بريطانيا ... الرغبة الممنوعة بفوز دونالد ترامب

04 نوفمبر 2016
حاول مجلس العموم منع زيارة ترامب لإسكتلندا (جيف ميتشل/Getty)
+ الخط -


رغم انشغال بريطانيا بحالة عدم اليقين السياسي الداخلي، الذي أعقب تصويت 52 في المائة من البريطانيين لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي في استفتاء يونيو/حزيران الماضي، وما أعقب ذلك من استقالة رئيس الحكومة، ديفيد كاميرون، واستمرار حالة اللاستقرار السياسي والاقتصادي حتى بعد تشكيل حكومة جديدة برئاسة تيريزا ماي، إلا أن ذلك لم يثن البريطانيين عن متابعة مجريات الانتخابات الرئاسية الأميركية، كما تقول أستاذة العلوم السياسية في جامعة مانشستر، أنجيليا ويلسون. وكما ساد الغموض الموقف النهائي لأغلبية الناخبين البريطانيين خلال العديد من الاستحقاقات التي مرت بها البلاد، منذ الاستفتاء الإسكتلندي في العام 2014، وصولاً إلى استفتاء "بريكست" في يونيو الماضي، مروراً بالانتخابات العامة في العام 2015، يسود الغموض موقف النخبة السياسية، والرأي العام، في بريطانيا، تجاه مرشحي الرئاسة الأميركية، الجمهوري دونالد ترامب، والديمقراطية، هيلاي كلينتون.

ترامب والخوف من المجهول

ترى الكاتبة في صحيفة "إكسبرس"، أليس فوستر، أن الأوساط السياسية البريطانية لا ترحب بوصول ترامب إلى البيت الأبيض، وقد ظهر ذلك جلياً، عندما حاول مجلس العموم البريطاني في يونيو منع ترامب من زيارة المملكة المتحدة، بعد توقيع أكثر من نصف مليون مواطن عريضة تطالب بذلك بسبب تصريحات ترامب المعادية للمسلمين. كما اتضح ذلك من خلال تصريحات رئيس الحكومة البريطانية آنذاك، ديفيد كاميرون، الذي وصف خطابات ترامب بأنها "غبية وخاطئة ومسببة للشقاق"، وشاركه هذا الموقف زعيم حزب العمال المعارض، جيرمي كوربن، وعمدة لندن، صادق خان، وغيرهم من الساسة الذين لا يتفقون مع الخطاب الشعبوي اليميني لترامب.

ولا يمنع ذلك من وجود "جيوب" داخل المؤسسة السياسية البريطانية تفضل ترامب على كلينتون، وإن كانت تتردد في إعلان ذلك بسبب خطاب المرشح الجمهوري العنصري، وتصريحاته المثيرة للجدل، كما يقول أستاذ تاريخ الولايات المتحدة في جامعة نورثمبريا، مايكل كوليناني، لا سيما بعد "بريكست"، إذ من المُرجح أن يسعى ترامب لعقد تفاهمات تجارية مع بريطانيا. وقد كان المرشح الجمهوري من أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وعبر عن ذلك خلال زيارته إسكتلندا في 24 يونيو الماضي، يوم إعلان نتيجة استفتاء "بريكست"، بالقول إن "بريطانيا لن تكون في آخر الطابور للحصول على اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، بعد أن قرر البريطانيون استعادة وطنهم مرة أخرى بالتصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي".

ورغم أن الموقف العام للنخب السياسية مناوئ لترامب، إلا أن بعض المراقبين يرون أن تصويت 52 في المائة من البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، بعد حملات طغى عليها الخطاب الشعبوي اليميني، يتطابق مع الخطاب الشعبوي العنصري الذي يسود الحملات الانتخابية لترامب. وقد تعني هذه النتيجة أن أغلبية الرأي العام البريطاني تفضل فوز ترامب على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون. كما يرى البعض أن وعود ترامب باتخاذ إجراءات صارمة بشأن الهجرة، وبناء جدار عازل على الحدود مع المكسيك، تتقاطع مع الخطاب الشعبوي الذي ساد حملات "بريكست" في بريطانيا. أما على صعيد تأثير فوز ترامب أو كلينتون على السياسة الخارجية لبريطانيا، لا سيما بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، سواء لجهة مستقبل علاقاتها مع دول المجموعة الأوروبية، أو لجهة وحدة وتماسك المملكة المتحدة، فيرى أستاذ التاريخ الأميركي الحديث في جامعة "ساسكس"، كلايف ويب، أن بريطانيا تخشى فوز ترامب. ويقول ويب "ليس لدي شك في أن رئاسة ترامب ستؤثر على علاقات الولايات المتحدة، ليس مع بريطانيا فقط ولكن مع باقي العالم... سيكون ترامب رئيساً بسياسات حمائية، انعزالية، تركز على الاهتمامات المحلية للولايات المتحدة، بدلاً من الحفاظ على دور أميركا الدولي". ومع ذلك، يستبعد أستاذ العلوم السياسية في جامعة كولومبيا، جوشوا سيمون، أن ينحو ترامب لجهة فك العلاقات البريطانية الأميركية، بل على العكس من ذلك سيتجه إلى تقويتها. ويقول سيمون "أتوقع أن يتجه الرئيس ترامب لتعميق العلاقة الخاصة التي تساعد بريطانيا على فك ارتباطها بأوروبا".


الاستقرار مع كلينتون

بعيدا عن ظلال "البريكست"، فإن أغلبية سكان المملكة المتحدة، بما في ذلك المسؤولون المنتخبون، ترى هيلاري كلينتون كخيار أكثر استقراراً لقيادة أقرب حلفاء بريطانيا، كما يقول أستاذ تاريخ الولايات المتحدة في جامعة نورثمبريا، مايكل كوليناني. ويرى كوليناني أن "الطبقة السياسية في بريطانيا ترى أن الولايات المتحدة ستكون أكثر أماناً في أيدي هيلاري كلينتون منها في أيدي دونالد ترامب". وبالرد على تقاطع خطاب ترامب مع الخطاب الشعبوي لأنصار "بريكست"، يقول كوليناني إن المواطنين البريطانيين، بما في ذلك حزب المحافظين، يدعمون على نطاق واسع الخدمات الصحية الوطنية المدعومة من الدولة، ويتقاطع ذلك مع تعهدات كلينتون بالحفاظ على قانون الرعاية الصحية الذي سنه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وهذا قد يجعل منها مرشحة مفضلة لشريحة عريضة من البريطانيين.

وتبدو الأوساط السياسية البريطانية أكثر ميلاً لفوز هيلاري كلينتون، صاحبة الخبرة في السياسة الخارجية، وذات الخلفية السياسية المعروفة، والتي لا يُتوقع أن تبتعد كثيراً عن الخيارات الإستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية. وفي مقابل ذلك تخشى بريطانيا فوز ترامب قليل الخبرة، والقادم من خارج النظام السياسي الأميركي، وصاحب التوجهات الخارجية المرتبكة والغامضة، كما تقول أليس فوستر، ومثال على ذلك دعواته المتكررة إلى علاقات ودية مع روسيا والرئيس، فلاديمير بوتين، وهو ما يثير قلق الخبراء الأمنيين في الغرب، لا سيما أن مواقف ترامب تتزامن مع سلوك روسيا العدائي في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط.

المساهمون