وهذه الصلاحيات لا تبدو مطلقة بيد الرئيس العراقي، الذي ظل منصبه حبيس التوافقات السياسية ضمن قوالب المحاصصة في العراق، إذ شاع أن يكون رئيس البرلمان للقوى التي تقدم نفسها كممثل عن العرب السنة، ورئاسة الحكومة للقوى السياسية التي تقدم نفسها كممثل للعرب الشيعة، أما رئاسة الجمهورية فمن حصة الأكراد، وتحديداً حزب الاتحاد الكردستاني الذي احتكر المنصب بعد اتفاق مع غريمه التاريخي الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، بحصول الأخير على رئاسة إقليم كردستان مقابل الموافقة على أن تكون للاتحاد حصة الأكراد في رئاسة الجمهورية.
وبرهم صالح، الرئيس الرابع للعراق منذ العام 2003، بعد غازي عجيل الياور وجلال الطالباني وفؤاد معصوم، يقف اليوم أمام مرحلة، وصفها مراقبون بأنها كانت مُستبعدة الحصول كلياً من قبل أعضاء لجنة كتابة الدستور. وبموجب المادة 81 من الدستور، يكلّف رئيس الجمهورية في حال استقالة رئيس الوزراء، بترشيح بديل عنه في مدة أقصاها 15 يوماً، وفي حال انقضاء 30 يوماً تنتهي حكومة تصريف الأعمال ويتولى رئيس الجمهورية مهمة رئاسة الحكومة لمدة ثلاثين يوماً، وفي حال أخفق خلال هذه المدة في ترشيح رئيس حكومة جديد تدخل البلاد في فراغ دستوري كامل.
وقال الناشط العراقي، عضو التيار المدني في بغداد علي علاوي، لـ"العربي الجديد"، إن التظاهرات كسرت قاعدة "لا استقالة في العراق"، أو على طريقة نوري المالكي التي أعلن عنها في مؤتمر صحافي في نهاية ولايته الثانية، قائلاً "ليش أكو واحد يقدر ياخذها حتى ننطيها (وهل يمكن لأحد أخذها رئاسة الوزراء حتى نعطيها له؟)".
وأحيت التظاهرات مادة لم تكن في حساب واضعي دستور العام 2005 أنها ستستخدم في يوم من الأيام، وهي سيناريو استقالة رئيس الوزراء، حيث تم تحديد 15 يوماً لتسمية رئيس وزراء جديد، وأنيطت المهمة برئيس الجمهورية الذي يمكن له أن يتولى رئاسة الحكومة بعد مدة شهر من انتهاء المهلة، في حال تعذر اختيار رئيس وزراء جديد. وأضاف "عملياً الذهاب إلى هذا السيناريو وارد حتى الآن، لكن الظروف الحالية منحت منصب رئيس الجمهورية، الذي كان بمثابة منصب شكلي بالدولة العراقية، أهمية كبيرة".
وشكك الباحث في الشأن السياسي العراقي إياد الدليمي "في إمكانية أن تتوافق القوى السياسية على رئيس حكومة جديدة خلال الأيام المتبقية من عمر المهلة، وبالتالي قد نذهب إلى خيار أن يتولى صالح رئاسة الحكومة. ويبدو أن هذا الخيار حالياً مقبول لدول عدة، أبرزها الولايات المتحدة الأميركية، فالرجل (صالح) لديه قبول". وتابع "ستكون هذه المرة الأولى، في عراق ما بعد 2003، حيث سيكون دور رئيس الجمهورية محورياً أو مفصلياً بالعملية السياسية والمشهد عموماً في البلاد". وأعرب عن اعتقاده بأن "حجم التقاطعات بين الكتل هذه المرة كبير جداً، ومن المستبعد التفاهم، خلال هذه المهلة البسيطة، على رئيس للحكومة أو حتى شكل الحكومة، إن كانت انتقالية لمدة عام وبعدها نذهب إلى انتخابات مبكرة أو تكمل الدورة الانتخابية حتى منتصف العام 2022. لكن عملياً الذهاب لتولي صالح رئاسة الحكومة مؤقتاً أفضل من خيار التوافق على رئيس وزراء يستفز الشارع، ويؤدي إلى تأجيج التظاهرات بشكل أوسع، خصوصاً إذا أحس العراقيون بأن هناك مؤامرة أو محاولة تحايل عليهم من قبل الكتل والقوى السياسية". وكان مكتب رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي قد كشف عن خطاب رسمي موجه إلى الرئيس برهم صالح، مساء الثلاثاء الماضي، يعلمه فيه بقبول استقالة الحكومة ورئيسها عادل عبد المهدي ووجوب تقديم مرشح لرئاسة الوزراء خلال 15 يوماً.