استعادة المعارضين اللاجئين... هوس مزمن للسلطات السعودية

17 اغسطس 2018
تظاهرة في لاهاي للمطالبة بإطلاق رائف بدوي(مارتن بيكمان/فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن طلب السفارة الكندية في الرياض من السلطات السعودية الإفراج عن معتقلي الرأي، ومن بينهم الناشطة النسوية سمر بدوي، السبب الوحيد الذي دفع السعودية إلى قطع علاقاتها مع كندا وطرد السفير الكندي من أراضيها واستدعاء آلاف الطلبة المبتعثين للدراسة هناك. فالمعارضون السعوديون المقيمون في الخارج، والذين زادت أعدادهم بشكل كبير في سنوات حكم العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز، وابنه ولي العهد محمد بن سلمان، كانوا من الأسباب التي دفعت السعودية لقطع علاقاتها والتصعيد بشكل مفاجئ وعنيف في لغة الخطاب مع كندا. وقدّم أكثر من 360 سعودياً طلبات للحصول على اللجوء السياسي في كندا وحدها، فيما بلغت الأرقام أعداداً كبيرة في بريطانيا والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وتركيا.

وطالبت الحكومة السعودية كندا بتسليم عدد من اللاجئين الذين باتوا مصدر قلق كبير لها، لكن أوتاوا رفضت، ما دفع السلطات الأمنية السعودية إلى الضغط على عائلات اللاجئين وابتزازهم من أجل عودة أبنائهم. أحد هؤلاء كان الشاب عمر بن عبدالعزيز، الذي تحوّل إلى آلة إعلامية نشطة منذ حصوله على اللجوء السياسي في كندا عام 2013. ومع قيام ولي العهد محمد بن سلمان بفرض سياسات اقتصادية تقشفية بسبب انخفاض أسعار النفط وعجز الموازنة، تصاعدت شعبية عمر بن عبدالعزيز إلى مستويات كبيرة، وأصبحت مقاطع الفيديو الخاصة به تتداول على نطاق واسع في البلاد، بالإضافة إلى نشاطه في مساعدة مقدّمي طلبات اللجوء السعوديين في كندا.

وأدى هذا، بالإضافة إلى نمو نشاط المعارضة السعودية بشكل كبير في الخارج، إلى قيام السلطات باقتحام بيت شقيق عمر بن عبدالعزيز وتهديده بالسجن إذا لم يقنع أخاه بالتوقف عن نشاطاته المعارضة في الخارج. لكن عمر قال لقناة "سي بي سي" الكندية إنه لن يتوقف عن الحديث حول الطلبة السعوديين الذين تضرروا بشدة جراء قرارات السلطات السعودية سحب بعثات الطلاب في كندا ومطالبتهم بالعودة، كما أنه لن يتوقف في الحديث عن القضايا الأخرى وأنه يشعر بالأمان في كندا.


عمر بن عبدالعزيز ليس الناشط الوحيد الذي تسعى السلطات السعودية لمطاردته، فإنصاف حيدر، زوجة المعتقل الليبرالي رائف بدوي، الذي اعتُقل عام 2012، والذي أشعلت مطالبة السلطات الكندية بالإفراج عن شقيقته المعتقلة سمر بدوي الخلاف مع الرياض، تقود حملة محرجة ضد النظام السعودي في الخارج بعد حصولها على اللجوء السياسي برفقة أبنائها في كندا أيضاً.

ويقول ناشط سعودي مقيم في كندا، فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن السلطات السعودية تطالب دوماً بالناشطين والناشطات في كندا وغيرها، ولديها أجهزة أمنية خاصة لمتابعة المعارضين في الخارج، وتقوم باستخدام أسلوب الترغيب عبر الوعد بإصدار عفو عنهم وإعادتهم لوظائفهم، أو أسلوب الترهيب عبر الضغط على عائلاتهم والتلويح بسجن أقربائهم إذا لم يسلموا أنفسهم. وعن رفض السلطات الكندية تسليم المعارضين، يشير إلى أن "السلطات الكندية ليست ملاكاً، فهي قامت بترحيل أكثر من 40 سعودياً رفضت لجوءهم العام الماضي، لكن الخلاف مع النظام السعودي كان حول أسماء معينة أرادت الرياض تسلّمها ورفضت أوتاوا لثقل وزن هؤلاء إعلامياً".

ويرى مراقبون أن اختيار السعودية لكندا دون غيرها من البلدان التي انتقدت سجل حقوق الإنسان السيئ في الرياض، يأتي في سياق بعث رسائل أخرى للدول الاسكندنافية وبقية دول الاتحاد الأوروبي، التي قد توافق على مزيد من طلبات اللجوء التي قد تُقدّم في المستقبل القريب في ظل ازدياد حملات القمع في البلاد.

ويمتلك النظام السعودي تاريخاً حافلاً في الضغط على الدول والمنظمات لتسليم اللاجئين السياسيين الهاربين من البلاد، مستغلاً نفوذه السياسي وثروته المالية الضخمة، إذ تُتهم السلطات السعودية بدفع أموال طائلة لمليشيات كانت تنشط في لبنان عام 1979 لاختطاف المعارض القومي ناصر السعيد ومن ثم تصفيته.
وبعد لجوء رئيس حزب "التجديد الإسلامي"، المعارض محمد المسعري، ورئيس "الحركة الإسلامية للإصلاح"، سعد الفقيه، إلى لندن منتصف تسعينيات القرن الماضي، حاول النظام السعودي بشتى الطرق استعادة المعارضَين اللذين باتا يملكان تأثيراً واسعاً على الشباب في السعودية. وتعرّض الفقيه لمحاولة الضرب والقتل عام 2003، فيما جيّش النظام السعودي العشرات من المستشارين والمحامين لإعادة المسعري بالطرق القانونية متهمين إياه بالإرهاب، لكن المحاكم البريطانية رفضت طلبهم.
واعتُقل ماجد المسعري ابن محمد المسعري في الولايات المتحدة عام 2004 بتهمة حيازة مخدرات، قال والده حينها إن السلطات السعودية لفّقتها له، كون ابنه كان متديّناً ومحافظاً. وبعد قضاء ماجد المسعري مدة محكوميته، رُحّل عام 2007 إلى السعودية بعد رفض الولايات المتحدة طلب حصوله على اللجوء، ليختفي من الوجود منذ ساعة ترحيله.

ولم تقتصر ملاحقات السعودية على المعارضين "العاديين" بل امتدت إلى الأمراء المعارضين واللاجئين من الأسرة الحاكمة في أوروبا وسط صمت الأجهزة الأمنية هناك. وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، فإن السلطات السعودية قامت بين عامي 2015 و2017 باختطاف ثلاثة أمراء من أراضي دول الاتحاد الأوروبي، وهم الأمير سلطان بن تركي والذي اختُطف للمرة الأولى عام 2003 في مدينة جنيف السويسرية، كما أنه اختُطف مرة أخرى عام 2016 بعد وصوله إلى أوروبا وانتقاده لسجل حقوق الإنسان السيئ في بلاده ومطالباته بالإصلاح.

كما اختطفت السلطات السعودية أيضاً الأمير تركي بن بندر آل سعود، والذي قدّم طلباً للجوء في فرنسا، وقام بتسجيل مستمر لمقاطع فيديو معارضة للنظام السعودي ونشرها على الإنترنت، لكنه اختفى من الوجود عام 2015 عقب اختطافه ونقله للسعودية. كما اختطفت الاستخبارات السعودية الأمير سعود بن سيف النصر بعدما فُبركت له عملية تجارية نُقل على أثرها من روما إلى الرياض، بحسب تصريح الأمير المنشق خالد بن فرحان آل سعود.

دلالات