وأشارت الرئاسة الجزائرية، في بيان، إلى أنّ الرئيسين، سعيد وتبون، سيبحثان ما يعرف بـ"صفقة القرن" والوضع في فلسطين المحتلة، حيث بدا الموقفان، الجزائري والتونسي، متقاربين إزاء رفض تام للصفقة وتصفية القضية الفلسطينية.
من جانبها، ذكرت الرئاسة التونسية أنّ الزيارة تعد "أول محطة في الزيارات الرسمية إلى الخارج، فضلاً عن كونها تمثل تنفيذاً لتعهد التزم به رئيس الجمهورية عند أدائه اليمين الدستورية في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2019".
وأضافت الرئاسة، في بيان، أنّ الزيارة "تندرج في إطار العلاقات التاريخية المتميزة القائمة بين البلدين، ما من شأنه أن يساهم في تعزيز التعاون بين الدولتين في العديد من المجالات الحيوية، كالطاقة والتجارة والاستثمار والنقل والسياحة، كما ستمثل فرصة لمزيد من التنسيق والتشاور حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، وفي صدارتها الوضع في ليبيا، وتطورات القضية الفلسطينية".
الأزمة الليبية
وتفرض الأزمة في ليبيا نفسها على أجندة الزيارة، خاصة بسبب مسألة الجغرافيا وتداعياتها على أمن البلدين، ويبدو الموقفان الجزائري والتونسي أكثر انسجاما، حيث يتفق البلدان على الاعتراف بشرعية وحيدة لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، وعلى ضرورة فرض حل سياسي واستبعاد الحل العسكري والاعتراض على هجوم اللواء خليفة حفتر على طرابلس والتدخلات الأجنبية.
كما يتفقان البلدان أيضا على عامل إدخال القبائل الليبية ضمن مسارات الحل السياسي، وفي تصريحات أخيرة للتلفزيون التونسي، قال الرئيس قيس سعيد إن "هناك متسعا من التفاهمات السياسية الرفيعة بين تونس والجزائر بشأن حل الأزمة في ليبيا، ورفضا مشتركا للحل العسكري وللتدخلات الأجنبية في البلد الجار".
وذكر سعيد أن "تونس والجزائر تتأثران بالأزمة الليبية، ولذلك نحن نشترك في نفس الموقف من حيث ضرورة الحل السياسي ورفض الحل العسكري ورفض التدخلات الأجنبية".
وحرصت الجزائر على مشاركة تونس في مؤتمر دول جوار ليبيا الذي عقد قبل أسبوعين في الجزائر، وتعتمد الأخيرة على تونس أيضا في دعم مقاربتها الداعية إلى إطلاق مسار حوار ليبي ليبي في الجزائر في وقت لاحق، ومحاصرة الموقف المصري الذي يصطف مع جيش حفتر.
ملف الأمن على الحدود
عدا ليبيا، يأتي ملف الأمن على الحدود بين البلدين تاليا، للأهمية القصوى التي تبديها الجزائر وتونس في مجال التعاون لملاحقة مجموعات إرهابية صغيرة تتبع تنظيم "القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي، وأخرى تتبع تنظيم "داعش"، وتتمركز هذه الجماعات في مناطق جبلية بجبل الشعانبي وجبل مغيلة على الحدود.
وإضافة إلى مشكلات الأمن على الحدود مع البلدين، تظل مسألة تنمية المناطق الحدودية، والعوز الاجتماعي لسكان المناطق الحدودية، ملفا مفتوحا في سجل العلاقات الجزائرية التونسية، من دون أن يتم تحقيق أي تقدم على هذا الصعيد، إذ تظل هذه المناطق تعاني من التهميش والإقصاء من برامج التنمية، وتتخبط في مشكلات النقل والماء والكهرباء والبنى التحتية للصحة والتعليم، برغم التعهدات والالتزامات الكثيرة التي أعلنتها الحكومات المتعاقبة في البلدين، عدا منطقة ساقية سيدي يوسف الحدودية، التي استفادت نسبيا من تموين مباشر بالغاز الجزائري لأسباب تاريخية، تتعلق بكونها منطقة شهدت، في فبراير/ شباط 1958، قصفا فرنسيا قتل فيه جزائريون وتونسيون.
ويفتح هذا الوضع الباب واسعا نحو بروز لافت لظاهرة التهريب، حيث يتم تهريب المنتجات الجزائرية إلى تونس عبر الحدود، خاصة الوقود والمواد المدعومة حكوميا، ويستنزف ذلك الاقتصاد الجزائري، وقدرت الحكومة الجزائرية خسائرها بسبب التهريب بمليار دولار أميركي سنويا، وتنتشر على الحدود شبكات منظمة تقوم بتهريب الوقود خاصة وإعادة بيعه على الأرصفة والطرقات في تونس.
وتقدر السلطات الجزائرية عدد السواح التونسيين الذين يعبرون إلى الجزائر للسياحة، وغالبا للتبضع بمليون ونصف المليون تونسي، فيما يعبر في المقابل أكثر من مليوني سائح جزائري للسياحة، وبدرجة أقل للعلاج في المصحات التونسية الخاصة، وبرغم ما يعلن عن مستوى العلاقات التاريخية والسياسية وارتفاع حركة التنقل بين البلدين، فإنه لا تتوفر في الوقت الحالي أية وسائل نقل عمومية برا بين الجزائر وتونس، إذ تم منذ أكثر من عقدين توقيف القطار الذي كان يؤمن التنقل بين البلدين ويصل إلى الحدود الأخرى مع المغرب.
وكان من المقرر أن يعاد إطلاق القطار في الثاني أغسطس/ آب 2017، لكن ذلك تأجل أيضا، وتمت محاولة تسيير حافلات نقل عام بين البلدين قبل سنتين، ويضطر الجزائريون والتونسيون إلى استخدام سياراتهم للعبور بين البلدين، أو السفر مع ناقلين يعلمون بطريق غير قانونية بين البلدين تبدي السلطات تساهلا معهم.
وتتوفر للرئيسين تبون وقيس سعيد، باعتبار أنهما تسلما السلطة في نفس الوقت، ويتبنيان نفس الخطاب التجديدي والمقاربات الإصلاحية، فرصة التخلص من ميراث سياسي وضع العلاقات الجزائرية التونسية داخل مربع مقاربة تاريخية (مرتبطة بساقية سيدي يوسف) وأمنية مرتبطة بمكافحة الإرهاب، ووضع تصور لتطوير العلاقات نحو نجاعة اقتصادية وتجارية، وإزالة العراقيل التي تحول دون تنفيذ سلسلة طويلة من الاتفاقيات، سواء الثنائية أو في إطار آلية الاتحاد المغاربي، حيث تم منذ عام 2006 الاتفاق على إنشاء ثلاث مناطق للتبادل التجاري الحر على الحدود، لكنه لم يجر تنفيذها حتى الآن، ما أبقى مستوى التبادل التجاري بين تونس والجزائر في حدود نسبة متدنية لم تتجاوز 1.01 في المائة، ولم يتجاوز بنهاية عام 2019 900 مليون دولار أميركي.
كما أخفقت الجزائر وتونس، بسبب لوبيات إدارية تخدم المصالح الغربية في البلدين، في تنفيذ تفاهمات "الاتفاق التجاري التفاضلي" الموقع عام 2008، والذي تأخر إصدار مراسيمه التنفيذية حتى عام 2013 ، وما زال معطلا حتى الآن، وهو ما يتضح جليا في الأزمة الأخيرة التي شهدتها تونس في منتج البطاطا، ما دفعها إلى توريد 300 طن من أوروبا وتركيا، فيما كانت تتوفر كميات فائضة في الجزائر وخاصة في منطقة واد سوف قرب الحدود مع تونس، وفي مقابل توفر فائض من الحليب في تونس، فيما تورد الجزائر الحليب من أوروبا بدلا من توريد الفائض المتوفر في تونس .
وفي 13 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلن الرئيس التونسي، عشية فوزه في الانتخابات الرئاسية الماضية، عزمه على تطوير العلاقات مع ما توصف في تونس "بالشقيقة الكبرى"، وكان من المقرر أن تتم هذه الزيارة قبل اليوم، لكنها أرجئت بسبب ظروف داخلية في البلدين، في الجزائر بسبب الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 ديسمبر الماضي وتداعياتها، وفي تونس بسبب مأزق تشكيل الحكومة.