السودان: معركة عض أصابع بين العسكر والمعارضة

19 مايو 2019
يواصل السودانيون اعتصامهم في محيط القيادة العامة (فرانس برس)
+ الخط -
سعى كل من المجلس العسكري الانتقالي، وقوى إعلان الحرية والتغيير خلال الأيام الثلاثة الماضية، التي تجمّدت فيها العملية التفاوضية، إلى كسب أراض جديدة ونقاط إضافية، وذلك استعداداً لجولة نهائية من المفاوضات بينهما تستأنف اليوم الأحد، بحسب ما أعلن المجلس العسكري أمس السبت، وينتظر أن تحدد مستقبل البلاد خلال الفترة المقبلة. وكان التفاوض قد توقف يوم الأربعاء الماضي بقرار من المجلس العسكري الانتقالي، بعد اتهامه قوى إعلان الحرية والتغيير، بالقيام بحملات تصعيدية على مستوى الشارع والخطاب الإعلامي، وتمديد مساحة الاعتصام في محيط قيادة الجيش السوداني في وسط العاصمة الخرطوم، وإغلاق الطرق والجسور، واستفزاز أفراد وضباط الجيش وقوات الدعم السريع. ورهن المجلس العسكري، في بيان تلاه رئيسه الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قبل أيام، استئناف العملية التفاوضية بإزالة الحواجز من الطرقات الرئيسة من شوارع الخرطوم، وفتح مسار القطارات، ووقف التصعيد الإعلامي، والعودة لحدود الاعتصام في 6 إبريل/نيسان، أي في يومه الأول.

لكن قوى إعلان الحرية والتغيير، المنتشية أصلاً بنصرها الثوري والسياسي والتفاوضي، بعد أن حصلت على إقرار من المجلس العسكري بأنها الممثل الحصري للثورة، وبالتالي أقرّ لها حق تشكيل مجلس وزراء بصورة منفردة، ومنحها نسبة 67 في المائة من عضوية البرلمان الانتقالي، ويتوقّع أن تكون أيضاً مشارِكة في المجلس السيادي، تعاملت ببرود شديد مع قرار المجلس العسكري تعليق التفاوض، وجنحت لتخفيف حدة التوتر وعدم التصعيد حتى لا تخسر ما كسبته في الأيام الماضية.

وكانت هذه القوى سارعت حتى قبل بيان البرهان، لإقناع المعتصمين بالعودة إلى حدود اعتصام يوم 6 إبريل الماضي، ورسم خارطة متكاملة تحدّد آخر نقطة في الاتجاهات الأربعة للاعتصام. كما نزلت قيادات "الحرية والتغيير" إلى الميدان، وأقنعت عناصر حراسة متشددين في مداخل الاعتصام بإزالة الحواجز والمتاريس.

من جهتهم، دشّن ناشطون داخل الاعتصام، حملة توعية في محيطه، تشدد على الاحتفاظ بسلمية الثورة السودانية وعدم استخدام أي عنف لفظي أو جسدي تجاه الآخرين. كما حثّت الحملة المعتصمين على عدم الدخول في أي استفزازات مع قوات الدعم السريع أو القوات المسلحة، بما في ذلك الإساءة لقادتها.

ووفق تقدير الكثير من المتابعين، فإنّ ما قامت به قوى إعلان الحرية والتغيير حقّق نتائج جيّدة، وأعطى صورة باستمرار سيطرتها على ميدان الاعتصام، خصوصاً أنّ اعتقاداً كبيراً ساد في الأيام الماضية، بأنّ جهات أخرى اخترقت الميدان، وباتت تنفّذ أجندة مختلفة، والإشارات كانت واضحة، لما يسمى قوى الثورة المضادة أو للحركات المسلحة.

أمّا الرسالة الأهم التي وضعتها قوى إعلان الحرية والتغيير في بريد المجلس العسكري، هي أنّ إزالة المتاريس والحواجز الأمنية وفتح الطرق ومسار القطارات، أمر يتحقّق بسهولة ويسر، عبر المسار السياسي والتفاوض مع المعتصمين، وليس عبر القوة التي استخدمها المجلس العسكري والقوات الحكومية، والتي أثبتت فشلها طوال الأسبوع الماضي ولم يجنَ منها شيئاً، سوى فقدان المزيد من الأرواح، على غرار ما حدث يوم الإثنين الماضي، الذي قتل فيه 5 معتصمين وضابط في الجيش السوداني.

وبحسب مراقبين، فإنّ قوى إعلان الحرية والتغيير، وخلفها عشرات الآلاف من المعتصمين، وضعوا الكرة في ملعب المجلس العسكري، الذي عاد ودعا لاستئناف التفاوض، والذي يفترض أن يبدأ اليوم من النقطة التي توقف عندها الثلاثاء الماضي، وتمحورت حول خلاف طفيف بشأن نسب المشاركة والتمثيل، وتقسيمها بين العسكريين والمدنيين. وفي حال حدث اختراق في هذا الأمر، فإنّ قوى الحرية والتغيير، ستبدأ مباشرة في تسمية مرشحيها لعضوية مجلس السيادة، واختيار شخصية مستقلة لمنصب رئيس الوزراء، فضلاً عن انتقاء ثلثي أعضاء المجلس التشريعي.

وبحسب مصادر "العربي الجديد"، فإنّ قوى إعلان الحرية والتغيير، استفادت من تجميد التفاوض خلال الأيام الثلاثة الماضية، بعقد سلسلة اجتماعات للتوافق على هيكلة نفسها، وعلى أسماء المرشحين لأجهزة الحكم.

في المقابل، حاول المجلس العسكري الانتقالي، كسب أراض جديدة. وبحسب مصادر "العربي الجديد"، فقد عمد إلى إتاحة مساحات لتمدّد سياسي وإعلامي لقوى مناوئة لتحالف "الحرية والتغيير"، على غرار الإعلان عن ميلاد الحراك القومي السوداني الذي دُشّن نشاطه رسمياً الخميس الماضي. وضمّ التحالف الجديد، حسب قادته، عدداً من الحركات المدنية والمسلحة. وكان لافتاً في تصريح أحد هؤلاء القادة، ويدعى خالد آدم، إعلان الحراك الجديد مساندته للمجلس العسكري، مع توجيه انتقادات لقوى إعلان الحرية والتغيير، وهو أمر يزيد من الشبهات بشأن وجود جهات قريبة من المجلس العسكري هي من ترعى ذلك الجسم.

أمّا المناورة الأخرى التي قد تكون جاءت على هوى المجلس العسكري، فتتمثل في تصاعد الحراك السلفي المتشدّد الذي يوجه سهامه نحو قوى إعلان الحرية والتغيير، ويصنفها "مجموعات علمانية مناهضة للدين". وقد انطلق الحراك السلفي بمسيرة أول من أمس الجمعة، كبالونة اختبار، على أن يمضي خلال الأيام المقبلة في تسيير مواكب أخرى باتجاه القصر الجمهوري، لرفض الاتفاق الذي تمّ بين تحالف "الحرية والتغيير" والمجلس العسكري.

وواجه الحراك السلفي الذي يقوده كل من عبد الحي يوسف، الذي كان مقرباً من الرئيس المخلوع عمر البشير، ومنسق تيار "الأمة الواحدة" محمد علي الجزولي الذي لاحقته اتهامات الانتماء إلى تنظيم "داعش"، جملة انتقادات، خصوصاً حول صمت السلفيين ومساندتهم النظام السابق في فترات ماضية. كما أنّ هناك اعتقادا سائدا بأنّ عناصر في حزب "المؤتمر الوطني"، تقف خلف ذلك الحراك السلفي، للتشويش على المرحلة المقبلة التي تريدها الأطراف المعارضة، لتصفية دولة حزب البشير وملاحقة قيادته جنائياً.

المؤكد أنّ المجلس العسكري حاول الاستفادة من الحراك السياسي المستجدّ، للتأكيد على أنّ قوى إعلان الحرية والتغيير ليست وحدها في الساحة. وقد أثار هذا التوجّه مخاوف من تراجع المجلس عن اتفاقه السابق مع "الحرية والتغيير"، خصوصاً في ما يتعلّق بنسب مشاركتها في مجلس الوزراء أو في المجلس التشريعي.

لكنّ هذا التراجع المحتمل والمتوقّع، حاولت قوى إعلان الحرية والتغيير، في الوقت نفسه، التحسّب له، من خلال التلويح بخيار العصيان المدني، في حال قام المجلس العسكري بذلك. وأعلنت هذه القوى المعارضة عن إطلاق حملة ترويجية للعصيان المدني في عموم البلاد، ابتداء من يوم الخميس المقبل، وأوضحت في بيان أنّ "الخميس سيكون دعائياً للدعوة إلى العصيان المدني والإضراب العام". ودعت الثوار في ميدان الاعتصام بالخرطوم والمدن الأخرى، إلى القيام بالتوعية والدعاية وسط المواطنين، حول هذا الأمر، من خلال المخاطبات والمنشورات من دون تحديد موعد للبدء بالتنفيذ.

وتعليقاً على هذه التطورات، أكّد بابكر فيصل، القيادي في "التجمّع الاتحادي"، أحد مكونات "الحرية والتغيير"، على أهمية رجوع الطرفين لطاولة التفاوض، لا سيما وأنهما أنجزا 95 في المائة من المسائل العالقة، ولم يتبق إلا الاتفاق على نسب المدنيين والعسكريين في مجلس السيادة، وكذلك الاتفاق على رئيس هذا المجلس. وقال فيصل، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الطرفين بحاجة ملحة للوصول إلى اتفاق نهائي، لأنهما يتعرضان لضغوط شديدة"، واعتبر أنّ "أي تأخير ليس لصالحهما، ولا لصالح الأطراف الإقليمية والدولية"، مشيرا إلى أنّ "المستفيد الأول من هذا التأخير هو النظام السابق، وأذياله من بعض السلفيين والمتشددين الذين يسعون لخلق بلبلة وفوضى وتصادم، ولذلك لا بدّ من تفويت الفرصة عليهم".

وحول تخصيص الخميس المقبل موعداً للدعوة للترويج للعصيان المدني، قال فيصل، إنّ "برنامج يوم الخميس جاء ضمن جدول صدر قبل فترة، لكنه لا يعني مواصلة التصعيد ضدّ المجلس العسكري بعد التوافق الكبير بينه وبين الحرية والتغيير"، قبل أن يؤكد أنّ وسيلة الاعتصام المدني والإضراب السياسي "هي واحدة من الوسائل التي يمكن أن تستخدمها المعارضة لو حدثت أي مماطلة أو تراجع عن الاتفاق".

من جهته، رأى الفريق أول ركن محمد بشير سليمان، أنّ فترة الثلاثة أيام من تجميد التفاوض، منحت الطرفين فرصة لإعادة قراءة الواقع السياسي من جديد، خصوصاً بالنسبة لردّة الفعل على اتفاق قسمة السلطة في مجلس الوزراء والمجلس التشريعي الذي عكس، حسب تقديره، إقصاء متعمّدا لكثير من الأطراف، وهو أمر يرى أنه ينعكس سلباً على الوضع السياسي وعلى الوحدة الوطنية. وأعرب سليمان في حديث مع "العربي الجديد"، عن أمله في تراجع الطرفين عن ذلك الاتفاق "وإلا ستكون النتيجة التأسيس لأخطاء كبيرة، لا سيما مع بروز الصراع الأيديولوجي"، مشيراً إلى أنه "في حال تمسّكت قوى إعلان الحرية والتغيير بالاتفاق القديم، سيتمسّك في المقابل المجلس العسكري بمجلس السيادة، ولن يقدّم تنازلات، سواء على صعيد رئاسة مجلس السيادة أو على صعيد عدد العسكريين داخل المجلس".

المساهمون