب الشعب، خلال الأسبوع الأول، من عطلة الشتاء الممتد من 18 إلى 23 ديسمبر/كانون الأول الحالي.

وكان الكاتب العام لنقابة التعليم الثانوي، لسعد اليعقوبي، قد أكد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنهم قرروا جملة من التحركات والتجمعات في شهر ديسمبر لأسباب عدة، من بينها الوضع التربوي العام الذي يشهد العديد من الاختلالات ومنها وجود أقسام نهائية ومواد رئيسية من دون مدرسين إلى غاية اليوم، وهو أمر لم يحصل في تاريخ المؤسسة التربوية. ولفت إلى أنه لا وجود لأي نية للإصلاح وللنهوض بالبنية القديمة والمهترئة للعديد من المعاهد والمدارس. كما توقف عند الاعتداءات المتكررة على المدرسين والكادر التربوي. ووفقاً لليعقوبي فإن ميزانية 2018 تتضمن إشارات كثيرة تؤكد عدم جدية التعامل مع الوضع التربوي في تونس، لا سيما أنه لا يوجد أي بند مخصص لإصلاح هذا القطاع، بالإضافة إلى الإجراءات المجحفة التي تهدف إلى إثقال كاهل المدرسين والتي ستتخذها الحكومة في مجال الجباية، والمنتظر أن تنعكس على المربين، ما يعني تقلّص رواتبهم في 2018. وأشار إلى أن ما تم تحصيله من مكاسب مادية طيلة الأعوام الماضية من تحسين في الأجور والأوضاع المادية، سيتم استرجاعه من قبل الحكومة الحالية بمثل هذه الإجراءات.
بدوره أعلن كاتب عام الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، حسين بوجرة، أن الهيئة الإدارية للجامعة أضربت أول من أمس في كافة المؤسسات الجامعية والبحثيّة.
وشهدت ندوة "إصلاح المنظومة الجامعية"، يوم الأحد الماضي، توتراً شديداً بين الطلبة ووزير التعليم العالي بما ينبئ بتحركات طلابية قريبة.

لكن الاختبار الأبرز لحكومة الشاهد يبقى موازنة العام المقبل، إذ حذفت لجنة المالية في البرلمان، إلى حد الآن، 11 فصلاً من المشروع المقترح. وتتكون اللجنة من حزبي التحالف الكبيرين، النهضة ونداء تونس. وكان النائب محمد الفاضل بن عمران، رئيس كتلة النداء السابق، اعتبر في تصريح صحافي "أن مشروع قانون المالية لسنة 2018 لا يستجيب للتطلعات"، منتقداً ما اعتبره "غياب التناسق بين الخطاب الرسمي والإرادة الحقيقية في دفع جهود التنمية بالجهات". وأكد في تصريح ثانٍ أن مشروع قانون المالية قد تم تغييره وتعديله من طرف النواب، عبر إلغاء الفصول التي كانت تشكل مصدر قلق على غرار الفصل 42 المتعلق بزيادة الضرائب الجمركية، مؤكداً تعهد وزير المالية، رضا شلغوم، بتجميد الضرائب على القيمة المضافة. وهو ما يعني أن هذه الموازنة، التي أرادتها الحكومة لتنمية مداخيلها، ستصبح عرجاء وغير متوازنة.
وتلقى هذه الموازنة انتقادات كبيرة من أحزاب الائتلاف الحكومي، منظمة رجال الأعمال، وأطراف نقابية، بالإضافة إلى المعارضة طبعاً، ما سيحول الأيام المقبلة التي ستشهد نقاش البرلمان حولها لحظات صعبة للغاية على الحكومة، برغم أنه سيتم التصويت على الموازنة في نهاية الأمر، ولكن بعد تعديلات جوهرية ربما تفقدها أهدافها الأولية التي رسمتها الحكومة.

وتحولت الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب التونسي، مساء أول من أمس، من مناقشة بنود قانون المالية وموازنة الدولة للعام المقبل، إلى مشادات كلامية وتبادل للتهم والشتائم، انتهت بتبادل العنف بين النائب عن "الجبهة الشعبية" ورئيس لجنة المالية، منجي الرحوي، والوزير المتحدث الرسمي باسم الحكومة، إياد الدهماني. وسجل بهو القاعة للبرلمان تبادل شتائم وتدافعاً بالأيدي بين الرحوي والدهماني، سرعان ما تحولا إلى عنف مباشر لولا تدخل نواب من مختلف الكتل للحيلولة دون تمادي العنف بين الطرفين. وانطلق الخلاف بسبب اتهام الرحوي ممثل الحكومة بتعطيل أعمال البرلمان خلال محاولته التأثير على عملية التصويت على البند 36 من قانون المالية، الذي دار حوله خلاف كبير بسبب توظيفه معاليم جمركية على البضائع والسلع تركية المنشأ. وسعى الدهماني إلى الاتصال بنواب حزب "نداء تونس"، في وقت طالب فيه الرحوي باستئناف الجلسة ومواصلة التصويت. وخيّر رئيس الجلسة، عبد الفتاح مورو، النواب بين رفع الجلسة العامة وتعليق أشغالها بسبب توتر الأجواء، رافضاً فسح المجال لمداخلات تؤجج الخلاف وتكون بمثابة صب الزيت على النار، على حد تقديره. وعادت الجلسة في وقت متأخر ليصادق نواب المعارضة مع نواب "نداء تونس" على تمرير البند المتعلق بالترفيع في المعاليم الجمركية على البضائع تركية الصنع والمنشأ، في ظل تواصل انسحاب نواب حزب "النهضة" ومقاطعتهم، وبعد مغادرة الوزير المتحدث باسم الحكومة مقر البرلمان. كما لم يصدر حزب آفاق موقفه من الموازنة التي أبدى في شأنها تحفظات كبيرة، وكذلك منظمة رجال الأعمال التي قالت إنها ستعبر عن موقفها من القانون ومن وثيقة قرطاج بعد أيام، فيما عبر اتحاد الشغل عن عدم رضاه عن إسقاط بعض فصول الموازنة في اللجنة البرلمانية. زِد عليه موقف الاتحاد الأوروبي بوضع تونس في قائمة الدول التي تشكل ملاذات ضريبية وما سيترتب عليه من تداعيات كبيرة.


كل هذا يتزامن مع وضع سياسي صعب، تشير فيه أطراف كثيرة إلى وجود أزمة بين الرئاسة والحكومة، لم تعد مجرد أحاديث كواليس وإنما خرجت إلى العلن. واعتبر الرئيس السابق، المنصف المرزوقي، يوم الأحد الماضي، أنّ مجلس الأمن القومي (يشرف عليه رئيس الجمهورية) الذي كانت مهمته مقاومة الإرهاب أضحى حالياً "حكومة موازية". وهو ما يعكس وجود أزمة سياسية خطيرة بين رئاستي الجمهورية والحكومة، عنوانها الانتخابات الرئاسية في 2019، بحسب تعبيره.

وقال المرزوقي، خلال اجتماع شعبي نظمه حزبه بمدينة العالية في محافظة بنزرت شمال تونس، إنّ مهمّة "الحكومة الموازية" المذكورة تتمثّل في "قطع الطريق أمام طموحات رئيس الحكومة يوسف الشاهد لرئاسيات 2019، ما سيزيد من تعميق تداعيات أزمة البلاد"، حسب ما ذهب إليه.
بدوره، حذّر المجلس الوطني لحزب التكتل من أجل العمل والحريات من الإنحراف بمجلس الأمن القومي وإقحامه في العملية السياسية. وعبّر في بيان الدورة العادية للمجلس، الأحد، عن "انشغاله العميق بخصوص الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي السائد في البلاد" وتوقف عند "تواصل ضبابية الرؤية والاستهتار بالدستور والتنازع بين رأسي السلطة التنفيذية والحنين إلى النظام الرئاسي"، محذراً من "الانحراف الأخير بمجلس الأمن القومي وإقحامه في العملية السياسية".