"فبراير الأسود": أحكام قضائية جائرة في خدمة مشانق السيسي

23 فبراير 2019
أعدم المتهمون التسعة رغم نفي التهم المنسوبة لهم(فرانس برس)
+ الخط -

يعد شهر فبراير/ شباط الحالي بمثابة "شهر أسود"، تحديداً للمعتقلين المصريين ممن صدرت أحكام إعدام بحقهم في قضايا العنف ذات الطابع السياسي المتهمين فيها، بسبب تنفيذ نظام عبد الفتاح السيسي مجموعة من الإعدامات في ثلاث قضايا مختلفة خلال أسبوعين فقط، كان آخرها تنفيذ حكم الإعدام، يوم الأربعاء الماضي، بحق 9 شبان مصريين من المتهمين باغتيال النائب العام السابق، هشام بركات. وبينما تتواصل ردود الفعل المنددة بالإعدامات الأخيرة، لا سيما بعد إعادة نشر تقارير إعلامية وصحافية، توضح بطلان الاتهامات بحق الشبان التسعة، فضلاً عن التذكير بشكواهم السابقة من تعرضهم للتعذيب من أجل انتزاع اعترافات منهم، تدور أحاديث عن تجهيز آخرين من الصادر بحقهم أحكام إعدام نهائية لتنفيذها، ما يرجّح ارتفاع حصيلة الإعدامات خلال الشهر الحالي.

وفي السادس من فبراير/ شباط الحالي، نفذت الأجهزة الأمنية حكم الإعدام بحق 3 من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، في القضية المعروفة باسم "نجل مستشار المنصورة"، هم أحمد ماهر هنداوي، طالب بكلية الهندسة في جامعة المنصور وأحد أبطال رياضة الملاكمة على مستوى العالم، والمعتز بالله غانم، طالب بكلية التجارة في الجامعة ذاتها، وعبد الحميد عبد الفتاح متولي، صاحب شركة كمبيوتر. وتعود القضية إلى 10 سبتمبر/ أيلول عام 2014، حين أطلق مجهولون النار على محمد (26 سنة)، نجل نائب رئيس محكمة استئناف القاهرة المستشار محمود السيد المورللي، أمام منزله بمدينة المنصورة في محافظة الدقهلية. وشنّت السلطات على خلفية هذه الجريمة حملات أمنية واسعة اعتقلت على إثرها عدداً من المشتبه بهم. وفي 7 مارس/ آذار 2015 أحالت النيابة العامة بالمنصورة ثلاثة منهم إلى محكمة الجنايات التي أصدرت حكماً بإدانتهم، وقضت محكمة النقض بتأييد الإعدام شنقاً بحق المتهمين الـ3 بعد رفض الطعن المقدم منهم.

وفي 13 فبراير/ شباط الحالي، نفذت السلطات المصرية حكم الإعدام في ثلاثة آخرين من أبناء مدينة كرداسة في محافظة الجيزة، ضمن القضية المعروفة إعلامياً بمقتل اللواء نبيل فراج، وهم: محمد سعيد فرج، ومحمد عبد السميع حميدة، وصلاح فتحي حسن. وجاء تنفيذ حكم الإعدام بحق المتهمين الثلاثة على الرغم من تبرئة شهادة المتحدث باسم الطب الشرعي المصري لهم، إذ أكد أثناء المحاكمة، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، أن فحص جسد القتيل اللواء نبيل فراج أظهر أنه تُوفي نتيجة مقذوف من عيار 9 ملم من مسافة 10 إلى 20 متراً باتجاه الكتف الأيمن أحدثت نزيفاً وتهتكاً بالقلب والرئتين أدى إلى موته خلال 10 دقائق، على الرغم من أن أقرب منزل لتمركز القوات التي حضرت لاقتحام المدينة يبعد أكثر من 50 متراً. وأشار الطب الشرعي، في تقريره حينها، إلى أن المجني عليه كان يرتدي بزة شرطة، عليها ثقب إثر إطلاق نار، مضيفاً أن الجاني كان يقف على يمين المجني عليه بمسافة المدى المميت من السلاح المستخدم. وتعود القضية إلى 19 سبتمبر/ أيلول 2013، عقب اقتحام قوات من الشرطة والجيش مدينة كرداسة غربي القاهرة لضبط عدد من المتهمين. وأسفرت العملية عن مقتل مساعد مدير أمن الجيزة وقتها اللواء نبيل فراج، وإصابة 9 عناصر من الجيش والشرطة. واتهمت النيابة 23 شخصاً، بينهم 12 حضورياً، بقتل فراج، والشروع في قتل شرطيين، وحيازة أسلحة، وهي تُهم نفاها المتهمون. وفي 24 سبتمبر/ أيلول 2016، قضت محكمة جنايات شمال القاهرة خلال إعادة محاكمة المتهمين للمرة الثانية والأخيرة، بإعدام 7 متهمين والسجن 10 سنوات لـ 5 آخرين، وببراءة متهم واحد، عقب إحالة أوراق 7 متهمين إلى المفتي بجلسة 30 يوليو/ تموز من العام ذاته. وفي 20 يناير/ كانون الثاني 2018 أيّدت محكمة النقض حكم الإعدام بحق الثلاثة، وخففت الحكم الصادر بالإعدام بحق 4 آخرين إلى السجن المؤبد (25 عاماً)، وتأييد عقوبة السجن 10 سنوات لـ5 آخرين، أُدينوا بتهم من بينها قتل فراج في سبتمبر/ أيلول 2013.


وفي 20 فبراير/ شباط الحالي، استيقظ المصريون على فاجعة تنفيذ الحكم في 9 من الشباب من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بتهمة اغتيال النائب العام السابق، وهم أحمد محمد طه وهدان، وأبو القاسم أحمد علي يوسف منصور، وأحمد جمال أحمد محمود حجازي، ومحمود الأحمدي عبد الرحمن علي وهدان، وأبو البكر عبد المجيد السيد علي، وعبد الرحمن سليمان محمد محمد كحوش، وأحمد محمد هيثم أحمد محمود الدجوي، وأحمد محروس سيد عبد الرحمن، وإسلام محمد أحمد مكاوي. وتمّ تنفيذ حكم الإعدام رغم نفْي المتهمين التسعة التهم المنسوبة إليهم، وكذلك مطالبة منظمة العفو الدولية السلطات المصرية بوقف الإعدام في حق المعارضين التسعة. وأشارت منظمة العفو الدولية إلى أنه "لا شك في ضرورة مقاضاة المتورطين في الهجمات المميتة ومحاسبتهم على أفعالهم، لكن إعدام السجناء أو إدانة أشخاص استناداً إلى اعترافات انتُزعت تحت التعذيب ليس عدلاً". واعتبرت أن عقوبة الإعدام تنفذ في مصر بشكل "مرعب"، وذلك بالنظر إلى أحكام الإعدام التي يتم إصدارها وتنفيذها في حق المعارضين.

جدير بالذكر أن محكمة الاستئناف المصرية قد أصدرت في نوفمبر/ تشرين الثاني حكماً نهائياً بإعدام الأشخاص التسعة بعد إدانتهم باغتيال النائب العام السابق في تفجير استهدف موكبه في القاهرة في صيف عام 2015. وكان بركات قد لقي حتفه إثر تفجير سيارة مفخخة استهدفت موكبه في القاهرة. واتهمت السلطات المصرية وقتها كلاً من جماعة الإخوان المسلمين وحركة "حماس" بالوقوف وراء التفجير، وهو الأمر الذي نفاه الطرفان. وتم تنفيذ الحكم في وقت تستقبل فيه القاهرة وفداً رفيع المستوى من "حماس"، بقيادة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية لإجراء مشاورات بشأن المصالحة الداخلية، والتهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي.

يأتي هذا في الوقت الذي كشفت فيه المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي منظمة حقوقية أهلية، أن عدد الأحكام بالإعدام التي صدرت بحق متهمين خلال يناير/ كانون الثاني الماضي فقط بلغت 56، بالإضافة إلى إحالة أوراق 48 متهماً في 19 قضية للمفتي. ونفذت مصر أحكام الإعدام بحق 32 متهماً بحسب الحصر بين يناير/ كانون الثاني ونوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي. وأصدرت 12 منظمة حقوقية بياناً، في وقت سابق، ذكرت فيه أن الحكومة المصرية تستخدم عقوبة الإعدام بشكل سياسي، إذ تم تنفيذ حكم الإعدام في 17 مايو/ أيار عام 2015 بستة أشخاص في القضية رقم 43 لسنة 2014 جنايات عسكرية شمال القاهرة، والمعروفة إعلامياً باسم قضية "خلية عرب شركس" في اليوم التالي على جريمة اغتيال ثلاثة قضاة في العريش. وتم تنفيذ الإعدام في 26 ديسمبر/ كانون الأول 2017 بخمسة عشر متهماً في القضية رقم 411 جنايات كلي الإسماعيلية لسنة 2013 والمعروفة إعلاميًّا بـ "خلية رصد الضباط"، بعد استهداف وزير الدفاع ووزير الداخلية في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2017.

المساهمون