رفض عالمي لتفلُّت ترامب: الجولان أرض سورية محتلّة

23 مارس 2019
للاحتلال مطامع كبيرة في الجولان (جلاء مرعي/فرانس برس)
+ الخط -
في إحدى المرات القليلة التي يقف فيها العالم كله بوجه الولايات المتحدة، جمع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيّته الاعتراف بسيادة إسرائيل الكاملة على هضبة الجولان المحتلة، كل الدول العربية والغربية في موقف رافض للقرار، الذي يتعارض مع القانون الدولي، وتحديداً القرارين الدوليين 242 و497. كما يؤسس إعلان ترامب لأزمة جديدة في المنطقة، ويدخل في سياق سياسة الإدارة الأميركية التي تقوم على اتخاذ خطوات من جانب واحد في الشرق الأوسط، كما حصل عند اعترافها بالقدس المحتلة عاصمةً لإسرائيل. هذا القرار الذي يؤكد مجدداً أن ترامب يتبنّى في سياسته المواقف الإسرائيلية بشكل كامل، يمنح رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، هدية ثمينة، في ظل معركة انتخابية يواجهها، ولكن تداعياته لن تقتصر على هذا الملف، بل قد يكون مقدمة لطرح "صفقة القرن" الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، والتي يعتزم ترامب تقديمها بعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة في إبريل/نيسان المقبل. ويعيد القرار توجيه الأنظار إلى هضبة الجولان، وأهميتها للاحتلال، خصوصاً أنها تُعدّ مصدراً رئيسياً لإمدادات المياه إلى إسرائيل.

رفض دولي

"بعد 52 عاماً، حان الوقت لكي تعترف الولايات المتحدة بشكل كامل بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان والتي لها أهمية استراتيجية وأمنية بالغة لدولة إسرائيل واستقرار المنطقة". هذه التغريدة التي كتبها ترامب مساء الخميس، كانت كافية لاستنفار عالمي ضده، مقابل ترحيب اقتصر على إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، الذي يزور بداية الأسبوع المقبل البيت الأبيض، فيما يخوض حملة لإعادة انتخابه. ويبدو أن الإدارة الأميركية تسعى لتحويل إعلان ترامب إلى قرار واقع سريعاً، إذ نقلت وكالة "رويترز" أمس عن مسؤول كبير في الإدارة لم تسمه، قوله إن "مسؤولين أميركيين يعملون على وثيقة رسمية بشأن اعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل على الجولان، ومن المرجح أن يوقّعها ترامب خلال زيارة نتنياهو الأسبوع المقبل".

وجاءت المواقف الرافضة لإعلان ترامب من كل دول العالم. وأكد الاتحاد الأوروبي أنه لا يعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان. ونقلت وكالة "رويترز" عن متحدثة باسم الاتحاد قولها إن "موقفنا لم يتغير... الاتحاد الأوروبي لا يعترف، كما يتماشى مع القانون الدولي، بسيادة إسرائيل على الأراضي التي تحتلها منذ يونيو/حزيران 1967 بما فيها هضبة الجولان، ولا يعتبرها جزءاً من السيادة الإسرائيلية". كما رفضت فرنسا الاعتراف بضم الجولان إلى السيادة الإسرائيلية، وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في إفادة إن "الجولان أرض تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، وفرنسا لا تعترف بضم إسرائيل إليها عام 1981"، مضيفة: "إن الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، وهي أرض محتلة، سيتعارض مع القانون الدولي، خصوصاً الالتزام بألا تعترف الدول بوضع غير مشروع".

الموقف الألماني جاء في الإطار نفسه، إذ رفضت المتحدثة باسم الحكومة الألمانية أولريكه ديمر "الخطوات الأحادية"، قائلة إن "تغيير الحدود الوطنية لا بد أن يكون عبر وسائل سلمية بين جميع الأطراف المعنية". في السياق، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن موقف ترامب يضع المنطقة على حافة "أزمة جديدة". وقال في افتتاح اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول: "لن نوافق أبداً على شرعنة احتلال مرتفعات الجولان".

عربياً، عبّرت دول مجلس التعاون الخليجي عن أسفها لدعوة ترامب إلى الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان. وقال الأمين العام للمجلس عبد اللطيف الزياني، في بيان: "إن تصريحات ترامب لن تغير من الحقيقة الثابتة التي يتمسك بها المجتمع الدولي والأمم المتحدة، وهي أن مرتفعات الجولان العربية أراضٍ سورية احتلتها إسرائيل بالقوة العسكرية في الخامس من يونيو(حزيران) 1967". وأضاف أن "تصريحات الرئيس الأميركي تقوّض فرص تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم في منطقة الشرق الأوسط". كما أكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي موقف الأردن الثابت بأن الجولان أرض سورية محتلة وفقاً لكل قرارات الشرعية الدولية، وهو الموقف نفسه الذي أعلنته وزارة الخارجية المصرية.

في الداخل السوري، أجمعت المعارضة والنظام على رفض القرار. ودان الائتلاف الوطني المعارض وهيئة التفاوض السورية، في بيانين منفصلين، بأشد العبارات موقف ترامب. وقالت الهيئة إن هذا القرار "تحدٍ لإرادة الشعب السوري الذي يحتفظ بحقه في تحرير أرضه المحتلة بالوسائل المشروعة كافة". من جهتها، قالت وزارة خارجية النظام، بحسب وكالة "سانا"، إن هذا الموقف الأميركي "يعبر وبكل وضوح عن ازدراء الولايات المتحدة للشرعية الدولية وانتهاكها السافر لقراراتها"، مشددة على أن "الجولان كان وسيبقى عربياً سورياً والشعب السوري أكثر عزيمة وتصميماً وإصراراً على تحرير هذه البقعة الغالية من التراب الوطني السوري بكل الوسائل المتاحة".

انقلاب أميركي
يشكّل موقف ترامب انقلاباً جديداً على السياسات الأميركية السابقة المتعلقة بقضايا السلام في المنطقة، بعد القرار المماثل الخاص بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمةً لإسرائيل، ومن ثم نقل السفارة الأميركية إليها، ومن غير المستبعد تالياً، أن يعقب ذلك اعتراف أميركي بالمستوطنات التي تقول إسرائيل إنها لن تنسحب منها في الضفة الغربية، ما قد يشجعها على ضم الضفة كلها. ونقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤول رفيع المستوى بالإدارة الأميركية، لم تسمه، قوله إن قرار ترامب كان يتم الإعداد له منذ عدة أسابيع، مشيراً إلى أنه جاء هذا الأسبوع بعدما عقد ترامب عدة اجتماعات مع كبار موظفيه، بينهم مستشار الأمن القومي جون بولتون، وصهره ومستشاره جاريد كوشنر، والممثل الخاص لمفاوضات السلام جايسون غرينبلات، وقد دعموا جميعاً هذه الخطوة.

وكان نتنياهو أعلن مراراً أنه يسعى إلى إقناع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، بالاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان التي احتلتها في حرب 1967. وبدأ الكونغرس الأميركي نقاشات في يوليو/تموز الماضي، لبحث الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، إلى واقع عملي، في ظل تقارير عن الانتهاء من صياغة مشروع قانون في هذا الصدد. وجاء الاجتماع الأول للكونغرس بمبادرة من عضو مجلس النواب رون دي سانتيس، وحضره ممثل عن الجانب الإسرائيلي، هو المدير العام لوزارة الخارجية السابق دوري غولد، وحمل الاجتماع عنوان "أفق جديد في علاقات إسرائيل-الولايات المتحدة... من نقل السفارة للقدس إلى الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان". وفي وقت لاحق، ناقش الكونغرس ما إذا كانت الخطوة ستحقق "المصالح الأمنية" لإسرائيل وللولايات المتحدة، وتوصّل المجتمعون إلى فرضية أن الاعتراف الأميركي "سيحول دون قيام الجيش السوري مستقبلاً بشن هجوم مفاجئ لاستعادة الهضبة، وأن الاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل سيشكل رادعاً سياسياً أمام السوريين". وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، صوّتت الولايات المتحدة لأول مرة، ضد قرار سنوي للأمم المتحدة يدين احتلال إسرائيل للجولان.


ويجري الحديث عن مشروع قانون قدّمه السيناتور الجمهوري تيد كروز والسيناتور الجمهوري توم كوتون أمام الكونغرس، بشأن الاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل على الجولان. ونقلت صحف إسرائيلية عن كروز قوله إن لدى الولايات المتحدة "مصلحة أمنية" في تعزيز سيطرة إسرائيل على الهضبة، وإن هذه المصالح "تحتم عليها إعلان اعترافها بالسيادة الإسرائيلية على الجولان". ويطالب كروز بألا يكون الأمر مجرد إعلان من جانب إدارة ترامب، ولكن عبر مشروع قانون ملزم للإدارة الأميركية بالاعتراف، ومواءمة سياساتها لتكون مسألة اعترافها بالجولان السوري كإقليم تحت سيادة إسرائيل أمراً ملزماً. وخلال الشهر الحالي، تعهد السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، بأن تعترف واشنطن، بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، بحسب بيان صدر عن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية. وتساءل غراهام، خلال جولة في الجولان مع نتنياهو، قائلاً: "أقف في إحدى أهم المناطق في إسرائيل، لمن سنعيدها؟ لبشار الأسد! لا أعتقد ذلك. سيكون الأمر بمثابة منحها لإيران. هل نعطيها لروسيا؟ لا أعتقد ذلك أيضاً".

وعملت إسرائيل خلال الفترة الماضية على تسويق فكرة أن الاعتراف بضم الجولان، هو رد قاطع على محاولات إيران ترسيخ أقدامها عسكرياً في سورية. وادعى نتنياهو خلال استقباله وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قبل أيام أنه "لولا الوجود الإسرائيلي في هضبة الجولان لكانت إيران اليوم في طبرية"، مكرراً مزاعم بأن "حزب الله" ينشط من أجل التموضع في الجولان السوري، حيث شكّل خلية للعمل ضد أهداف إسرائيلية، معتبراً أن هذا "سبب كاف يضاف إلى أسباب أخرى قد تدفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ هذه الخطوة".

دوافع القرار وعواقبه

يمثّل هذا الإعلان نصراً سياسياً لنتنياهو، قبل أقل من ثلاثة أسابيع من إجراء الانتخابات العامة. واعتبر المستشار السابق لباراك أوباما ورئيس المجموعة الدولية للأزمات، روبرت مالي، أن "القرار سياسي بشكل كبير"، ووصفه بأنه خطوة مشؤومة تأتي في وقت تزداد الأصوات في إسرائيل التي تدعو إلى ضم الضفة الغربية. ورأى مالي أن القرار جزء من سياسة الإدارة التي تقوم على اتخاذ خطوات من جانب واحد في الشرق الأوسط وتؤكد أن هدفها ليس تحقيق السلام العربي-الإسرائيلي، وإنما إعادة رسم المعايير التي تحكم هذه العملية.
كما حذرت صحف أميركية، ومسؤولون سابقون من عواقب هذا القرار. وقال مارتن انديك، وهو مفاوض سلام سابق وسفير أميركي سابق لدى إسرائيل، إن قرار ترامب سيوفر الذريعة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتبرير ضم روسيا لشبه جزيرة القرم. كما "سوف يستخدمه اليمين الإسرائيلي كذريعة لضم إسرائيل للضفة الغربية".

من جهته، قال فريدريك هوف، المسؤول السابق في وزارة الخارجية والمشارك في المفاوضات السورية-الإسرائيلية السابقة، لصحيفة "غارديان": "قرار ترامب ستكون له سلبيات دبلوماسية محتملة على إسرائيل وأمن الإسرائيليين، كما سيمكّن نظام بشار الأسد من تغيير الموضوع من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية إلى احتلال إسرائيل للأراضي السورية، ولن يكون لهذا القرار أي أثر إيجابي على الإطلاق لأمن إسرائيل"، بحسب هوف.

أهمية الجولان
تقع محافظة القنيطرة في الجنوب الغربي من سورية، وتضم هضبة الجولان التي ترتفع أكثر من ألف متر عن سطح البحر، ممتدة على طول خط وقف إطلاق النار مع فلسطين المحتلة. وخلال حرب يونيو 1967، احتلت إسرائيل معظم مساحة منطقة الجولان السورية التابعة لمحافظة القنيطرة، واستولت على نحو 1200 كيلومتر مربع من الأراضي من أصل 1860 كيلومتراً، هي إجمالي مساحة الجولان. كما احتلت إسرائيل مساحة 510 كيلومترات مربعة أخرى خلال الحرب التالية عام 1973، ولكن تم إرجاعها بعد عام من خلال مفاوضات نتج منها إقرار خط وقف لإطلاق النار وإقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح، تحت مراقبة قوة تابعة للأمم المتحدة (أندوف) التي انتشرت فيها منذ ذلك الوقت، لكنها اضطرت إلى الانسحاب قبل نحو عامين، بعد سيطرة قوات من المعارضة السورية على معبر القنيطرة والشريط الحدودي بين المدينة وفلسطين المحتلة.

وأسفرت حرب 1973 عن تدمير كلي في مدينة القنيطرة القديمة، فيما نزح خلال حربي 1967 و1973، أكثر من 150 ألفاً من الهضبة السورية ومدينة القنيطرة. ومن أصل 139 قرية و61 مزرعة ومدينتين، لم يتبقَ في الجولان سوى ست قرى، يقطنها نحو 20 ألف سوري من الطائفة الدرزية، يرفض معظمهم الحصول على الجنسية الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، انتقل للعيش في الجولان حوالي 20 ألف مستوطن إسرائيلي في أكثر من 33 مستوطنة معظمها تعمل في الزراعة والسياحة.

وتزعم إسرائيل أن للجولان أهمية استراتيجية في الحفاظ على أمنها، على الرغم من الاعتقاد السائد بأنها تتمسك باحتلال الجولان لأسباب اقتصادية ومائية، بالدرجة الأولى، لا عسكرية واستراتيجية. وللجولان أهمية استراتيجية كبيرة كونه منطقة مرتفعة وذات تضاريس معقّدة تطل على أجزاء مهمة من فلسطين المحتلة، وتكشف دمشق بالكامل. وتُعدّ الهضبة البركانية الخصبة، مصدراً رئيسياً لإمدادات المياه لإسرائيل التي تؤمن منها نحو ثلث حاجاتها المائية. وتتلقى مياه بحيرة طبرية في الجولان مياه ثلاثة روافد هي بانياس، ودان، والحاصباني، وهي التي تشكل لاحقاً مياه نهر الأردن.

وطوال العقود الخمسة الماضية، لم يشجع نظاما الأسد، الأب والابن، على إعادة بناء مدينة القنيطرة، إذ لا يزال حتى الآن مركزها مدمراً، بحجة اطلاع العالم على الهمجية الإسرائيلية، وإن كان تم بناء حي جديد أقرب إلى دمشق أطلق عليه "مدينة البعث"، إضافة إلى بلدة خان أرنبة التي توسعت بعد خراب المدينة الأصلية، لكن المدينة على العموم لا يقطنها كثير من السكان، على الرغم من أن العدد الإجمالي لسكان القنيطرة يبلغ نحو نصف مليون نسمة، لكنهم بمعظمهم نزحوا بعد احتلال الجولان وسكنوا في مناطق ريف دمشق ودرعا.

في العام 1981، أقر الكنيست الإسرائيلي قانون ضم مرتفعات الجولان إلى إسرائيل، لكن المجتمع الدولي ما زال يتعامل مع المنطقة على أنها أراضٍ سورية محتلة، بناء على قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر إثر حرب 1967 والذي نصّ على "عدم جواز الاستيلاء على الأراضي في الحرب والحاجة إلى العمل من أجل سلام عادل ودائم يمكن لكل دولة في المنطقة أن تعيش فيه بأمان"، والقرار رقم 497، الذي يدعو إسرائيل إلى إلغاء ضم مرتفعات الجولان بحكم الأمر الواقع.