ويحظى الأصم، البالغ من العمر 29 عاماً، بمكانة خاصة في الشارع الثوري في السودان، وضعته في مرتبة أيقونة الثورة التي أطاحت، العام الماضي، نظام الرئيس المعزول عمر البشير، فهو من المؤسسين لتجمع المهنيين السودانيين ودينامو الحراك الثوري، وأول من تلا، عبر وسائط التواصل الاجتماعي، ميثاق الحرية والتغيير الذي توافقت عليه قوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني لإسقاط نظام البشير.
ودفع الأصم ثمن ذلك الاعتقال لعدة أشهر، ولم يُطلق سراحه إلا بعد سقوط النظام، وبعدها كان من المفاوضين الرئيسيين من جانب تحالف الحرية والتغيير، لترتيب هياكل وأهداف الفترة الانتقالية.
وبعد تشكيل الحكومة، فضل الأصم، مع قيادات تجمع المهنيين، عدم المشاركة في الحكومة، وكان مقربون منه يشيرون إلى أن الأصم يجهز نفسه أو يُجهز، لمستقبل سياسي أكبر، أقله رئيساً للوزراء، بعد أقرب انتخابات عامة في البلاد، بناء على التأييد الشعبي الذي يحظى به.
ونشط الأصم، عقب تكوين الحكومة الانتقالية، في مجال العمل النقابي، وتحديداً في إعداد قوانين جديدة للنقابات، كما نشط في مجال العمل الميداني وزيارة الولايات البعيدة، والتدخل في الصلح الاجتماعي في بعض مناطق التوتر القبلي، كما عمد في الفترة الأخيرة إلى توجيه انتقادات لاذعة لأداء حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، أبرزها حديثه عن عدم التزامها بالوثيقة الدستورية، فيما يخص تعيين وزراء دولة في الحكومة، حتى فاجأ الجميع باستقالته من سكرتارية التجمع في اليومين الماضيين، بحجة إتاحة الفرصة لدماء جديدة.
لكن مصادر قريبة من تجمع المهنيين تتحدث عن رواية أخرى مفادها أن استقالة محمد ناجي الأصم ناتجة عن عدم رضا من الأداء داخل التجمع وداخل تحالف الحرية والتغيير الحاكم ككل.
ويشير المبروك لـ"العربي الجديد" إلى أن استقالة الأصم ليست الأولى داخل الحرية والتغيير، فقد سبقتها استقالة أسامة أحمد من وزارة الصحة بولاية الخرطوم، ومحمد عصمت من لجنة التعيينات بالتحالف، مؤكداً أن كل تلك المواقف تعطي مؤشراً على وجود خلل واسع في التحالف الحاكم الذي تسيطر عليه 4 تنظيمات فقط، وهي حزب الأمة، والتجمع الاتحادي، وحزب البعث العربي الاشتراكي ومفصولو الحزب الشيوعي، مع تهميش بقية التنظيمات.
ويرى المبروك أن الخلل داخل الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية سينعكس تلقائياً على الأداء الحكومي ويهدد وحدة التحالف ككل.
ويفسر محمد الأمين عبد العزيز، وهو عضو سابق في سكرتارية تجمع المهنيين، بشكل مختلف، استقالة محمد ناجي الأصم، إذ يرى أن الأصم يريد من خلال الاستقالة استعادة الزخم الذي فقده في الفترة الأخيرة، حتى تتم إعادته للمنصب عبر المؤتمر العام الذي سينعقد في الأيام القادمة، مبدياً اندهاشه من قرار الاستقالة الذي جاء قبل 5 أيام فقط من نهاية أجل السكرتارية.
ويضيف عبد العزيز لـ"العربي الجديد" أن "عمل تجمع المهنيين، في الفترة السابقة، تضمن خللا كبيرا تسبب به صراع ثلاث جماعات ضغط، على رأسها اللوبي الشيوعي ولوبي المؤتمر السوداني والاتحاديين، فتأثر الجسم الذي يفترض احتفاظه بكينونته النقابية بعيداً عن النزاع الحزبي والمصالح الحزبية".
وشدد عبد العزيز على ضرورة إعادة بناء تجمع المهنيين من جديد، بما يحقق قيام نقابات حرة وفاعلة ولجان الإحياء، مع الضغط والعمل السياسي الفاعل في مجال تحقيق السلام، والضغط كذلك في طريق تطبيق النظام العلماني في البلاد، والحرص على تصحيح مسار الثورة السودانية، شريطة ألا ينساق التجمع وراء الأحزاب القديمة التي تحاول بقدر المستطاع السيطرة على الثورة وتحويل مساراتها الرئيسة.