التخوين بين النظام السوري والمقاتلين الأكراد: عدّ عكسي للصدام العسكري؟

20 ديسمبر 2017
الوحدات الكردية تسيطر على نحو ربع مساحة سورية(جون مور/Getty)
+ الخط -
فتحت تصريحاتٌ لرئيس النظام السوري بشار الأسد اتهم فيها جانباً من أكراد سورية بالخيانة، الباب واسعاً أمام احتمالات التصعيد الذي ربما يصل إلى حد الصدام المسلح بين النظام والوحدات الكردية التي تشكل مع فصائل أخرى ما يُعرف بـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، والتي لم تتأخر في الرد على تصريحات الأسد، واتهمته "بفتح أبواب البلاد أمام جحافل الإرهاب الأجنبي". 
وكان لافتاً أن رد "قوات سورية الديمقراطية"، وحزب الاتحاد الديمقراطي الذي يتخذ من الوحدات الكردية ذراعاً عسكرية له، وصل إلى حد اتهام بشار الأسد بـ"الخيانة"، وهو ما يؤكد أن العلاقة بين الطرفين باتت مرشحة لتصعيد كبير، ربما لن يحول دون وقوعه إلا الروس الذين يدعمون الأسد من جهة، والأميركيين الذين يدعمون الأكراد من جهة ثانية. وكان متوقعاً أن يقطع النظام الخيط الذي يربطه مع الوحدات الكردية مع انتهاء الحرب على تنظيم "داعش"، إذ لا يزال النظام يسعى إلى إعادة سورية إلى ما كانت عليه قبل 2011، حيث السيطرة المطلقة التي لا ينافسه عليها أحد.

وقد وَسَم بشار الأسد، المنضوين في "قسد"، التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، بـ"الخيانة"، إذ قال، مساء الإثنين الماضي، في تصريحات تلفزيونية عقب لقائه وفداً روسياً في دمشق: "كل من يعمل لصالح الأجنبي، خاصة الآن تحت القيادة الأميركية (....) كل من يعمل تحت قيادة أي بلد أجنبي في بلده وضد جيشه وضد شعبه هو خائن، بكل بساطة، بغض النظر عن التسمية، هذا هو تقييمنا لتلك المجموعات التي تعمل لصالح الأميركيين". ولم يسبق للأسد أن شنّ هجوماً على القوات الكردية التي تعمل بدعم من التحالف الدولي بهذه الطريقة، إذ لطالما اتهمت المعارضة السورية الوحدات الكردية بالتنسيق الكامل مع قوات النظام في المناطق التي تسيطر عليها، خصوصاً في محافظة الحسكة أقصى شمال شرقي سورية.
ولم يتأخر رد "قوات سورية الديمقراطية" على "القصف السياسي" المفاجئ من الأسد، فقالت، في بيان شديد اللهجة، إن الأسد اتهمها بالخيانة "لأنها قصمت ظهر الإرهاب في شمال سورية، وقلبت الطاولة على من كان يراهن على الإرهاب"، وفق البيان. وأشارت إلى أنها "لم تستغرب هذه التصريحات"، واصفةً نفسها بأنها "جيش وطني يحارب الإرهاب ويدحره في كل الميادين".
ولفتت "قسد" إلى أن الأسد وما تبقى من نظام حكمه، هم آخر من يحق لهم الحديث عن الخيانة، وتجلياتها. ومضت "قوات سورية الديمقراطية" في ردها قائلة إن هذا النظام هو المسؤول مباشرة عن إطلاق يد الفصائل الطائفية في البلاد، والتي عاثت فساداً في نسيج سورية، أرضاً وشعباً، وهذا النظام هو من فتح أبواب البلاد على مصراعيها أمام جحافل الإرهاب الأجنبي التي جاءت من كل أصقاع الأرض، كما أنه هو بالذات الذي أطلق كل الإرهابيين من سجونه ليلِغوا في دماء السوريين بمختلف تشعباتهم.

كما اعتبرت "قوات سورية الديمقراطية" أن النظام "ما زال يراهن على الفتنة الطائفية والعرقية ويتخدنق وفق هذه المعطيات". وأضافت "هو بذاته أحد تعاريف الخيانة التي إن لم يتصد لها السوريون سيؤدي بالبلاد إلى التقسيم، وهو ما لن تسمح به قواتنا بأي شكل من الأشكال". ويشير رد "قسد" إلى أنها اعتبرت تصريحات الأسد المباغتة نذير تصعيد عسكري تجاهها بعد انتهاء معركة النظام ضد تنظيم "داعش" في شرقي البلاد. ويتوقع أن يحاول النظام استعادة المناطق التي تقع تحت سيطرة هذه القوات، خاصة في دير الزور والرقة. وأثارت تصريحات الأسد حفيظة حزب الاتحاد الديمقراطي، المعروف اختصاراً بـ(ب ي د)، وهو يعد من أكبر الأحزاب الكردية في داخل سورية ويتخذ من الوحدات الكردية ذراعاً عسكرية له. واعتبر مستشار الرئاسة المشتركة لحزب "الاتحاد الديمقراطي"، سيهانوك ديبو، أن تصريحات الأسد "كلام في الهواء، وحديث منْ دون تأثير". ولفت في منشور له على موقع فيسبوك إلى أن "ما قاله بشار الأسد محاولة فاشلة لقطع الطريق على الحل الديمقراطي للأزمة السورية". وأعرب ديبو عن قناعته بأن تصريحات الأسد "مهادنة مع الاحتلال التركي". واعتبر أن نظام الأسد "لا شرعي" ويتحمل مسؤولية دمار سورية وقتل مئات الآلاف من السوريين مع من يشبهه من الأنظمة الاستبدادية الإقليمية، فضلاً عن وجود أكثر من 12 مليون سوري مغادر لمنزله في هجرة داخلية أو خارجية. وذهب ديبو إلى حد الاستهزاء بالأسد، معتبراً أن الخيانة العظمى تكمن في "إعادة إنتاج النظام ومنظومة الاستبداد، وهذه لا مكان لها ولا مقومات مجتمعية لها في واقع سورية اليوم وفي مستقبلها"، وفق تعبير ديبو. ومن الواضح أن تصريحات الأسد لم تكن وليدة الصدفة، خصوصاً أن الأسئلة التي توجه له من قبل الصحافيين التابعين لنظامه عادة ما يكون متفقا عليها، لإيصال رسائل إلى العديد من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية. وجاءت تصريحاته عقب جولة مفاوضات فاشلة مع المعارضة السورية في جنيف، في تأكيد على نية النظام المضي في خياراته العسكرية التي ربما تطاول أطرافاً محمية من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، في رد على تصريحات مسؤولين أميركيين على أنه لا مستقبل للأسد في مستقبل سورية.




كما تأتي هذه التصريحات في خضم استعدادات عسكرية تركية لتوجيه "ضربة" للقوات الكردية، متوقع أن تكون في منطقة عفرين شمال غربي حلب، لوضع حد نهائي لطموح هذه القوات في إنشاء إقليم ذي صبغة كردية على الشريط الحدودي السوري مع تركيا. لكن ربما فات بشار الأسد أن هناك تنسيقاً عسكرياً عالي المستوى بين "قوات سورية الديمقراطية" والجانب الروسي، أهم حليف للأسد، تجلى في أكثر من صعيد، وهو ما قد يؤدي دورا في وأد أي محاولة من قبل النظام لضرب القوات الكردية، خصوصاً في دير الزور. ومن المتوقع ألا تنساق روسيا وراء محاولات الأسد الصدام العسكري مع القوات الكردية، لأن ذلك يفتح باب صدام أكبر بين الروس والأميركيين، يتفاداه الطرفان، لأنه ربما لن يبقى حبيس الحدود السورية. وفي السياق، أشار الكاتب والمعارض السوري الكردي، صلاح بدر الدين، إلى أنه "كان ملفتاً تخوين رأس نظام الاستبداد اليوم لقسم من الأكراد المتعاونين مع الأميركيين، والمقصود قوات حزب الاتحاد الديمقراطي، وليس كل الأكراد". واعتبر بدر الدين، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذا التخوين "له دلالته السياسية عشية مؤتمر سوتشي الذي يشارك النظام روسيا في وضع برنامجه والمدعوين إليه"، معرباً عن قناعته بأن رد ما سمّاه بـ"ملحقات ب ي د" لم يكن "بالمستوى المطلوب، وظل الغموض يكتنف الموقف الحقيقي من النظام". واعتبر أن "المسألة في حالة الحسم تحتاج إلى وضع النقاط على الحروف، والاعتراف بالعلاقات السابقة واللاحقة مع النظام، وإجراء مراجعة شفافة والاعتذار للسوريين والأكراد في الوقت نفسه، ثم انتهاج سياسة سليمة، والاعتراف بالآخر المختلف". ودعا بدر، حزب الاتحاد الديمقراطي إلى "تصحيح مساره"، معتبراً أنه "إذا كانت هناك مرحلة جديدة في التحالفات، فالمطلوب من سلطة حزب الاتحاد الديمقراطي التجاوب مع نداءات المخلصين في قبول وتقديم الدعم لانعقاد المؤتمر القومي – الوطني الكردي السوري من ممثلي الوطنيين المستقلين والأحزاب ومنظمات في المجتمع المدني، للخروج ببرنامج واستراتيجية كردية موحدة لمواجهة تحديات السلم والمقاومة".

ومرّت العلاقة بين الأكراد السوريين والنظام بمراحل وتقلبات عدة، إذ قام النظام بإقصاء الأكراد وتهميشهم منذ عام 1963، وحتى عام 2011، تاريخ بدء الثورة السورية التي شارك فيها عدد كبير من الأكراد. لكن ظهور الوحدات الكردية في أواخر ذاك العام جعل القضية الكردية في سورية تأخذ مساراً مختلفاً، إذ تتهم المعارضة السورية، والمجلس الوطني الكردي هذه الوحدات بالتنسيق مع النظام لوأد الحراك الثوري السوري الكردي، وتحييد المناطق الكردية عن الثورة. كما تؤكد مصادر في المعارضة أن النظام سلّم أكثر من نصف مساحة محافظة الحسكة للوحدات الكردية، كما زودها بالسلاح والذخيرة. وتذهب المصادر إلى القول إن قوات "سورية الديمقراطية" مجرد قناع لهذه الوحدات التي باتت تسيطر على نحو ربع مساحة سورية بعد طردها تنظيم داعش بدعم من التحالف الدولي من ريف الحسكة ودير الزور وبعض ريف حلب الشمالي الشرقي، فضلاً عن محافظة الرقة، وأعلنت "إدارة ذاتية" في أغلب هذه المناطق. كما أجرت انتخابات محلية، في مسعى لترسيخ وجود دائم يبدو أن الأطراف الإقليمية تعمل على منعه. وجاءت تصريحات الأسد تأكيداً على نيّة النظام الانتقال في علاقته مع الوحدات الكردية إلى مستويات جديدة، في ظل تغيّر معادلات الصراع على سورية.

  

دلالات