أزمة ثقة تزعزع معسكر حفتر: مليشيات ترهونة تهدّد بمفاوضات مباشرة مع "الوفاق"

10 سبتمبر 2019
سخط في أوساط قادة مليشيات ترهونة بعد تصريحات سلامة(Getty)
+ الخط -
عمّقت تصريحات المبعوث الأممي لدى ليبيا، غسان سلامة الأخيرة، بشأن عزم اللواء المتقاعد خليفة حفتر على سحب قواته من محيط طرابلس بشروط، أزمة الثقة داخل صفوف قواته التي تقاتل جنوب طرابلس، وأثارت جدلاً بشأن إمكانية إجراء حفتر اتصالات مع أطراف دولية، من دون إشراك حلفائه المحليين.

وأكد مصدر برلماني من طبرق، مقرب من غرف صناعة القرار لدى حفتر، وجود سخط في أوساط قادة مليشيات ترهونة أثير بعد تصريحات سلامة، سيما وأنها تزامنت مع وجود المتحدث باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، في أبوظبي، وإمكانية أن يكون منخرطاً في مساعٍ لها علاقة بسحب حفتر لكتائبه.

ويضيف المصدر أن "اجتماعاً بدأ، ليل أمس الإثنين، بقاعدة الجفرة، واستمر لساعات ضم قيادات من مليشيات ترهونة على رأسها الصيد الجدي ومحمد خليفة الكاني، مع آمر غرفة عمليات حفتر الرئيسة المبروك الغزوي"، لافتاً إلى أن التطمينات التي أوضحها الغزوي لم تكن كافية.

وكشف البرلماني أن قيادات ترهونة هدّدت بالدخول في تفاوض مباشر مع قادة حكومة الوفاق، للانسحاب من القتال، ما اضطر إلى دخول قيادي عسكري مقرب من حفتر على خط الاجتماع، ليؤكد لقادة مليشيات ترهونة أن الضمانات التي يسعى حفتر للحصول عليها تتعلق بعدم اقتحام قوات حكومة الوفاق لترهونة كأحد شروط قبوله بالانسحاب.

ورجح البرلماني سعي حفتر لتثبيت وجوده العسكري بشكل غير مباشر، فهو سيقبل بسحب كتائبه القادمة من الشرق بشرط اقتراب قوات الحكومة من ترهونة، وبالتالي يضمن وجوده قريباً من العاصمة.

وكان سلامة، أكد لصحيفة "ليبراسيون" الفرنسية أن حفتر يشترط "ضمانات" لانسحاب محتمل من محيط العاصمة طرابلس، قبل أن تطالب البعثة الأممية وسائل الإعلام الليبية بتحري الدقة في نقلها لتلك التصريحات.

ولم تنفِ البعثة، في إدراج على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي، تصريح سلامة للصحيفة الفرنسية، لكنها قالت: "تنبه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من التحريف المتكرر الذي يقدم عليه البعض لتصريحات رئيس البعثة والممثل الخاص للأمين العام، كما حصل مجدداً اليوم (الإثنين)، وتدعو الجميع إلى مزيد من المهنية في نقل الوقائع والتصريحات"، من دون أن تبين موضع التحريف في التصريح.


من جهته، سارع المتحدث الرسمي باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، إلى نفي تصريحات سلامة. وقال، في تصريح لصحيفة إماراتية ليل أمس الاثنين: "هذا ادعاء غير صحيح، والجيش (قوات حفتر) لا يوجد في خططه شيء اسمه الانسحاب".

لكن تصريح سلامة بشأن عزم حفتر على الانسحاب المشروط من محيط طرابلس، ذكره ضمن مستجدات دولية ومحلية بشأن الأزمة الليبية، فقال: "منذ أسابيع، أصبحت المواقف أكثر واقعية، والقضية ليست جغرافية فقط"، فحفتر "يشترط ضمانات لانسحاب محتمل من محيط طرابلس"، من دون أن يبين تلك الشروط.

وأشار سلامة إلى انقسام في مواقف خصوم حفتر، فبينما يوجد من يقبل بالتفاوض معه شرط سحب قواته، أكد أن طرابلس ومدناً أخرى لا تريد التفاوض معه.

ويؤكد المتحدث باسم مكتب الإعلام الحربي التابع للجيش بقيادة حكومة الوفاق، عبد المالك المدني، رفض قوات الجيش التحاور مع حفتر.

وفي تعليق على تصريحات سلامة، قال إن "سلامة ذكر في تصريحه أن طرابلس ومصراته والزنتان من بين رافضي الحوار مع حفتر، وهؤلاء يشكلون أكثر من 90 % من الجبهة المواجهة لحفتر، فمن هم الذين قبلوا بالحوار مع حفتر؟ وحتى إن وجدوا فهم قلة لا يذكرون".

وتابع المدني في حديث لـ"العربي الجديد" إن "حفتر باع حلفاءه في ترهونة بهذا التوجه، والقبول بالانسحاب، وقوات الجيش لن تتوقف عن القتال حتى طرد كل مقاتلي حفتر من المنطقة وتطهيرها منهم"، مؤكداً أنه موقف الحكومة المعلن على لسان قاداتها أكثر من مرة.

واتهمت لجنة الخارجية بمجلس النواب المنعقد في طبرق، ضمن بيان لها أمس الاثنين، سلامة بالتأثير على معنويات مقاتلي حفتر من خلال هذه التصريحات، مؤكدة أن "الجيش (قوات حفتر) مستمر في تطهير العاصمة من المليشيات والإرهاب".

وكان المسماري قد أكد، في مؤتمر صحافي عقده من أبوظبي السبت الماضي، رفض حفتر لدعوة البعثة الأممية والمجتمع الدولي لـ"العودة لطاولة الحوار"، وقال: "الحل العسكري هو الطريق الأمثل".

وشدد المسماري على أن "زمن العودة إلى الحوار انتهى، لأن، حتى رئيس حكومة الوفاق فايز السراج الذي كنا نأمل في أن يكون جزءاً من العملية السياسية وبعيداً عن الإرهابيين، وجد نفسه عالقاً في وسطهم".

ويوضح المصدر البرلماني أن تصريحات المسماري تكشف عن موقف الإمارات الرافض للحوار، بينما يعيش حفتر تحت ضغط مستمر من قبل أطراف دولية، سبق أن أعطته الضوء الأخضر للهجوم على طرابلس، لكنها تشدد عليه في الوقت الحالي، بعد فشله العسكري، على ضرورة وقف الحرب والموافقة على فتح مسار للتفاوض.

وتبدي معلومات البرلماني قبول حفتر بوقف الحرب والانسحاب بعد حجم الخسائر الكبير الذي منيت به قواته، لكنه يعاني نتائج عكسية لتحالفه مع مليشيات قبلية بغرب البلاد على رأسها ترهونة.

ويرجع البرلماني شكل تصريحات سلامة للصحيفة الفرنسية وكشفه عن جزء من كواليس الأحداث في معسكر حفتر، إلى تصريحات المسماري في أبوظبي، التي يبدو أنها استفزته وفهم من خلالها أن حفتر يراوغ في قبوله بوقف الحرب واستئناف العملية السياسية.

وأشار إلى أن بث حالة من الفزع والريبة في صفوف حفتر كانت مقصد سلامة من تلك التصريحات، وسبيلاً للضغط عليه للانصياع لشروط المجتمع الدولي بشأن عملية السلام التي أشار إلى أن حفتر قوضها، ووضعه والأمين العام للأمم المتحدة في موقف "مهين" بإطلاق عملية عسكرية باتجاه طرابلس، في وقت كانا يُعدّان الإجراءات الأخيرة لعقد ملتقى غدامس الجامع منتصف إبريل/نيسان الماضي.