بوصلة الأحزاب المغربية وانتخابات 2021: "الأحرار" يأمل بالصدارة

28 فبراير 2018
أخنوش متحدثاً وإلى يمينه العثماني (جلال مرشدي/الأناضول)
+ الخط -



يعرف المشهد الحزبي والسياسي في المغرب نوعاً من التغيير والتحول في أفق التحضير للانتخابات التشريعية لسنة 2021، من خلال ظهور العديد من المعطيات حول تغيّر المواقع  والمسافة التي تتحذها الدولة من أحزاب بعينها، فضلاً عن حصول وقائع أكدت هذه التحولات المقبلة.

في هذا السياق، انشغلت العديد من الأحزاب السياسية في المغرب بمشاكلها الداخلية، كحزب العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي، أو بالتموضع داخل الحكومة، كحزب التقدم والاشتراكية، أو بالاكتفاء بالحقائب الوزارية، كالحركة الشعبية، أو في "معاركها" ضد خصومها السياسيين، كحزب الأصالة والمعاصرة.

وفي خضم هذه الانشغالات و"المعارك" الحزبية والخلافات بين المكونات الستة للحكومة بقيادة العدالة والتنمية، باتت أسهم حزب التجمع الوطني للأحرار مرتفعة بشكل واضح في بورصة المشهد الحزبي بالبلاد. وحزب الأحرار، تأسس سنة 1977 على يد أحمد عصمان، صهر الملك الراحل الحسن الثاني. ما جعل الفاعلين السياسيين يطلقون عليه اسم "الحزب الإداري" العامل في سياق كسب رضى الدولة، وهو حزب باشر التمهيد للانتخابات البرلمانية المقبلة بعد 3 سنوات، في أفق رئاسة الحكومة من طرف زعيمه عزيز أخنوش.

هذا الطموح عبّر عنه أخنوش وقيادات الحزب وشبيبته في الآونة الأخيرة، وأشار أخنوش إلى أن "عمر الحزب بلغ الـ40 عاماً، وهو سن النضج، ونحن بصدد الإعداد لتصوّر شامل لهوية الحزب من أجل إعداد برنامج متكامل يمكن أن يتقدم به في الانتخابات التشريعية لسنة 2021".

وأكد أخنوش في أكثر من موقف ومناسبة أن "حزب الأحرار إذا سار على نفس منوال ديناميته السياسية الجديدة، فإنه سيتصدر الانتخابات المقبلة ويترأس الحكومة العتيدة بدلاً من العدالة والتنمية". كما اعتبرت منظمة شبيبة الحزب بدورها أن "التواصل اليومي مع المواطنين من شأنه أن يدفع الأحرار إلى المرتبة الأولى في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، البلدية والجهوية والتشريعية".

وفضلاً عن تصريحات قادة حزب الأحرار التي صبّت جميعها باتجاه العمل على تصدر الانتخابات البرلمانية المقبلة، فإن عوامل رئيسية أخرى زكّت هذا المنحى، منها الدينامية التي بات الحزب عاملاً بوحيها، منذ أن صار أخنوش على رأس قيادته خلفاً لصلاح الدين مزوار، من خلال تنظيم لقاءات ومؤتمرات حزبية في مناطق عدة من البلاد.



وظهرت دينامية الأحرار في العدد الكبير للمؤتمرات الحزبية التي تم تنظيمها، إذ عقد الحزب 112 مؤتمراً جهوياً وإقليمياً ومحلياً لمنظمات المرأة والشباب في خمسة أسابيع فقط، بمعدل 22 مؤتمراً في أسبوع واحد. وهو أمر لم يحققه أي حزب آخر.

ورفع حزب الأحرار شعار "أغراس"، ومعناه في اللغة الأمازيغية "الطريق القويم"، والصواب والجدية، وهو ما حاولت قيادة الحزب تطبيقه على أرض الواقع، من خلال التواصل اليومي مع المواطنين من دون انتظار دنو موعد الانتخابات المقبلة للقيام بحملات التواصل، علاوة على إحداث مشاريع تنموية بإشراف كوادر الحزب في الجهات المناطقية.

في المقابل، رأى معارضو الأحرار أن "ما يقوم به هذا الحزب ليس سوى بروباغاندا سياسية، يهدف من خلفها إلى إظهار أنه الحزب القوي والقريب من الشعب، في محاولة منه لطرح نفسه بديلاً عن حزب العدالة والتنمية، القوي في الحواضر، وهي التي أهلته للفوز في الانتخابات التشريعية لعامي 2011 و2016".

عامل آخر منح لحزب الأحرار التوجه نحو الانتخابات المقبلة بحوافز سياسية أكبر، تمثّل في تراجع دور حزب الأصالة والمعاصرة الذي جسّد المعارضة للحكومة، وهو التراجع الذي رآه محللون نتيجة للفشل في إسقاط "العدالة والتنمية" وحكومته خلال أكثر من محطة انتخابية.

وفشل حزب الأصالة والمعاصرة، الذي قدّم نفسه على أنه "جاء لدحر الإسلاميين وتقديم نموذج سياسي حداثي بديل عن أطروحة العدالة والتنمية"، في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2011، مع بدء "الربيع العربي". كما فشل في قهر حزب عبد الإله بنكيران في الانتخابات الجماعية والجهوية لعام 2015، وكذلك في الانتخابات التشريعية في أكتوبر/تشرين الأول 2016، رغم إحرازه تقدماً في عدد المقاعد، غير أنه اكتفى بالمرتبة الثانية خلف بنكيران.



وبفشل الأصالة والمعاصرة في أداء الدور الذي أخذه على عاتقه، سواء كان بإرادة واختيار سياسي منه، أو بإيعاز من الدولة، فإن الذي أخذ مكانه هو حزب الأحرار في شخص أخنوش الذي استطاع فرض شروطه على بنكيران في تشكيل حكومة ما بعد انتخابات 2016، ووصل الأمر إلى قرار الملك إعفاء هذا الأخير بعد أن تعذر عليه تشكيل الحكومة.

وليس "فشل" حزب الأصالة والمعاصرة في هزم العدالة والتنمية وحده الذي رفع من أسهم الأحرار في نسخته الجديدة، بل أيضاً تراجع عدد من الأحزاب وانغماسها في مشاكلها الداخلية والحكومية، منها العدالة والتنمية الذي عاش وما زال يعيش أشهراً من التوتر والاحتقان الداخلي على خلفية إعفاء بنكيران وقبول خلفه سعد الدين العثماني بشروط أخنوش زعيم الأحرار، متمثلة في دخول حزب الاتحاد الاشتراكي إلى الحكومة.

حزب العدالة والتنمية عانى بشكل غير مسبوق من تبادل الاتهامات والاحتقان بين قياداته، إذ انقسم إلى تيارين رئيسيين. الأول ناصر بنكيران وخطّط لولاية ثالثة له، والثاني المكوّن من وزراء الحزب الذين اعتبروا بقاء بنكيران نوعاً من "الانتحار السياسي" ومصادمة مع صنّاع القرار في البلاد.

أما حزب الأصالة والمعاصرة فقد انشغل بحياته الداخلية بعد الانتخابات التشريعية 2016، كما انغمس في تبعات قرار إلياس العماري الاستقالة من زعامة الحزب، وتوارت مواقفه القوية من عدد من القضايا، في خضم تعاظم دور حزب الأحرار داخل المشهد الحزبي والسياسي في البلاد.

بينما حزب الاتحاد الاشتراكي ما زال غارقاً في مشاحناته الداخلية ومشاكله التنظيمية، رغم ارتياحه لدخول الحكومة من بوابة "الأحرار"، وهو الحال نفسه بالنسبة لحزبي الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية، اللذين باشرا لملمة جراحهما، بعد قرار الملك محمد السادس إعفاء بعض الوزراء المنتمين إليهما.

ولعل أحد أقوى المؤشرات على صعود أسهم الأحرار في سماء الأحزاب المغربية وطرقه بقوة أبواب الانتخابات المقبلة، إلا في حالة حصلت مستجدات سياسية طارئة أرجأت هذا التوجه أو ألغته، هو النتائج القوية والمحفّزة التي حققها الحزب في الانتخابات التشريعية الجزئية في عدد من الدوائر التي حصد المرتبة الأولى فيها، متقدماً على العدالة والتنمية، والأصالة والمعاصرة. وهي معطيات ارتكز عليها قادة الحزب في ثقتهم بربح الانتخابات المقبلة، بينما قلل من أهميتها  حزب العدالة والتنمية واعتبرها مؤشرات لا تدل على قوة الأحرار ولا على إمكانية تحقيقه صدارة انتخابات 2021.